التنظيم السري للهاشمية السياسية (الحلقة الأخيرة)

د. رياض الغيلي
الأحد ، ٢٢ مايو ٢٠١٦ الساعة ١٠:١٣ مساءً
اللواء يحيى المتوكل (عراب الهاشمية السياسية)(القصة الكاملة)
 
ولد يحيى محمد أحمد المتوكل بمدينة شهارة عام 1938م (وهذا هو التأريخ الصحيح لمولده) وسماه والده( يحيى) تيمنا باسم الإمام آنذاك( يحيى محمد حميد الدين)، تشرب يحيى منذ نعومة أظفاره أسس ومبادئ المذهب الهادوي في كتاتيب مدينة شهارة التي كانت أحد معاقل الهادوية الجارودية وكانت واحدة من هجر العلم التي يشد إليها الرحال فيما مضى ثم في مدينة المحابشة .
 
التحق المتوكل عام 1957م بكلية الطيران والمظلات وتخرج منها عام 1961م، والتحق فور تخرجه بتنظيم (الضباط الأحرار) بقيادة المشير عبد الله السلال الذي قاد الثورة ضد الحكم الإمامي، ولعل انضمام المتوكل لتنظيم الثوار كان بدافع الانتماء العسكري الذي كان متغلبا وقتها عند الرجل على الانتماء السلالي أو المذهبي.
 
بعد قيام الثورة المباركة في 1962 أصبح المتوكل رغم حداثة سنه قائداً للمنطقة الشمالية الغربية حتى عام 1967م وضل قائداً لها طوال حكم المشير السلال، وهي ذات المنطقة العسكرية التي أحكم السيطرة عليها فيما بعد (الفريق علي محسن الأحمر) كأركان حرب ثم قائداً للمنطقة طوال فترة حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ولعل هذا ما يفسر الفرحة العارمة لدى الهاشمية السلالية عند سقوط مقر قيادة المنطقة بأيديهم من جديد في سبتمبر عام 2014م إثر انقلابهم المشؤوم على الشرعية، فهذه المنطقة العسكرية تمثل بالنسبة لهم عمقا استراتيجيا وإرثا عسكرياً، وكانت الحجر العثرة أمام تطلعاتهم ومخططاتهم طالما ظلت قيادتها خارج دائرتهم.
 
تزوج المتوكل مبكراً من ابنة العلامة محمد محمد المنصور أحد مراجع المذهب الهادوي وعضو مجلس حكماء آل البيت، فكان لهذه المصاهرة أثر كبير على الفكر والتوجه والاندفاع الجمهوري لدى اللواء المتوكل حيث أحدث هذا الزواج ما يشبه (الفرملة) في اندفاع المتوكل نحو تأييد النظام الجمهوري، وبالتالي إعادة (ضبط) للفكر السياسي لديه باتجاه نظرية (الحق الإلهي) .
في عام 1967م وإثر انقلاب نوفمبر على المشير السلال والذي كان للمتوكل دور بارز فيه عين المتوكل عضواً في مجلس الدفاع ومديراً لمكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومنذ هذه اللحظة بدأ تحول الرجل وتطلعه للعب أدوار كبيرة في الملعب السياسي اليمني، ظل المتوكل في هذا المنصب إلى عام 1970م عمل خلال هذه الفترة على تمكين الكثير من عناصر الهاشمية السلالية في مواقع هامة وخطيرة بالقوات المسلحة.
 
كان الصعود السريع للمتوكل ملفتاً للأنظار وبشكل أخص لدى مؤسس التنظيم السري للهاشمية السياسية الأستاذ/ أحمد محمد الشامي الذي استطاع أن يقنع المتوكل بالانضمام إلى التنظيم وخدمة أهدافه السامية (من وجهة نظره) فأصبح المتوكل مقرراً لمجلس حكماء آل البيت (أعلى هيئة تنظيمية للتنظيم السري للهاشمية السياسية) باليمن، بل أصبح عمليا هو أمين سر التنظيم وعرابه الأول .
 
كان اللواء المتوكل متقد الذكاء سريع البديهة بعيد الغور واسع الاطلاع يمتلك قدرات عالية في الاقناع والتواصل والاستقطاب ومهارات عالية في التخطيط الاستراتيجي، كل هذه المؤهلات جعلت التنظيم السري يدفع به مرشحا لرئاسة الجمهورية عام 1974 م أثناء التخطيط للانقلاب على القاضي الإرياني الذي شارك فيه التنظيم بفعالية من خلال شخوصه، وقد كان الكثير من المشائخ البارزة مقتنعين بترشيح المتوكل وعلى رأس هؤلاء المشائخ الشيخ/ مجاهد أبو شوارب والشيخ / الغادر والشيخ / سنان أبو لحوم والشيخ / الشايف، إلا أن معارضة الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر الشديدة لهذا الترشيح حالت دون وصول المتوكل إلى منصب الرئاسة ولكنها لم تحل دون وصوله إلى مجلس القيادة (مجلس الرئاسة) حيث جمع بين عضوية مجلس القيادة وقيادة وزارة الداخلية حتى عام 1975م.
 
في هذه الفترة استطاع المتوكل تنفيذ إحدى استراتيجيات التنظيم السري للهاشمية السياسة باحترافية عالية وهي استراتيجية (التغلغل) حيث استطاع الدفع بتعيين أحد أصهاره وهو ضابط اسمه (... المنصور) كنائب لرئيس الأركان العامة – هذه المعلومة تحتاج إلى تأكيد- كما مكن الكثير من أفراد الهاشمية السلالية من الاستيلاء على المواقع الهامة في وزارة الداخلية والمناطق الأمنية والجنائية.
ولكن سرعان ما تنبه الرئيس الحمدي لخطورة الموقف فقام بحركة التصحيح( يوليو 1975) فيما سمي ب( يوم الجيش) والتي أطاحت بالمتوكل من منصبيه وانتهت بتنزيل رتبته العسكرية كما حصل لكثير من الضباط والمشايخ الذين كانوا يحتلون بعض المناصب القيادية في الجيش، ولكي يحتوي الموقف ويمتص الغضب قام الرئيس الحمدي بتنزيل رتبته شخصيا إلى (مقدم)، وعلى إثر ذلك استعاد الحمدي زمام المبادرة من يد المتوكل والمشائخ، واستطاع تطهير الجيش والأمن من أغلب العناصر التي زرعها المتوكل وأصبح المتوكل مهمشا مجرداً من كل السلطات.
 
هذه الحركة التصحيحية أوغرت صدر المتوكل وصدور الكثير من أفراد التنظيم السري للهاشمية السياسية على الرئيس الحمدي، ودفعت بهم للاشتراك في التخطيط للتخلص من الرئيس الحمدي وأخيه عبدالله قائد لواء العمالقة (حامي حمى الجمهورية) وإن بشكل غير مباشر ...
 
توارى اللواء المتوكل عن المشهد السياسي طوال الفترة من 1975-1980 ولكنه عمل خلال هذه الفترة إلى جانب الأستاذ أحمد محمد الشامي على تكوين شبكة علاقات داخلية وخارجية واسعة للبيت الهاشمي الهادوي، فيما يشبه فترة التقاط الأنفاس بعد الضربة الموجعة (غير المباشرة) التي تلقاها التنظيم السري للهاشمية السياسية إثر حركة الحمدي التصحيحية، وهي استراتيجية يجيد التنظيم استخدامها بحرفية عالية، وخلال هذه الفترة تمكن اللواء المتوكل من عقد لقاءات بعدد من رموز الهاشمية السياسية المتواجدة خارج البلاد مثل الإمام محمد البدر بن أحمد حميد الدين آخر أئمة اليمن والأمير محمد بن الحسين بن يحيى حميد الدين قائد حصار السبعين يوما والمفكر إبراهيم بن علي الوزير مؤسس اتحاد القوى الشعبية وعددا آخر من الرموز التي أسهمت إسهاما كبيرا في دعم وتمويل التنظيم السري للهاشمية السياسية باليمن.
 
بعد استقرار الأمر لعلي عبد الله صالح في الجمهورية العربية اليمنية بدأت مرحلة جديدة للتقارب بين النظام والبيت الهاشمي ولكنه ظل تقارباً محدوداً و(حذراً) نتيجة للتقارب الكبير وقتها بين نظام (صالح) والإخوان المسلمين باليمن الذين ساندوا صالح في حروب المناطق الوسطى وتثبيت حكمه وتأسيس المؤتمر الشعبي العام وصياغة الميثاق الوطني .
 
كان من ثمار التقارب (الحذر) بين نظام صالح والبيت الهاشمي حصولهم على بعض المناصب في الدولة وكان اللواء المتوكل واحداً من الفائزين بهذه المناصب حيث عين عام 1981م سفيرا بالولايات المتحدة الأمريكية التي تعد (ثاني أهم سفارة يمنية وقتها بعد السفارة بالسعودية)، ثم سفيراً في فرنسا عام 1982-1984م، استطاع المتوكل خلال هاتين الولايتين الدبلوماسيتين الهامتين تعزيز قدراته السياسية وتوسيع علاقاته الخارجية التي استثمرها لاحقا في خدمة التنظيم السري للهاشمية السياسية.
 
بعد قضائه فترة ثلاث سنوات كمحافظ لمحافظ إب في الفترة (1985-1988) عين المتوكل مديرا لمعهد الميثاق في عام 1988م والذي مثل عام الاختراق للمؤتمر الشعبي العام من قبل البيت الهاشمي السلالي، ومنذ الوهلة الأولى لتعيينه سعى المتوكل إلى إقصاء عناصر الإخوان (حتى الهاشميين منهم) من معهد الميثاق واستبدالهم بعناصر هاشمية سلالية تدين بالولاء لنظرية (الحق الإلهي)، أصبح اللواء المتوكل أكثر قربا من (صالح) الذي أوكل إليه عام 1990م رئاسة أهم دوائر المؤتمر الشعبي العام وهي الدائرة السياسية التي ظل رئيسا لها حتى عام 1993م وهو العام الذي عاد فيه وزيراً للداخلية التي لبث فيها عامين فقط شكلا العصر الذهبي للتنظيم السري للهاشمية السياسية، حيث استطاع المتوكل استغلال هذه الفترة الحرجة التي شهدت حرب (الانفصال) وأعاد جميع الضباط السلاليين الذين ابعدوا في الفترات السابقة إلى مناصب قيادية أهم في الداخلية والأمن.
في عام 1995م أصبح اللواء المتوكل أمينا عاماً مساعداً للمؤتمر الشعبي العام إلى جانب تعيينه مستشاراً خاصا لرئيس الجمهورية فأصبح الذراع الأيمن لصالح في المؤتمر ومستشاره المؤتمن، ومنذ هذه اللحظة أصبح المتوكل هو اللاعب الرئيس في المؤتمر ومهندس تحالفاته الجديدة.
 
ركز المتوكل في هذه الفترة على تعزيز الوجود الهاشمي السلالي في المؤتمر واجتثاث ما تبقى من رموز الإخوان بالمؤتمر الشعبي العام فاستطاع في الدورة الثانية للمؤتمر العام الخامس للحزب 1997م الإطاحة بكل من عبدالسلام العنسي وأحمد الأصبحي (آخر رجالات الإخوان بالمؤتمر) من قيادة المؤتمر وأصبح بعدها اللواء المتوكل هو العقل المدبر للمؤتمر.
استطاع المتوكل الزج ببعض الرموز الشيعية للترشح باسم المؤتمر للانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 1997م مثل حسين بدر الدين الحوثي زعيم التمرد الحوثي لاحقاً وعبدالكريم جدبان وغيرهما من الرموز الشيعية، وبعد فوز المؤتمر بالأغلبية المطلقة (التي هندسها المتوكل) وتحجيم مقاعد التجمع اليمني للإصلاح بالبرلمان استطاع المتوكل إقناع صالح بفك تحالفه الاستراتيجي مع الإخوان وأصبح البديل الاستراتيجي هو (الهاشمية السياسية) وتوج هذا التحالف لاحقاً بمصاهرة (صالح) عام 2002م .
 
استطاع المتوكل اقناع (صالح) بدعم ما يسمى بتنظيم الشباب المؤمن الذي أصبحت قيادته خالصة لحسين بدر الدين الحوثي بعد استبعاد مؤسسه (محمد عزان) عام 2000م وكان عدد أعضائه حينها (خمسة عشر ألف شاب)، كان المتوكل يهدف إلى تكوين ذراع عسكري للتنظيم السري للهاشمية السياسية من خلال دعم الشباب المؤمن لكن الحوثي استطاع الاستيلاء على التنظيم العسكري خاصة بعد مقتل المتوكل عام 2003م.
 
بعد تنامي دور المتوكل سياسيا واجتماعيا وتهميش حلفاء صالح الاستراتيجيين أصبح (صالح) يستشعر خطورة المتوكل خاصة بعد تحذير الأخير لصالح من خطورة المضي في مشروع التوريث، وحصول صالح على معلومات تثبت وجود تنظيم سري للهاشمية السياسية يشكل خطراً على مستقبله السياسي ومستقبل أسرته وأبنائه، فدبر (صالح) عملية اغتيال المتوكل عبر جهاز الأمن القومي الذي أنشئ حديثا وكانت هذه أول عملية اغتيال ينفذها الأمن القومي الذي كان يديره عملياً ابن أخي (صالح) عمار محمد صالح.
 
بينما كان اللواء المتوكل يقود المؤتمر لخوض الانتخابات التشريعية عام 2003 وبينما كان اللواء يحيى المتوكل في طريقه من عدن الى محافظة لحج لترؤس اجتماع حزبي لأعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في المحافظة الذي كان مقررا في التاسعة من صباح يوم اغتياله 14 يناير 2003م قضى المتوكل نحبه إثر انقلاب سيارته.
 
بعد وصول خبر وفاته استطاع التنظيم السري للهاشمية السياسية من خلال العلامة محمد المنصور (والد زوجة اللواء المتوكل) من جميع ملفات التنظيم التي كان يحتفظ بها المتوكل في منزله، كان صالح يخطط للاستيلاء على وثائق التنظيم التي بحوزة المتوكل فتوجه ومعه عناصره الأمنية لمنزل المتوكل ودخل مكتبه الخاص للتفتيش زاعما أنه يبحث عن وثائق المؤتمر لكنه عاد خالي الوفاض.
شكل فقدان اللواء المتوكل صدمة كبيرة للتنظيم السري للهاشمية السياسية الذي كان قريبا من تحقيق هدفه بالعودة إلى الحكم تحت مظلة الجمهورية، فدخل الحزن على اللواء المتوكل كل بيت هاشمي سلالي وخسر التنظيم الذراع السياسي الأقوى واليد الطولى برحيل المتوكل ، ولا زالت أصابع الاتهام تشير إلى الرئيس السابق حتى اليوم .
الحجر الصحفي في زمن الحوثي