روح صالح تسكن هذا المكان

كتب
الأحد ، ٢٧ مايو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٠٧ مساءً
يحــي الســادة ما من مكان تعلق فيه روح الرئيس السابق أكثر من هذا المكان الذي جرت فيه العملية الإرهابية البشعة والجبانة قبيل ظهر الاثنين الموافق 21 مايو 2012م, إنه ميدان السبعين الذي طالما اعتلى منصته ليشهد منها العروض العسكرية والشبابية عند كل مناسبة وطنية محاطاً بكبار المسؤولين والقادة وبسفراء الدول الشقيقة والصديقة وبكل عدسات التلفزة وكاميرات الصحف المحلية والأجنبية في مشهد تتجسد فيه السلطة بكل معانيها لدرجة يشعر عندها هذا الحاكم بأنه ما خلق إلا لهذا اليوم, ولهذا الهيلمان ولهذا التميز على الغير, الآمر الذي يجعله لا يقبل حتى بمجرد التفكير في أن يقف مسؤول غيره في هذا المكان الذي يختلف عن كل الأمكنة المتاح له التواجد فيها بما في ذلك مقر الرئاسة ذاته, الذي لا يجد إشكالاً في مغادرته مقابل إحلال حاكم آخر محله فيما يصعب عليه رؤية هذا الحاكم الآخر وهو يقف في منصة الاستعراض كما كان يقف هو على مدى ثلث قرن من الزمن. ميدان السبعين يعني للحاكم السابق علي عبد الله صالح أشياء كثيرة وكثيرة, إذ يعني له السلطة ويعني له القوه ويعنى له الأضواء ويعنى له ثلث قرن من الزمن هو ما يقارب نصف عمره بل ويعني له المكان الذي يستمد منه شرعيته حسب اعتقاده بدليل اختياره لهذا المكان في 21مارس الفائت مسرحا للاحتفال فيه بعيد ميلاده السبعين في إشارة واضحة لا تحتمل التأويل لمدى ارتباطه بهذا المكان وبمدى تحليق روحه فيه حتى بعد أن أزيح عن كرسي الرئاسة في 21فبراير وصعود حاكم آخر لهذا الكرسي وهو المشير/عبد ربه منصور هادي. خلال حكم علي عبد الله صالح لوحظ تركيزه على هذه المنطقة المسماة بمنطقة السبعين من حيث تركيز أهم معالم الدولة فيها والاهتمام بتخطيطها وربطها بطرق واسعة وبكبار وأنفاق يقال إنها لا تقتصر على ما هو باد للعيان وإنما تشمل أنفاقاً وسراديب تحت الأرض تربط قصر الرئاسة بجامع الصالح وتمتد حتى منصة العروض في السبعين. إذا ما صح هذا الخبر وهذه المعلومات التي تتردد على مسامعنا منذ فترة فإن صحة تعلق روح صالح بهذا المكان وبهذه المنطقة تصبح حقيقة, أي لن يكون مجرد تحليل رابطه منصة العروض وعدد الأعياد التي وقف فيها صالح في هذه المنصة لاستعراض قواته وإنما رابطه هو هذه التهيئة لهذه المساحة الجغرافية في أن تكون قلعه عصية من قلاع النظام ومصدر رعب لكل حاكم يفكر في إقامة الأعياد الوطنية وعروضه العسكرية في هذا المكان القابل لكل الاحتمالات والمفاجآت طالما مداخله ومخارجه الأرضية حل لغزها هو حكر على الرئيس السابق لا على غيره خاصة إذا ما عرفنا وكما يقال إن من صمم هذه الأنفاق اختفى في ظروف غامضة بعد فراغه من تنفيذ هذا المشروع. ما أتمناه أن أكون أمام فيلم من الأفلام المرعبة التي تعتمد على الخيال وعلى شد انتباه المشاهد وتوتير أعصابه في إطار التسويق الفني لمثل هذه الأفلام وجني الأرباح منها.... ما أخشاه أن يكون ما قيل عن منطقة السبعين هو كلام حقيقي قابل للتصديق، لاسيما في ظل المعلومات المتضاربة حول الانتحاري الذي لم تكشف هويته الحقيقية حتى اللحظة، والتي تعد تضليلية بما فيها إعلان تبني القاعدة لهذه العملية، والتي يستشف منها إخفاء الجهة الحقيقية التي تقف وراء تجنيد هذا الانتحاري للقيام بهذا الفعل الشنيع والجبان، إذ عند هذه الحالة الضبابية والرمادية التي اعتدنا عليها منذ اغتيال الشهيد الحمدي، منذُ ثلاثة عقود زمنية ونصف العقد سيصبح الأمر مختلفاً تماماً وستصبح اللعبة السياسية الراهنة أكثر من خطرة طالما هنالك مخلوقات خفية لا ترى على الأرض, بينما تتحسس خطواتنا ونوعية أحذيتنا فيما إذا كانت عسكريه أم مدنية. في ضوء هذا المشهد وعلى افتراض التسليم به ولو على طريقة التسليم بالأفلام الأمريكية المرعبة، وفي ضوء التحليل والربط المسبق بين هذا المكان وروح الرئيس السابق المحلقة فيه على الدوام وعلى افتراض أن من قام بعملية التفجير البشعة هو بالفعل منتسباً للقاعدة وحركته جهات غير جهادية في إطار التنسيق بينها وهذه القاعدة المزعومة، يمكنني القول: إن تفجير الاثنين الموافق 21مايو 2012 الذي جرى في ميدان السبعين والذي أودى بحياة أكثر من مائة من خيرة جنودنا وأكثر من مائتي جريح كان بمثابة إنذار لا أكثر بضرورة التراجع عن القيام بعرض عسكري في اليوم الذي يلي يوم هذا التفجير الإجرامي أكثر من كونه ردا من القاعدة على الضربات الموجعة التي أنزلها الجيش بأنصار الشريعة, كون من بعث بهذه الإشارة المكلفة جدا ربما كان حريصاً على عدم إحداث مجازر وفظاعات في اليوم المحدد للعرض هي الأكثر دموية ومأساوية وعلى مرأى ومسمع من الوفود المشاركة الإقليمية منها والعربية والدولية. هذا الحرص بالتأكيد لا تتبعه القاعدة، وإنما تتبعه قوى سياسية تخشى ردة الفعل الداخلي والإقليمي والدولي. أيا كان مصدر هذا الإرهاب فإن هذه الإشارة التي التقطها الرئيس هادي على الفور كقائد محنك وحصيف وكسياسي غير مستعجل على الوقوف في منصة العروض المعتادة في السبعين طالما فاتورة هذه الوقفة ستكون مكلفة وباهظة الثمن للغاية هي من جعلته يؤثر التراجع والمضي باستعراض قواته في مكان هو الأبعد من منطقة السبعين المحظورة عليه ولو مؤقتا وحتى تختفي روح الرئيس السابق من هذه المنطقة و من منصة العروض بالذات لحظة تيقنه بأن الثورة التي اندلعت في فبراير 2011م هي ثورة شعب بامتياز لا علاقة لها بمن ركبوا موجتها أو من حاولوا تصفية حساباتهم معه من خلالها... علاقة هذه الثورة مرتبطة بمآسي الشعب وبمجاعاته وبمظالمه وبإفقار غالبية مكوناته وتهميش أهم كفاءاته مقابل الدفع بجهلة المجتمع ومتطفليه إلى واجهة العمل السياسي و الإداري، الأمر الذي أوصل البلد إلى هذا المآزق والى أكثر من طريق مسدود استدعى عنده تدافع ملايين شرفاء هذا الوطن للميادين والساحات لوضع حد لهذه المعضلات من خلال إسقاط النظام والمطالبة برحيله.  
الحجر الصحفي في زمن الحوثي