المقال الممنوع من النشر!!

كتب
الأحد ، ٢٠ مايو ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٢٧ مساءً

 

 

عارف أبو حاتم
[email protected]
حين بدأت أكتب في هذه صحيفة الناس بصورة منتظمة قبل 15 شهراً، قال لي رئيس التحرير إن عدداً من القراء اتصلوا به يسألونه: من أين جاء هذا الكاتب؟!. مضيفاً عبارات قوية وطويلة من الثناء والترحيب، استمرت على مدى 15 شهراً، وكأن جمهور «الناس» فتحوا أعينهم على كاتب ممارس، ومتجذّر فجأةً. والسبب لأنهم لم يكونوا ضمن جمهور «النداء» التي كتبت فيها مرات عديدة، ولسنوات طويلة.

أعترف بجميل ما فتحته لي الصحيفة من عالم مغاير من القراء، أما ما حققته أنا للصحيفة، فذاك أمر متروك لهيئة تحريرها، وكلانا لن نتحدث عن الجانب المادي، لأنه لا يساوي ثمن حبر المقال!!.

سوقتني «الناس» لدى جمهور مختلف من القراء والمثقفين والمتابعين، يغلب عليهم طابع «الولاء» و«الانتقائية» وهما فكرتان موجودتان في علم الإدارة والتسويق، بمسمى «ولاء المستهلك للسلعة»، وجمهور «الناس» يختلف إلى حدٍ ما عن جمهور «الثوري"» و«أخبار اليوم».

منذ بدأت أعي فكرة الكتابة، وأخذها وسيلة للتعبير عن الرأي، لم أتعود الكتابة في صحف موجهة، تحدد قناعتي، وتوجه مساري، فأنا أكتب ما أعتقد أنه صحيح، وأحاول أم أمسك العصا من وسط الوسط، ومع ذلك بإمكان القراء لومي عن قسوتي تجاه صالح ونظامه، إلا أنها لن تكون أكثر قسوة من ممارسات رئيس ونظام استبد بالوطن والناس 34 سنة.

عملت في موقع «المؤتمرنت» التابع للمؤتمر الشعبي، سنوات طويلة، ومن فضائل القدر أنه موقع الكتروني، وليس صحيفة ورقية يسهل الإدعاء والتزوير و«البهررة» فيها، وبإمكان من شاء أن يبحث عن اسمي في هذا الموقع، ومن المستحيل تماماً أن يجد لي مقالاً واحداً، فقد كنت أكتب أخباراً وتقارير وحوارات بحيادية تامة، وإذا شاءت هيئة التحرير تلوينها وتجييرها لصالح الحزب الحاكم، فمن حقها ذلك بشرط إزالة اسمي من المادة الصحفية.

أما مقالاتي التي تحمل رأي الشخصي فلم تعرف قبل ثورة فبراير 2011 مكاناً غير صحيفة «النداء» اليمنية، و«القدس العربي» اللندنية، وهما صحيفتان أعتقد أنهما على درجة عليا من النزاهة.

وبالمناسبة، إذا كان لي من شيء أفاخر به، فليس ما كتبته منذ الأيام الأولى للثورة، فقد كتب ضد نظام صالح ثلاثة أرباع المرتعين بحديقته الرئاسية، وإنما أعتز وأفتخر بتلك السلسة من المقالات والتحليلات التي كتبتها في خضم حملة الانتخابات الرئاسية 2006، ونشرتها في صحيفتي «النداء والقدس العربي»، يوم أن كان الصحفيون والكتّاب يتنقلون بين اللجنة الدائمة وبيت البركاني، كما يسعى ضيوف الرحمن بين الصفا والمروى، أما دار الرئاسة فقد تدافعت عنده الأكتاف والأقلام، كتدافع الحجيج عند الحجر الأسود، وكل يتعبد بقدر المستطاع.

وأظن الآن، وبعد ست سنوات مضت، على آخر انتخابات، وقد رحل صالح من سلطته، أنه لا اختبار حقيقي لمسألة النزاهة، والخيانة، في هذا الظرف، فمعظم المسبحين بحمد ولي النعم، قد انقلبوا عليه، هروباً إلى الأمام، واغتسالاً بنهر الثورة، من دنس التنطع، والتمرغ في مجالس أركان النظام الناعمة، والذين لم يسعفهم الحظ بالتمرغ هناك؛ منحهم القدر فرصة التمرغ عند مناوئيه.

قبل أكثر من شهر نشرتُ في صحيفة الناس مقالاً من حلقتين حول مسألة الفيدرالية، وكنت فيه مأخوذاً بالحماس لميلاد ولاية تعز، ورافق المقال ردود أفعال ما كانت بالحسبان، في غالبيتها مؤيدة للفكرة، وبعضها يشعر بجرح رآه مناطقياً، وذلك ما تبينته من رسائل الايميل والفيس بوك والـSMS وتعليقات القراء عند إعادة نشر المقال في «المصدر أونلاين» الموقع الإخباري المتميز.

ووجدت أن ضميراً يفرض عليّ، وحكمة تقودني، وعاطفة تلازمني، لإعادة الكتابة عن الفيدرالية، بطريقة أكثر تجرد، فأنا شخص أكره العصبية بقدر ما أحب ربي، وأحبتي من أبناء المحافظات القبيلة لا يمكنني تركهم بجراحاتهم، ولا بد من توضيح يحدد مقاصد المقال.

وفعلاً كتبت مرةً أخرى عن الفيدرالية مقالاً من حلقتين، وأرسلته إلى صحيفة «الناس»، فجاء رد رئيس التحرير الزميل الودود أسامة غالب سريعاً، عبر الـSMS يطلب بودٍ خالص أن أغيّر المقال، فكان ردي له مقتضباً: «أصنع تاريخك.. لا أريد أن أكتب عنك يوماً أنك كاثوليكياً أكثر من البابا»، وبالطبع جاء رده موضحاً بأن: «سياسة الصحيفة ضد الفيدرالية ليس إلا»، وجاء رد سكرتير التحرير مغايراً، وبحسب اتصاله أن: «روح الفكرة قد تم الكتابة عنها سابقاً»!!.

يا زملاء المهنة، يا قراء، المفكر عبدالوهاب المسيري كتب أكثر من سبعة كتب، وموسوعة عملاقة كلها حول فكرة: «اليهود، واليهودية، والصهيونية»، ولم يقل له أحد: «كررت الفكرة» بل قدم لموسوعته المفكر الكبير محمد حسنين هيكل، وأنا تريدونني أن أكتب عن فكرة سياسية بحجم الفيدرالية، لمرة واحدة فقط، هل مقال واحد يكفي للبحث في مسألة الفيدرالية.

«ولا يزالون مختلفين إلا ما رحم ربك ولذلك خلقهم» وكأن الله ما خلقنا إلا لنختلف، من أجل أن نثري الحياة، ولو كان الناس على رأي واحد لكنا لا نزال ننام في الأكواخ، ونأكل أوراق الشجر، كما فعل الإنسان الأول، لأن لا أحد سيفكر بطريقة مختلفة للعيش.

يا عزيزي أسامة:
عندما نريد توجيه سياسة الصحيفة يمكن ذلك من خلال تلوين الأخبار والتقارير «وهي سياسة أمقتها» وتوجيه التحقيق والاستطلاع والحوار، أما مقالات الرأي فهي مساحات متاحة للتعبير عن قناعات الناس، وكلما تنوعت وتباينت المقالات في الصحيفة الواحدة، كان ذلك أفضل وأنفع لحيوية الصحيفة، وتعدد مشاربها، وتنوع قراءها.

يجب علينا فتح صنبور الحرية لتمر مقالات الرأي المختلفة.

أما صحف الرأي الواحد لا تعبر إلا عن التوجه الشمولي المستعصي على الانفتاح والتجديد، كالصحف التي رأيتها في سوريا «تشرين والبعث» حيث يوجد هناك: الرئيس الواحد، الحزب الواحد، الرأي الواحد، الثقافة الواحدة، لينتج من كل ذلك: تعبيد الشعب الواحد للزعيم الأوحد!!.

القراء الكرام:
إذا قُدر لمقالي هذا أن يصل إليكم سالماً، عبر هذه الصحيفة، فتواصلنا سيستمر، وإذا منعته «يد الرقيب»، فسيتم نشره في صحف ومواقع أخرى، وسنبحث معاً عن أفق أعلى قليلاً ليتسع لحريتنا.

نقلاً عن صحيفة الناس
مقال الفيدرالية الممنوع من النشر سيتم في هذا الموقع لاحقاً.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي