محرقة تعز.. دروس وعظات

كتب
الخميس ، ٣١ مايو ٢٠١٢ الساعة ١٠:٣٤ مساءً
  صلاح عبدالسلام الهيجمي مما لاشك فيه أن التاريخ الحقيقي هو الماضي، وأن استشرافه والتعرف على قوانين حركته هو الذي يحقق لنا العبرة والعظة ويؤهلنا للعبور إلى الحاضر والمرور إلى المستقبل، ولنا أدلة على ذلك من الذكر الحكيم وذكره لقصص الأمم السابقة وماذا حلّ بالطغاة والمتجبرين، وكيف أن الله تعالى كان لهم بالمرصاد، وقد أثبتها القرآن الكريم للعظة والعبرة كما قال سبحانه وتعالى: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب..}يوسف111. وحاشا لله أن نقارن بين ما ذكر في القرآن باعتباره وحياً يوحى، وبين ما حدث ويحدث في واقعنا المعاصر، ولكن من باب العظة والعبرة فقد مرت ذكريات مؤلمة في واقعنا المعاصر ومنها ذكرى محرقة ساحة الحرية في تعز العام الماضي والتي مرت ذاكرها السنوية قبل أمس، وقد كتب عنها من كتب وصوّر أحداثها من صوّر، وشهد من شهد، وبحكم أنني عاصرت اللحظات الأولى لحرقها، وما منعني عن مغادرتها قبل اكتمال المشهد إلا إصابتي بالغاز السام ونقلي إلى إحدى الخيام ومن ثم إلى المستشفى الميداني الذي قام بإسعافي وتخفيف آلامي بضرب بعض الإبر حتى أفقت ثم أخذني أحد الزملاء إلى خارج الساحة وانطلقت بعدها إلى المنزل، وقد بقت آثار الغاز السام تخنقني لمدة ثلاثة أيام بلياليها لا أملك خلالها إلا القول: حسبنا الله ونعم الوكيل. وما دفعني لكتابة ذلك وتدوين هذه المقالة إلا ألم الفاجعة وبضع وقفات ربما أهملها الكثيرون وتناسوها؛ وهذه الوقفات تتمثل بالدروس المستفادة من حرق ساحة الحرية، وكيف نحوّل هذه الدروس إلى واقع عملي إيجابي يمهد لمستقبل منشود ونأخذ منه العظات؟ إن هذه الوقفات تتمحور في جانبين؛ جانب سلبي قواده بعض عساكر النظام السابق بمختلف وحداتهم العسكرية وبلاطجته، وجانب إيجابي قواده حملة التغيير وشباب الثورة في تعز. أما الجانب السلبي فتتفرع منه جوانب سلبية تتمثل بالأمور الآتية: ـ كشفت لنا المحرقة خبث المنظمين لها وسوء إعدادهم وتعمق رواسب الجاهلية بداخلهم، كل ذلك انتقاماً من تعز ومدنيتها وعلم أبنائها وتصدرهم الثورة وبأنهم قنديلها المضاء، وكذلك من أجل تحطيم معنويات الثوار والثائرات وإصابتهم في مقتل، وما زادهم ذلك إلا توحداً وتماسكاً.. ـ وأضحت لنا المحرقة حب قوادها للمال مما دفعهم إلى النهب والسلب وأخذ حقوق الآخرين دون وجه حق بلا وازع ديني ولا ضمير إنساني، وعليه فمهما استأسد الفأر يوماً فإنه يظل فأراً دوماً. ـ بينت لنا المحرقة استهتار قوادها ومقتحميها بدماء اليمنيين وأنهم لا يهمهم القتل والذبح والإحراق بقدر همهم حب التملك والسيطرة دون حق، وعليه فلاتزال دماؤهم تلاحق المجرمين الآن أو غداً. ـ كشفت لنا المحرقة ضعف وسوء تربية الجنود والبلاطجة، فبدلاً من أن يتم تربيتهم على حماية اليمن واليمنيين ربّوهم على الرذائل وأذية المسلمين. ـ أظهرت لنا المحرقة انتزاع الأخلاق من قلوب الجنود والبلاطجة، التي تعد الركيزة الأساسية في تطوير المستقبل، مما جعلهم لا يفرقون بين شاب أو طفل وبين رجل أو امرأة حتى غزوهم وهم نائمون على أسرّة المرض، بدون رحمة ولا وازع أخلاقي بعكس الثوار والثائرات. ـ اتضح لنا أن المجرم جبان وأن الفاعل خائف، مما جعلهم يطمسون آثار الجريمة، وغيرها كثير.. أما الجانب الإيجابي فتتفرع منه جوانب إيجابية تتمثل أهمها بالأمور الآتية: ـ تجسُّد فضيلة الأخوة بين الثوار أنفسهم من حيث ترابطهم وتوادهم وتعاطفهم وتكوينهم جسراً بشرياً في الطرف المهدد بالاقتحام في بداية الأمر، ولم يفك ذلك الترابط إلا دناءة الجنود وبلاطجتهم عند رمي القنابل الحارقة والمسيلة للدموع والغازات السامة، كما تجلت هذه الفضيلة من خلال أخذ الجرحى والمصابين والقتلى ونقلهم في الدراجات النارية وسيارات الإسعاف وإعطاء وسائل الوقاية. ـ كان سلاح الثبات متواجداً منذ اقتحام الساحة حتى النهاية، كما لاحظنا وشاهدنا في وسائل الإعلام. ـ الرضا بالقضاء والقدر وعدم الخوف كان ملاحظاً منذ الساعات الأولى، ولا أخفيكم القول: إنني كنت في وسط الجماهير الثائرة وأنقل المصابين والجرحى إلى سيارات الإسعاف والدراجات النارية فحدثتني نفسي ماذا لو أطلق أحدهم عليّ رصاصة وأرداني قتيلاً؟ قلت حينها: إن القضاء والقدر مكتوب فواصلت عملية الإنقاذ حتى أصبت بالغاز السام في وقت متأخر كما ذكرت. ـ كان صوت الدعاء مجلجلاً وذكر الله مسموعاً من على منصة الساحة إلى أن استهدفوها، وبقت أنوار الذكر والدعاء ساطعة تدعو على من استهدفها، مؤمنة بأن دعوة المظلوم مستجابة اليوم أو غداً.. وغير ذلك مما لايتسع المقام لذكرها. وما زاد حرق الساحة إلا توالد ساحات كثيرة في كل أرجاء تعز، وزادهم قوة عظمى إلى قوتهم.. {وقد خاب من دسّاها}. إن كل تلك الدروس بحاجة إلى تقويم؛ فالجوانب السلبية لابد من تحويلها إلى جوانب إيجابية تتمثل بالفضيلة وإبعاد رواسب الجاهلية وعدم أخذ حقوق الغير وصون اليد واللسان من أذى المسلمين بأي نوع من الأذى سواء كان قتلاً أم ضرباً أم سباً أم سوء ظن، فسلامة المسلم من أخيه صيانة له ولأخيه من مهالك الدنيا والآخرة، و«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».. أما الجوانب الإيجابية لابد أن نقويها ونشد على أزرها ونضيف إليها جوانب إيجابية أخرى كي نتجاوز كل العقبات، كما قال حكيم: «لا يُقاس نجاح المرء بمقدار ما يحقق من إنجازات ولكن بمقدار ما يتجاوز من عقبات».. [email protected]
الحجر الصحفي في زمن الحوثي