تواطؤ المنظمات الدولية يطيل الحرب ومعاناة اليمنيين

همدان العليي
السبت ، ٢٧ أغسطس ٢٠١٦ الساعة ١٠:١١ صباحاً
 
لا تنتهي البراهين التي يستند إليها العديد من الناشطين اليمنيين للتدليل على تواطؤ بعض مكاتب المنظمات الدولية الإغاثية والحقوقية في اليمن مع جماعة الحوثي/صالح الانقلابية منذ اقتحمت مليشيات الحوثي كافة المدن اليمنية ابتداءً من مدينة عمران في يوليو/تمّوز 2014.
 
تفاجأت كبقية اليمنيين بمشاركة مدير مكتب اليونيسف التابعة للأمم المتحدة في اليمن السيد جوليان هارنيس، في الحفل التتويجي للانقلابيين وتدشين ما يسمى بـ "المجلس السياسي" غير الدستوري كأعلى سلطة حاكمة في مناطق سيطرة الجماعة، وهو الإجراء الذي أدانته الأمم المتحدة نفسها التي يعمل هارنيس تحت مظلتها، مثل كثير من مكاتب المنظمات الدولية الأخرى التي تعمل لصالح الإنقلاب وخدمة أجندته العسكرية والسياسية بقصد أو بدون قصد.
 
برر هارنيس مشاركته في تلك المناسبة المرفوضة يمنياً وإقليمياً ودولياً، بأنه كان "ممثلا للمنسق الإنساني من أجل الإنخراط مع الأطراف التي تسيطر على الأرض لضمان سلامة الطواقم الإغاثية وتأمين الممرات لها". ومثل هذا التبرير تنطبق عليه المقولة "عذر أقبح من ذنب"، فاليونيسف العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية لا تحتاج للتورط في شرعنة فعالية سياسية بامتياز لتحمي طواقمها، لاسيما وهي تعرف بأن هذه الفعالية تعزز الإنقلاب ومحل إدانة شعبية وحكومية ودولية، وأن حضورها كمنظمة تابعة للأمم المتحدة التي ترعى مشاورات سلام بين الحكومة الشرعية والإنقلابيين يعني أنها تدعم خطوات هذا الفصيل السياسي الذي يقع تحت طائلة العقاب الأممي ممثلاً بقراره 2216.
 
كثيرة هي الخدمات والمساعدات التي تقدمها اليونيسف لليمنيين، وكصحفي متخصص في الشأن الإنساني والمجتمعي وعملت في المجال الحقوقي والإغاثي لفترة طويلة، أؤكد هذه الحقيقة. لكن ثمة ممارسات ومواقف غير مفهومة تمارسها المنظمة كغيرها من المنظمات الدولية لتعكس نتائج سلبية على المجتمع اليمني وتطيل من معاناته الإنسانية. 
 
في تاريخ 27 يناير الماضي، وقف هارنيس كشاهد رسمي أمام لجنة التنمية الدولية البرلمانية البريطانية للدفاع عن المليشيا في مدينة تعز وإنكار حصارهم للمدينة. كان المفاجئ أن هذا المسئول أدلى بشهادته أمام اللجنة عما شاهده بعينيه فقط في مكان محدد لساعتين داخل المدينة في اليوم الوحيد الذي سمحت المليشيا للمنسق الإنساني وهارنيس وستة من مدراء مكاتب المنظمات الأخرى بزيارة المدينة وفتحت جزئياً الممرات لبعض عربات الإغاثة إلى المدينة خلال ذلك اليوم فقط. قال هارنيس إنه لم يشاهد "أي نوع من القيود على المواد التي يتم ادخالها للمدينة" بالرغم من اعترافه بوجود نقاط التفتيش. وأضاف أن "مئات الأشخاص الذين رآهم يدخلون المدينة "كانوا يحملون البضائع والمساعدات".! وأن "اليونيسف كانت ولا تزال تدخل المساعدات للمدينة منذ 7 إلى 8 أشهر حتى الآن." وقال: "في النهاية نستنتج إن مقولة ان مدينة تعز هي مدينة مغلقة كلام خاطئ". 
 
تطابق كلام هارنيس مع رئيس ما كانت تسمى باللجنة الثورية العليا الذي صرح قبل زيارة ذلك الفريق الإنساني لمدينة تعز بيومين، عندما قال بأن المدينة لا تشهد أي نوع من الحصار، وهو الأمر الذي يستغربه كثير من المتابعين، كيف لا يوجد حصار وأطفال ومرضى توفوا في المستشفيات لأن المليشيا الحوثية تمنع دخول أنابيب الاوكسجين؟ كيف لا يوجد حصار والمليشيا تمنع دخول الغذاء والدواء وغاز الطهي واعتقلت مجموعة من الناشطين الذين كانوا يريدون ادخال ماء الشرب إلى تعز؟
 
من جهة أخرى، أكد لي نائب وزير التربية والتعليم الدكتور عبدالله لملس، بان القائمين على وزارة التربية والتعليم بصنعاء حصلوا على دعم مالي لتنفيذ الامتحانات الأساسية والثانوية من مؤسسة "الشراكة العالمية من أجل التعليم" عبر منظمة اليونيسف، "لكن سلطة الأمر الواقع بصنعاء رفضت تحويل حصة المحافظات المحررة حتى الآن وهذا ما جعل الوزارة في عدن تلجأ إلى محافظ عدن الذي قدّم دعما بمبلغ 38 مليون ريال يمني (136 ألف دولار) ساعد على طباعة الامتحانات وتوزيعها على المحافظات المحررة بما فيها مأرب". وبالعودة إلى آخر تقارير اليونيسف، فقد أكدت بأنها دعمت وزارة التربية والتعليم بصنعاء لعقد الامتحانات التي حضرها 48000 طالباً في يونيو/حزيران الماضي و 586000 طالبا في نهاية يوليو/تمّوز.
 
والسؤال هنا.. لماذا لم تشرف منظمة اليونيسف على توزيع هذا الدعم بنفسها هنا وهناك خاصةً أنها تعلم حدة المشكلة السياسية تماماً، ولماذا لا تستنكر عدم تسليم الوزارة بصنعاء لحصة المحافظات المحررة من الدعم رغم المطالبات المتكررة؟ وإن كان الدعم المقدم لم يكن باسم الجمهورية اليمنية وتم تقديمه للمحافظات التي يسيطر عليها الانقلابيون فقط، فلماذا لا تدعم اليونيسف الامتحانات في المحافظات المحررة والخاضعة للسلطة الشرعية التي تعترف بها الأمم المتحدة والعالم؟! 
 
النتيجة هنا هي أن المنظمة اختارت أن تخضع لإرادة الانقلابيين دون نقاش، ولا رقابة إطلاقا على المنحة وطريقة صرفها. ومن هذا المنطلق، أعتقد بأن هذه الأخطاء وغيرها قد تدفع بالحكومة اليمنية لاتخاذ موقف صارم للحد من هذه الأخطاء التي تؤكد بأن هنالك تواطؤا لصالح الانقلاب والمطالبة بتغيير ممثل المنظمة، خاصةً ومدة عمل ممثل اليونيسف جوليان هارينس قد انتهت قانوناً بعدما مددت له الأمم المتحدة سنة اضافية بعد السنتين التي قضاها في منصبه هذا باليمن، وهي المدة المحددة لأي مفوض أممي في اليمن. وكذلك ينطبق الأمر على ممثل مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان جورج أبو الزلف، فقد انتهت مدة بقائهم في اليمن وهم يعملون اليوم بصورة غير شرعية تخالف ضوابط وأسس الأمم المتحدة.
 
ليست اليونيسف أو مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان هي فقط من تمارس أعمالا منحازة سياسياً لدوافع مفهومة، إلا أنها تصب في نهاية المطاف في صالح دعم الانقلابيين. فقد فشلت كثير من المنظمات الإغاثية في توصيل المساعدات للمتضررين من الحرب في تعز والبيضاء ولحج في كثير من المرات، لكنها مع ذلك تغطي عجزها الميداني الإغاثي بمجرد إصدار تقارير وبيانات احتجاجية عمياء لا تذكر فيها أسماء الأطراف المنتهكة لحقوق الأنسان أو من ينهبون المساعدات لتترك الباب مواربا للعب قذر للمنظمات الدولية ذات الأجندات السياسية وبما يساعد منتهكي حقوق الإنسان على الاستمرار في ممارسة جرائمهم.
 
أما الأعجب، فمنذ تحرير مدينة عدن في يوليو 2015 حتى اليوم، والمنظمات الدولية ترفض نقل مكاتبها إلى مدينة عدن باعتبارها العاصمة السياسية المؤقتة، ولا حتى العمل الحقيقي في أي محافظة جنوبية رغم عروض رئيس الحكومة اليمنية الدكتور أحمد عبيد بن دغر لها بالحماية وتخصيص مقرات لها في عدن تقع في أماكن آمنة مثل المدينة الخضراء "المعاشيق". 
 
أن ترفض المنظمات نقل مكاتبها إلى عدن، والإصرار على مقاطعة إغاثة المناطق المحررة إلى جانب الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فهذا أمر لا يفهم منه إلا الحرص على افشال عدن كعاصمة سياسية مؤقتة للشرعية اليمنية، واظهار نجاح الانقلابيين في صنعاء رغم حدوث حالات اختطاف لموظفين دوليين فيها.
 
كل ما ذكرناه وأكثر مما لم يتسع المجال لذكره، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن أخطاء بعض المنظمات الدولية تطيل الحرب وتزيد معاناة اليمنيين، في الوقت الذي هي في اليمن من أجل عكس ذلك.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي