حكومة العبادي: رؤية ناضجة في التعاطي مع العمق العربي

د. عبدالحي علي قاسم
السبت ، ٠١ ابريل ٢٠١٧ الساعة ٠٤:٣٧ مساءً
 
   يبدوا أن العراق أمام مرحلة مهمة، وانعطافة دبلوماسية أكثر فهما واحترافا في التعاطي مع مفردات المصلحة الوطنية الأكثر حيوية في قائمة أولوياتها الدبلوماسية. إن تجربة كارثية أليمة حلت بالعراق منذ العام 1990، وما آلت بشعب العراق من مأسي تمخضت عن نضج قيادي مدرك بأن ضروب المزايدات والشعارات الفجاجة عندما تقفز عن واقع الحسابات الجيوسياسية لا تثمر أمنا ولا تغني نفعا.
 
 
    وفي سياق هذا الوعي، فالجهود التي تبذلها حكومة العبادي لكسر حاجز العزلة والقطيعة مع جوار عمقها الخليجي والعربي بالغ الأهمية، بدأت مؤشرات ثمارها في التفهم، والقبول العربي للتعاطي الإيجابي مع دولة حيدر العبادي برؤيتها السليمة والأخوية تجاه الأشقاء في المنطقة، وتحديدا المملكة السعودية، وبقية دول الخليج واليمن. 
 
 
    ما يجمع الشعوب العربية من دفئ المصالح المتبادلة، واستحقاقات الأمن القومي، وكبح مخاطر الإرهاب لتجنب ويلاته أكثر مما يفرقها من اعتبارات إقليمية لا طائل من ورائها.
 
 
   وحدها حكومة العبادي، ووزارة خارجيتها ممثلة بالدكتور إبراهيم الجعفري كفيلة بتبديد غيمة التخوفات، والشكوك السياسية، وتجاوز منطق التمترسات والتخندقات الطائفية، لتأسيس مرحلة علاقات تعاونية مهمة تقوم على الاحترام المتبادل، وحرمة التدخل بالشئون الداخلية، والاستفادة من إمكانات المصالح المشتركة، ومواجهة التحديات والمخاطر العالقة والمحتملة. 
 
 
  القمة العربية الأخيرة في عمان، كشفت أن العراق قادرا على تقديم رؤية قيادية ناضجة، ومدركة لطبيعة حجم وكثافة مصالحها أين تكمن، وما ذلك النشاط الدبلوماسي المحموم لحكومة حيدر العبادي في عقد أكثر من لقاء بالقادة العرب إلا ترجمة لنضج تلك الرؤية،  وتبشر بصيف علاقات أخوية دافئة، يستعيد فيها العراق عافيته الدبلوماسية، ويعود إلى حاضنته العربية بما يحقق مصالحه وأشقائه. وتجعله قادرا على الوقوف على جملة خيارات تعفيه وأي تنازلات لأي قوة كانت، فالعراق تأريخيا رائد النهضة والتغيير الإستراتيجي في المنطقة، ويجب أن يكون كذلك. العراق بعمقه العربي قويا ورائدا ولا يعني ذلك أن تكون تلك العلاقة على حساب الآخرين من أصدقائه. لكن منطق الأولويات المهمة التي تمس عصب الروافع الاقتصادية والسياسية لعراق قوي ومزدهر كامل السيادة في قراراته مرتبط بتطبيع كامل علاقاته مع عمقه العربي، والعمل على إزالة أي كوابح تحول وتطوير تلك العلاقات. وما يزيد من أهمية عودة العراق إلى عمقه أنه يتموقع قلب العمق العربي، وسوف يساعد كثيرا استقراره في معادلة الأمن العربي ويعزز من تحصيناتها.
 
 
  لقد لخص رئيس الحكومة حيدر العبادي سياسة المرحلة في مقابلته مع قناة الحرة بكلمات عندما أكد بأن الانطباعات والقناعات حول العراق الجديد خاطئة، لا تبعية لإيران ولا رؤية انطباعية مستقبلية أن السعودية داعمة للإرهاب.
 
 
    إن العمل العربي لن يلتئم صف أخوته، ويصبح متماسكا وقويا بدون تضييق الخناق على الأعمال العصبوية المنحرفة في إطار تعاون  عربي مشترك يتجاوز الاصطفافات والتخندقات الطائفية لصالح مشروع الدولة الوطنية الجامعة، وبما يستجيب ويعزز أبعاد الأمن القومي العربي. وما تلك الجهود التي تضطلع بها حكومة العبادي في تنقية أجواء العلاقات من الشوائب السياسية والأمنية إلا إعمالا حقيقيا لتجسير روافع الأمن القومي العربي، والحيلولة وأي اختراقات إستراتيجية جديدة يمكن أن تؤول لو سمح الله لهدم جدار الأمن العربي برمته، والعبث بمقدراته.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي