تلك الساحات.. هل تصبح وطناً ؟!

كتب
الجمعة ، ٠١ يونيو ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٨ مساءً
  ألطاف الأهدل حين يبدأ التاريخ بسرد قصص الجغرافيا تتحد لغة الزمان والمكان ويتزاوج الحس بالمادة وتجتمع المفردة بالمعنى ويصبح للقصة صوت وصورة، شكل ومضمون.. على أرض الوطن اليوم تنام ساحات وتستيقظ أخرى ليستمر التاريخ في كتابة قصص جديدة تحكي عن متوالية بشرية سكنت أحرف المعاناة واغتسلت بمائها، لازالت بعض أرقام المتوالية قائمة بلا سوق “جمع ساق” وأخرى تزحف على جوارحها راضية مرضية وثالثة تتناول وجبة اليأس على أرصفة الساحات كل يوم، ورابعة رحلت فلم تصفق للنصر ولم تبك معنا مرارة الهزيمة، رحلت وهي تصرخ بالحياة فألجمها الموت ولم نسمعها منذ أن خفتت أضواء المدينة وأصبح وميض الحرية حلماً نراه ونحن نعاني سنِة اليقظة ! فسيلة الحياة، ساحات تحدثت إلينا ومشت معنا ونامت إلى جوارنا كل ليلة في موسم شتاء قارس كادت فيه دماء عروقنا أن تتجمد هاربة من صقيع القرارات السياسية إلى صقيع الموت المحتم، يوم كان البيت خيمة والزاد رغيف خبز بارد والشراب دموعاً على الراحلين وأخرى على القادمين من موطن الصمت بعد فوات الأوان.. ساحات تمرغت بتراب الظلم حين اشتاقت إلى أن تتذوق طعم العدالة، ساحات مع هذا وأخرى ضد ذاك لكنها في النهاية تحتضن بشراً من لحم ودم، لكل منهم أمل يتعدى حدود الزمان والمكان .. يتجاوز مساحة العقل والخيال ، يحلّق كما تحلّق أرواح الأطفال بين السماء والأرض في حلم بريء، شفاف، ترفعه أجنحة الابتهال والنجوى إلى برزخ أثيري يسكن كوة الاشتياق دون ان توقعه الريح.. ساحات نأت بوجهها عن الوطن وأخرى وجهت وجهها إليه في صلاة صمت ووحدة وغربة وبقايا انتهاء، تلك الساحات مع هذا أو ضد ذاك ما مصيرها بعد أن سقطت ألسنة السياسة وأصبح السياسيون بكماً بعد أن كانوا فقط صماً وعمياناً؟!! من سيسكن الساحات بعد ان تغيب معالم العاصفة وتهدأ الريح وتنتهي حفلة الموت بالجملة ؟! هل ستتحول تلك الخيمة إلى غيمة ؟! هل ستجتث أنات الأمهات تلك المنصة اليتيمة ؟! هل سيخلد التاريخ تلك الساحات على أوراقه المتساقطة عن أدراج الزمن؟! هل سيكون هناك قضية؟! هل سيؤمن الآخرون بمبادئ الساحات بعد أن أصبح هناك مدرسة ثورية؟! أو منهجاً سياسياً منقسم الباطن والظاهر؟! أتساءل دائماً عن ساحات تشربت بالعنف كما تتشرب قطعة الحلوى بالسكر، عنف ضد الآخر، عنف مع الآخر، عنف مع القمة ومع القاعدة، ضد التيار ومع التيار،.. عنف لم يجد البعض بديلاً له، فهل ستختفي موجة العنف هذه عن تلك الساحات؟! هل ستختفي قناعة الافتتان بالقوة؟! هل ستكون هناك بداية جريئة لحقبة تاريخية وطنية خالية من الكراهية؟! أشعر بالتفاؤل الحذر والأمل الضيق وسعة الأفق الحرجة تجتاح كل مفاصل الفكرة الثورية بعد أن أصبح لكل مفردة وطنية اتجاه مستقل، لكنني لازلت أؤمن بالقضية الأكبر والأجل والأطهر والأعمق، الوطن الذي أسكنه ويسكتني برضاي أو رغماً عني! لكنني أرفض أن أسكنه كمتشردة ويسكنني كفتات أمنية.. ساحات لا يمكن أن تصبح وطناً مادام الشعب يسكن شرفة الحرية!  
الحجر الصحفي في زمن الحوثي