عن رجل الوطن ورجل المليشيا

موسى المقطري
الثلاثاء ، ١٨ اكتوبر ٢٠١٦ الساعة ١١:٣٠ مساءً

بين رجل الدولة ورجل المليشيا فرقٌ شاسعٌ وبونٌ لا يمكن ردمه ، وعدم التفريق بينهما هو طريق لدمار الشعوب وتأخر الأوطان .

 

ففي مجال العقيدة الوطنية فإن رجل الدولة لا يسعى إلا في اطار كونه مواطناً صالحاً يؤدي دوراً يرتقي بوطنه أرضا وإنسانا ،  وفي سبيل ذلك يرى نفسه خادماً لمجتمعه لا مخدوماً فيه ، يقدم مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد ، ويسعى لرفاه المجتمع الذي هو جزء منه يناله ما ينال المجموع .

 

بينما رجل المليشيا يعتقد أن الوطن وما عليه ومافي باطنه ملكاً خالصاً له يسيره حيث يشاء ، ويوجهه حيث يريد ، وله حق التصرف والتملك ، وكأن الوطن قطعة أرض يملكها، مع أنه حتى مالك الأرض له الانتفاع الظاهر أما الباطن فهو ملك للمجتمع .

 

إذا تحققت السيادة لرجل الوطن على القرار وجهه لخدمه وطنه ومجتمعه ، ساعياً لتحقيق العدالة والمساواة ، سالكاً طريق إصلاح الأوضاع وتطبيعها موزعاً صلاحية القرارات على من يراه يقدم مصلحة وطنه ومجتمعه على مصلحة ذاته ، ومنفعه أهله او اسرته أو طائفته .

 

أما إذا تسيَّد رجل المليشيا جعل قرار المجموع بيده ، يخدم ذاته وطائفته وجماعته المليشاوية ، جاعلاً إمكانات المجتمع بيده ، وبيد أقرانه ، مقسماً المجتمع الى طبقة تأخذُ وتحكمُ وتامرُ وتنهى ، تربطها به رابطة السُلالة أو الولاء الأعمى ، وطبقة تسمعُ وتطيعُ وتعملُ وتجوعُ ، وهي غالبية المجتمع وطبقته المثقفة المتعلمة .

 

رجل الوطن يقدِّس العلم ويحترم العلماء في مختلف شؤون الدين والدنيا ، ولأجل العلم ومؤسساته وخدمته يوجِّه طاقات المجتمع ، ويسيِّر ثروات الوطن ، ويشعل همَّة الرجال أمثاله ، فيغدوا المجتمع متنوراً مثقفاً عاملاً ، وبسيادة العلم وأهله ومؤسساته بمختلف درجاتها تختفي أغلب مشاكل المجتمع وصراعاته ، ويتجه الكل للبناء ونبذ العنف ، وتسود المساواة وتتحقق العدالة وتبدو الصورة مشرقة ، والغد أجمل .

 

أما رجل المليشيا فليس يكره شئ ككرهه للعلم وأهله ، وعادة ما يصنع متعلماً جاهلاً ، وعالماً أجوفاً ، ومؤسسات علمية وأكاديمية ديكورية خاوية ، وبعيدة كل البعد عن الأهداف التي لاجلها تشيَّد في المجتمعات المتقدمة ، ونكون أمام جيل يحمل الشهادات ، ويجهل من مبادئ العلم الأساسيات ، وعوضاً عن توجيه الأجيال للعلم والتأهيل الاكاديمي يتوجهون نحو الصراعات العقيمة ، والبحث عن إثبات الذات في جولات الصراعات المسلح ، ويحمل الشباب البنادق ليثبوا رجولتهم بدلاًً من حملهم للشهادات العليا في فروع العلم وتخصصاته المختلفة .

 

ولأجل يتحرر الوطن من أسباب تأخره ، وينعتق من مرحلته الحالية ، ويؤسس مرحلة مشرقة تضمن للأجيال التفرغ للعلم والعمل والإبداع ، وتحقق لعامة الشعب الأمن والأمان والعيش الكريم ، لزاماً أن نتخلص من نموذج الرجل المليشاوي ، وإسناد أمر البلد لرجال وطنيين أوفياء يقدمون مصلحة مجتمعهم على مصالح الذات ، أو الطائفة ، أو الجغرافيا ، أو السياسة .

 

ولأجل يكتمل البناء كما يجب أن يكون لابد أن يتحول العقل المليشاوي الخاوي إلى عقلٍ فاعلٍ عامل ،  عبر إرساء التعليم الفعَّال وتشجيعه بمختلف مراحله ، ودفع العقول المليشاوية دفعاً للانخراط بفعالية فيه ، وإرساء قيم الوطنية ، ومساعدة هذه العقول للتحرر من عقدة الفرد ، والعبور إلى بهو المجتمع الفسيح الذي يقبل الكل ، ويتعايش مع الجميع .

 

وحتى تتضح الصورة ، ولايحصل اللبس ، فاؤكد أن ثمَّة فرقٌ شاسعٌ بين المليشاوي المؤمن بان له الحق بالتحكم بمقدرات المجتمع لكونه يحمل سلاحاً قاتلاً ، أو حقاً الهياً مزعوماً بحكم الشعوب ،  وبين المقاوم والمدافع عن دينه وأرضه وعرضه ، مادامت الرؤية لديه واضحة عن مبرارات حمله لسلاحه مدافعاً لامعتدياً ، ومقاتلاً لا قاتلاً ، فالمقاوم رجل وطنٍ بامتياز ، وصانعُ مستقبلٍ مشرق .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي