أحمد ياسين عبد الفتاح | لست أولهم يا هذا ... ولن تكون الأخير

كتب
الخميس ، ٣١ مارس ٢٠١٦ الساعة ١٢:٥١ صباحاً

بمقدور المرء أن يضع نفسه حيث يشاء، وحينها سيتعامل معك محيطك وفقاً لتموضعك الذي اخترته بمحض إرادتك .. عندها لا تلومن إلا نفسك.

                                                أنا ..

ثمة سؤال يلح دائماً ... ما الذي يغري في أن تحكم بلداً أحاله سلفك إلى سراديب، وأقبية، ودسائس، ومتوالية من الأحاجي، وعصابة، ووغد كرس ذاته نصف إله في مخيال شعب جائع منهك؟

في نوفمبر من العام 2010 مرقت من أمام العالم كله كارثة الانتخابات البرلمانية المصرية التي فاز فيها حزب مبارك تقريبا بجميع مقاعد مجلس الشعب... ذهل العالم لحجم المهزلة، واكتفى بذلك.

دخلت الحياة السياسية اليمنية حينها في حالة من المأزق بعد أن رفض صالح وثيقة المبادئ التي اتفق عليها الأربعة ( هادي – الإرياني – الآنسي – نعمان) ... وظل يرقب كلص كيف سيعبر مبارك بمهزلته من أمام الجميع ... وحين تيقن أن الأخير قد مر بسلام .. تهللت أساريره وابتسم بخبث معلناً الذهاب إلى انتخابات نيابية بدون أي تفاهمات مع المعارضة حول النقاط التي أجلتها لعامين كاملين ... وليس ذلك فقط بل و"قلع العداد".

لم تمض سوى أيام قلائل على إظهار صالح لنواياه الحقيقة حتى اشتعلت النار في جسد البوعزيزي ومنه انتقلت لكل تونس وهرب بن علي وسقط نظامه .. شده العالم وحبس الجميع أنفاسه بما فيهم صالح الذي فغر فاه وهو ينظر للنار تجتاح القاهرة، وبدأت شظاياها تتطاير إلى عدن وتعز وصنعاء.. لا أستبعد أن يكون المخلوع يومها قد صلى طويلاً وبإخلاص كي يلهم الله مبارك القوة ليفعل شيئاً ينقذ الجميع من الورطة التي وضعهم فيها.

لم تنم بعدها شوارع اليمن .. حتى خرج صالح من السلطة بعد أن وقع على المبادرة الخليجية التي قال ذات مرة أنها "مؤامرة" قبل أن ينسى ويقول أنه "صاغها بنفسه".

أفضت التسوية السياسية إلى انتخاب عبدربه منصور هادي رئيساً للبلاد خلفاً لصالح الذي حاول تكراراً إظهار تبعية الرئيس المنتخب له، كما حاول خصوم صالح ذلك أيضاً.. وفشل الجميع في تجييره.

ورث هادي دولة متهالكة ... وشعب تائه ... ونخب حائرة ... وسراديب ... وعصابة.

كان الرئيس يدرك تماما أن "زعيم" العصابة يترقبه ليل نهار لئلا يجرؤ على فعل شيء قد يظهر 33 عاماً من حكمه وكأنها كانت ضرباً من الهذرمات الفارغة. فـ صالح يعتقد يقيناً أن أي إنجاز لحقبة هادي سيكون فضيحة لحقبة عفاش ... لذلك وضع نصب عينيه الذهاب بالتسوية السياسية التي ارتضاها الجميع، حتى النهاية ولو كلفه ذلك حياته.. لأن وثيقتها النهائية ستكون بمثابة الكتلة الصلبة التي ستتماسك حولها نضالات القوى الوطنية في حال قرر أحدهم فرض واقع آخر بالقوة.

لم ينسق هادي وراء الأصوات العالية القادمة من هنا وهناك سواء الناقدة أو الساخطة أو الوقحة، وظل يتفادى ألغاماً زرعها سلفه المخلوع للمسار السياسي للتسوية، حتى خرج منتصراً لمشروعه الوطني الذي قاتل لأجل أن ينجزه اليمنيون، ورفع الوثيقة مفتخراً "ها قد أنجزت المهمة .. وبقي القليل".

الكثير اتهم هادي وهاجمه، وتبارى السفهاء وعديمو الأخلاق وأولاد السوق ولقطاء السياسة وشذاذ الآفاق والمتعصبون والمتحمسون والأوباش لينالو من شخصه، وتكاثرت النعوت القبيحة والألقاب المتهكمة وأفرغ عديدون ما في أجوافهم من وقاحات وقاذورات، سواء من كان يشعر أن المشروع الوطني الذي صاغه اليمنيون ودافع عنه الرئيس يمثل تهديداً لنفوذه ومصالحه وأحلامه الهابطة، أو من كان ناقماً عليه لأنه رفض أن يكون مطية لأوهامه وتطلعاته السمجة والأنانية. لم يفهمه إلا النادر، ولم يحاول أن يتفهه إلا الأندر.. شعر الرجل بالوحدة والعزلة ولم يثنه كل ذلك عن المضي قدماً نحو رؤية بلده بلا عصابات أو سراديب أو لصوص أو سلالات مقدسة.

كان المخلوع أكثرُ لصٍ في البلد يشعر بخطورة ما يفعله الرئيس على أمانيه الغبية بالعودة بنجله المدلل الفاشل إلى السلطة، وظل يبحث عن قفاز ليغوص به في أوحال الغدر لينقلب على المسار السياسي التوافقي ويفلت من أية عقوبات دولية محتملة، فلم يجد أفضل من "أحمق مران" ففيه كل المواصفات التي يرجوها أي وغد يبحث لجرائمه عن ممسحة، فكان خير ممسحة.

نجح الوغد والأحمق لبرهة من الزمن في الانقلاب على المشروع الوطني لرئيس الجمهورية، وحاصراه في منزله تمهيداً لعزله .. وبكل شجاعة ومغامرة استطاع الرئيس أن يخرج مهاجراً إلى عدن وكان يوم هجرته هو يوم ميلاد مجيد لتاريخ اليمن، وإن شئت قل لتاريخ العرب والجزيرة والشرق الأوسط.

فشجاعة الرئيس وتضحيته بنفسه من أجل شعبه، وكذا نجدة الأشقاء، وهبة الشعب اليمني معهم أوصلت اليوم جحافل الجيش الوطني والمقاومة إلى محيط صنعاء ومرغت أنوف عصابات الوغد والأحمق في التراب.

 ومع كل ذلك لم يتوقف بعض المهرتلين عن التطاول على الرئيس بمناسبة وبدون مناسبة، بل إن أحدهم يجعل من جلسات التفرطة وحزاوي المراهقين وتسريبات أبواق الانقلاب مصدراً يعتمده وهو يفرز قيئه على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.. ولم يخجل وهو ينعت الرئيس بالـ لص لأن أحد "الحزاوي" تقول أن مراهقاً قال لأقرانه أن أحد أرصدته وصلت لـ 12 مليون ريال سعودي.. أو أن "حزاوي" أخرى تقول أن فلان أخذ عمولة وآخر أخذ رشى. السؤال: أيها الأخرق التافه ما علاقة رئيس الجمهورية بالموضوع، ولو كان هذا الرجل كما تدعي لكان بإمكانه أن يجني الكثير لو قبل أن يكون ممراً لأحلام المخلوع وطفله الأربعيني الساذج. ولو كنت مجرداً من الحقارة والوضاعة لسألت العصابات الانقلابية التي اتهمته بالفساد: لماذا لم تنشروا ملف فساده للعالم؟

لن تكون الأخير يا غفوري كما لم تكن الأول ... فلقطاء السياسة أمثالك قد قالوا أكثر مما قلت، فاكتب آراءك بعيداً عن أعراض الآخرين .. وإذا كنت مستاء من أداء الرئيس فانقده كما تشاء وفق قواعد النقد السياسي التي يعرفها الجميع، واترك قلة الأدب.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي