زفــرات مــن اثنين السبعين الدامي

كتب
السبت ، ٢٦ مايو ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٣٩ مساءً
  فضل الأشول قبل أكثر من شهر تكرم تنظيم القاعدة في اليمن بإطلاق سراح 73 جندياً كان قد هدد بإعدامهم على سنة الله ورسوله، لكنهم ـ ولأمر نجهله ـ تراجعوا عن تهديدهم ليطلقوا الجنود الأسرى في حفل رسمي أذاعته الفضائيات بحضور قاسم الريمي زعيم التنظيم.. بعدها تحدث بعض المحللين أن قيادة القاعدة أرادت من وراء هذه الخطوة تأكيد سماحتهم مع أعدائهم وتخفيف السخط الشعبي الذي كان سيتعاظم لا محالة إذا أقدموا على ذبح أسراهم الذي يتنافي مع تعاليم الشريعة الإسلامية التي يتشدقون باسمها حتى لو ذكروا اسم الله وحدوا الشفرة وأراحوا الذبيحة. لكن الأهم أننا تبينا أن القيادات الإرهابية تتمتع ببعض العقلانية إن صحّت رواية المحللين، والسؤال: أين ذهبت هذه العقلانية عشية الاحتفال بالذكرى الـ22 لقيام الوحدة اليمنية عندما تطوع أحد الانتحاريين الحالمين بمضاجعة الحور العين بتفجير نفسه بحزام ناسف وُضع بعناية على خاصرته وسط جموع سرايا العرض بوجود كبار قادة الجيش، وتولد عن هذا الانفجار الضخم الذي هزّ أركان العاصمة صنعاء التهام أكثر من تسعين شهيداً ولفظ أجسادهم الطاهرة أشلاء على ميدان السبعين فضلاً عما يقارب 300 جريح لايزال العشرات منهم في وضع صحي حرج. هذه الفاجعة التي تنضم إلى ركب الفجائع التي سلبت اليمنيين فرحتهم وأمنهم واستقرارهم خصوصاً في الآونة الأخيرة تثبت أن القيادات العسكرية والأمنية في بلادنا لا تستفيد أبداً من دروس الإخفاقات والاختلالات المتتالية والتي جرحت عدالتهم في أحقية استمرارهم في مناصبهم، وتبرهن كذلك أنهم على استعداد لأن يلدغوا من جحر واحد ألف مرة دون أن يثير لديهم أي رد فعل يذكر لتجاوز أسباب تلك الانكسارات مستقبلاً، التي ترقى في محتواها إلى مستوى من الفضائح المدوية فأين عبقرية أصحاب الرتب العسكرية العليا وخبرتهم الطويلة مثلاً في تفادي تكرار مصير عشرات الجنود الذين قضوا ذبحاً بالسكاكين هناك في دوفس وهم يغطون في نوم عميق، واغتيال قائد لواء الحرس الجمهوري في أرحب داخل معقل قيادته وسقوط عدد من المعسكرات والمعدات الثقيلة في أيدي أنصار الشريعة في أبين لولا تفضل مجموعة ممن وصفوا بالمنشقين عن القاعدة بإعادة البعض منها.. وغيرها وغيرها تساؤلات كثيرة تستحق البحث والدراسة..! وللأسف الشديد فإن ما لمسناه تجاه هذه النثرات الجسام هو تكالب الرؤوس العليا على تمييع القضايا من خلال سياسة التعتيم الإعلامي وحجب المعلومات عن الرأي العام ووضع العراقيل أمام لجان التحقيق المتعاقبة والتي لا تتشكل في الأصل إلا من باب التخدير الموضعي حتى يتسنى لهم إدراجها قائمة النسيان الشعبي، لأنهم على دراية كاملة أن الذاكرة الشعبية تعاني من مرض الزهايمر الحاد، لذلك هم يراهنون في تعاطيهم مع النثرات على هذه الظاهرة العصيّة على العلاج. صدقوني لو أن رجالات اليمن الكبار وعيونهم الساهرة تعنيهم دماء الضباط والصف والجنود لما تكررت هذه الأعمال الإرهابية التي تعيد إنتاج نفسها في أكثر من مكان وفي مراحل زمنية متقاربة، ولما فُجع الوطن بمذبحة السبعين التي لاشك أن داءها الأعظم يكمن في الإهمال المفرط في الإجراءات الأمنية وضعف الرقابة الصارمة التي عرفناها ونحن طلاب في المعسكرات الصيفية قبل ما يربو على 23 سنة والتي كانت تطال حتى الخيام والبطاطين والفرش ونظافة البدن والملبس.. علماً أن هاتيك الإجراءات كانت في وقت ينعم فيه البلد بوضع آمن ومستقر، فلماذا اختفت مثل هذه الإجراءات الضرورية في الوقت الراهن والوطن يعيش حالة حرب من الدرجة الأولى.. ما لكم كيف تقودون..؟!
الحجر الصحفي في زمن الحوثي