بين الفينة والأخرى تطل علينا أحداثاً تكاد تكون مكررة ، لكنَّ جهلنا او نسياننا لشبيهاتها السابقة تجعلنا نتعامل مع الأحداث بطريقة التفكير الصفري .
التفكير الصفري اردت به التعامل مع الأحداث بصفتها حديثة ليس لها ارتباط باحداث تكررت سابقاً، جهلاً بالتاريخ أو نسياناً له ، مع أنه ربما كنا جزءً لا يتجزأ من الحدث بصورته السابقة ، أوصانعين له ، أو مجبرين على التعامل معه بصفة مباشرة ، أو غير مباشرة بارتباطنا بالأثار المترتبة عليه .
إذن هي أفة النسيان الناتج عن انشغالنا بمتطلبات الحياة اليومية التي تنحصر غالباً في السعي نحو الاحتياجات الضرورية التي تسندنا لنعيش لاغير ، وتنسينا العودة لماضينا القريب والبعيد لدراسته واستلهام الخطوط العريضة للتعامل مع الحاضر ، وربما المستقبل كذلك .
دعوني اضرب لكم مثلاً ..
منذ تأسيس المنظمة الدولية (الامم المتحدة) كانت مظالم أمتنا حاضرة بقوة في كل نقاشاتها ، وظللنا لعقود نعوِّل عليها كثيرا لتنتصر لنا ، لكن شئً من ذلك لم يحدث ، وظلت الامم المتحدة تتعامل مع قضايانا تعاملاً صورياً يهدف إلى تحسين الصورة العامة أمام الاعلام لا غير ، و سرعان ما ندرك أنه لم تتحقق من مطالبنا على الأرض شيئا مذكورا .
ظل القرار العالمي بيد الدول الخمس الكُبرى ولأجل ذلك تستخدم حق الفيتو المشؤم كلما اقتربنا لنصل من بعض أحلامنا في الحرية ونيل الحقوق ، وسيادة القرار والمصير .
إنها صورة بائسة من صور العدالة الإنسانية المزعومة يجب ان تكون حاضرة كلما فكرنا في اللجوء للأمم المتحدة كمؤسسة دولية مناط بها الوقوف مع تطلعات الشعوب لإصلاح أوضاعها ، والانتصار على من ظلمها دولاً أو منظمات أو أفراد .
لست داعياً لمقاطعة الأمم المتحدة لكن أدعوا أن تمتلك شعوبنا أوراقاً تستطيع اللعب بها في إطار مصالح الدول الكبرى التي تتحكم بقرارات المنظمة الدولية ، وأن يكون حاضراً في أذهاننا التناقض بين ما قامت لاجله المنظمة ، وبين طريقة تعاملها مع مظلوميات الشعوب وتطلعاتها التي تُخضِعمها لمصالح وقرارات الدول الكبرى .
في الواقع نحن أمام درس يجب أن لاننساه إطلاقاً مهما تقادمت السنون ، ونسياننا له يوقعنا في أخطاء متكررة ومتشابة إن لم تكن متطابقة ، ولاسبيل لتجاوزها إلا أن نتخلص من أفة النسيان التي تستهلك قدرتنا على تجاوز كبواتنا السابقة .
لاجل هذا المسلك نحتاج كشعوب وكدول إلى التفكير في إنشاء مراكز أبحاث قومية متخصصة في تحديد طرق التعامل الحصيف مع التغييرات العالمية ، والوسائل التي نتوفق عبرها لنيل تطلعاتنا ، مستلهمين ذلك من أحدث الماضي القريب والأقرب ، ومتغيرات عديدة يجيد رصدها وتحليلها المتخصصون ، وأجزم أن لدينا من سيبرع في ذلك .
يبقى علينا كشعوب ان يظل أمسنا حاضراً بفاعلية حين نصنع أحداث يومنا ، وفي اعتقادي أن ذلك سيجعلنا نتجاوز الكثير من معظلاتنا ، وستكون أحلامنا أقرب من التحقق ، وفجرنا يبزغ ببهاء أكثر .
أخيرا أؤكد لك عزيزي القارئ العربي أن ما كتبته هنا ليس لجلد الذات بقدر ماهو لتوضيح الخلل وتصحيح المسار ..