الذئب التركي يزأر !

صدام الحريبي
الاربعاء ، ٢٠ يوليو ٢٠١٦ الساعة ١١:٠٠ صباحاً

كنت قد كتبت وجهة نظر تحليلية في مقال سابق بعنوان (انقلاب تركيا) بأن الاستخبارات التركية كانت تعلم بالانقلاب الذي سيحصل قبل تحركه ، لكنني لم أفصل ، إلا أن الجيش التركي أعلن في بيان كما ذكرت قناة الجزيرة بأن الاستخبارات أبلغته بأن هناك تحركات لعملية انقلاب على النظام التركي الحالي قبل التحرك وأنه تم إبلاغ الرئيس التركي بذلك والطلب منه مغادرة مكانه .. وهذا يعزز فكرة أن النظام التركي كان يمتلك بعض المعلومات لانقلاب دبر بليل ..

 

لكن دعوني هنا أوضح لكم الفكرة التي ذكرتها في مقالي السابق ، وكلها وجهات نظر تصيب وتخطئ ..

 

أرى بأن هناك عملية انقلاب ضد النظام التركي الحالي كانت تطبخ ، وكانت تقف خلفها القوة الحاكمة للعالم تأديبا ل "تركيا" بسبب تبنيها فكرة الإسلام السياسي المعتدل ودعم أنصاره في المنطقة والعالم وتشجيع "السعودية" على ركل "أمريكا" ودول محور الشر ، وقد اكتشف النظام التركي بعض خيوط هذه الخطة الانقلابية وقام بحصر معظم من سينفذون هذا العمل الإرهابي الانقلابي إلى جانب حصر كل من يتم الاشتباه به إلى جانب المنتمين لجماعة "الخدمة" التابعة لرجل الدين الصوفي "فتح الله غولن" الذي يتهمه النظام التركي بالإرهاب ، وللعلم بأن "غولن" هو الحليف الكبير للرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" سابقاً ..

 

إذاً اكتشف النظام التركي خيوط الانقلاب وحصر أسماء كل من يشتبه بهم إلى جانب جماعة الخدمة ، ومن وجهتي بأن النظام التركي حرص على أن لا يحدد الانقلابيين موعد تحركهم بأنفسهم أو توجيههم من محور الشر في العالم ، ﻷن تحديد الخصم لموعد القيام بأي عملية ستكون قوية وقد تعتمد على أشياء لم تكن في حسبان النظام ، إلا أن النظام التركي (ومن وجهة نظري الخاصة) قد قام بزرع عناصر استخباراتية في أوساط الانقلابيين للضغط عليهم بتعجيل تحركاتهم أو تغيير الموعد على أقل تقدير ، كي يفقد الانقلاب بعض إمكانياته وتكتيكاته العسكرية ويتم إحباط الانقلاب بأقل الخسائر ..

 

أما بالنسبة للدماء وللشهداء الذين قتلهم الانقلابيون فقد كان النظام يخطط لعدم سفك الدماء ، وحشر الانقلابيين في أماكن محدودة ، إلا أن الأمر خرج عن سيطرته بعض الشيء ولوقت محدد مما تسبب في إزهاق الانقلابيين لبعض الأرواح وهذا ما سيعزز من موقف النظام في مطالبته للبرلمان التركي بالتصويت على إعادة حكم الإعدام وتنفيذه على الانقلابيين ..

 

أما قضية رجل الدين الصوفي "فتح الله غولن" وإصرار النظام التركي على تسليمه من قبل "واشنطن" فهو لهدفين الأول الاقتصاص من "غولن" المتجذرة جماعته في معظم مؤسسات الدولة ، والثاني والأهم هو اختبار "أمريكا" والهجوم عليها والنيل منها وفضحها للعالم وقد قرأت ذلك من خلال تصريحات رئيس الوزراء التركي "يلدرم" التي قال فيها بأن "الولايات المتحدة الأمريكية" لم تحتاج إلى أدلة لسجن الناس في زنازين (غوانتنامو) إشارة إلى طلب "واشنطن" أدلة من "أنقرة" تثبت تورط "أوغلو" بالانقلاب والإرهاب كي يتم ترحليه ، وأعتقد بأن هذا الهجوم على "واشنطن" وتهديدها بتدهور العلاقات في حال تحفظت ب "غولن" هو ردة فعل تركية بعد معرفتها (تركيا) بتورط أو تواطئ "أمريكا" في محاولة الانقلاب ، إلى جانب بعض الدول الأوروبية ..

 

ولهذا صمتت "أمريكا" كثيراً إلى جانب العديد من الدول التي تكن العداء الظاهر والباطن ل "تركيا" لتدفع ب "مصر السيسي" إلى مواجهة ردة فعل الأتراك ومحاولة استفزازهم إعلامياً ودبلوماسيا ، وهذا ما حدث بالفعل فقد نشرت جهات إعلامية بقيام "مصر السيسي" بعرقلة بيان لمجلس الأمن يدين الانقلاب ، وهو ما نفاه مصدر مصري شبه رسمي وأكده كثيرون ، إلى جانب مهاجمة الإعلام المصري للنظام التركي واتهامه بإهانة الجيش التركي ، وبهذا ستكون "مصر السيسي" هي الوجهة الأولى ل "تركيا" خارجياً بعد محاكمة الانقلابيين ، ولا أستبعد أن يتم استنساخ ما حصل في "تركيا" إلى بعض الدول العربية وغير العربية وفي مقدمتها "مصر" ، إلى جانب تبييت خطط تركية لردة فعل مناسبة ل "أمريكا" و "الإمارات" من يجاهرن بالعداء ل "تركيا" الأولى على استحياء وقلق والثانية على خوف وهلع ..

 

قبل الختام هناك أمر لفت انتباهي وهو قضية إثارة مشاركة الطيار الذي قام بإسقاط الطائرة الروسية في الجو التركي ، حيث لم تصرح السلطات التركية عن اشتراكه في عملية الانقلاب من عدمها ، إلا أنها عملت وبقوة من أجل إشاعة هذه القضية ، وأنا أثق بأن الأتراك سيوظفون هذا الأمر توظيفا سياسياً جيداً ..

 

الخلاصة : هي أن لا تستغربوا إن رأيتم عملية انقلاب قادمة ، وحتى وإن تم استهداف الرئيس التركي وقتله أو حبسه أو ترحيله ، فلا خوف أبداً على حزب "العدالة والتنمية" ولا قلق من الشعب التركي الواعي ، فالنظام مستمر في عملية تخليص الدولة من العملاء حتى وإن ضحى برئيسه ، وما حدث هو عملية تسريع وإرباك الانقلابيين وقد استفاد النظام التركي كثيراً من ذلك في معرفة خصوم الوطن والنظام والله الموفق ..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي