تآمر الغرب والروس على "تركيا" !!

صدام الحريبي
الاربعاء ، ٢٤ فبراير ٢٠١٦ الساعة ١٠:٠٩ مساءً

كان الغرب و "روسيا" و "إيران" يقللون من شأن تصريحات مسؤولين سعوديين بخصوص تدخل المملكة بالتعاون مع "تركيا" في القضية السورية عسكريا ، وكانوا يستنتجوا أنه من الممكن أن تتدخل "تركيا" وحيدة وسيتم إدانتها وفرض عقوبات عليها فضلا عن ضربها أو الدخول معها في مماحكات كبيرة تنهكها وتنهي آمالها في ضرب أعدائها السياسيين الذين أظهروا مؤخراً نيتهم في إثارة الصراع الأيدلوجي مع "تركيا" ..

 

ظل الغرب والروس يفكروا بتلكم الطريقة تماماً كما كانوا يفكرون بعدم جدية المملكة في مواجهة الامتدادات الإيرانية في المنطقة بسبب ضعفها في اتخاذ قرارات خطيرة كهذه ..

 

لم تصبر "السعودية" كثيراً حتى فاجأتهم بأول قرار خطير من خلال تصريح "عادل الجبير" وزير الخارجية السعودي الذي قال بأن دولته من المحتمل أن تتدخل عسكرياً في "سوريا" تحت مبرر محاربة تنظيم داعش ، وكأن المملكة و "تركيا" يوجهوا رسالة محرجة للغرب والروس والإيرانيين مفادها : سندخل سوريا وسندافع عنها ضد صلفكم وإرهابكم بنفس المبرر الذي اتخذتموه عذراً عندما دخلتم وهو تنظيم داعش الذي جعلمتوه شماعة تستدعونه متى ما دعتكم شهواتكم الدموية الاقتصادية والسياسية إلى إشعال المنطقة ..

 

أرسلت المملكة قوات جوية إلى "تركيا" للمشاركة في حرب الإرهاب ، وحلقت مقاتلات تركية في أجواء سورية وقصفت بعض المواقع بعد أن كان "الدب الروسي" قد هدد سابقاً وتوعد بإسقاط أي طائرة تركية ستحاول فقط الاقتراب من الأجواء السورية ، لكن يبدو أن "الدب" قد أخذ بعض الدروس قبل فترة وجيزة بعدم التهور مرة أخرى وهذا ما أجبره على الصمت وعدم التهور واتهاذ قرارات متسرعة ..

 

وتباعا لذلك فقد كان القصف التركي لأهداف في "سوريا" ضربة معلم في وجه الغرب والروس والإيرانيين ، وهذا ما دفع ب "أمريكا" إلى التعامل بجنون ، بعد تفكيرها بأن "تركيا" قد بدأت بالتدخل الفعلي في "سوريا" ولن يستطع أحدا إيقافها ، حيث قيظت الأكراد الحل الوحيد لمواجهة الصلف التركي الذي يؤرق الغرب والروس والإيرانيين دون أن تظهر "الولايات المتحدة" في الصورة ، ولذلك قامت "الولايات المتحدة" بمد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي _الذي تصنفه تركيا ضمن قائمة الإرهاب_ بالسلاح ، الأمر الذي استدعى الرئيس التركي "أردوغان" إلى التصريح بأنه ونظامه لم يعودوا يفهموا السياسية الأمريكية تجاه "تركيا" وقد كان صريحاً جداً في خطابه حيث قال : على أمريكا أن تختار ، أما حزب الاتحاد الديمقراطي الإرهابي أو تركيا ، وهذا التصريح بحد ذاته قنبلة انفجرت في وجه الأمريكان والروس ومن خلفهم ، ولذلك شعر الأمريكان بالورطة ، ليصدر تصريح من "البيت الأبيض" نصه : نقف إلى جانب تركيا ضد الاستفزازات الروسية ..

 

لم يهتم الأتراك لتصريح "البيت الأبيض" فهم يعرفون الأمريكان أكثر من غيرهم ، والتصريح لا جديد فيه وهو كسابقيه من المواقف الأمريكية التي تعمل على إيجاد صراعاً حتميا بين الأتراك والروس ، وباعتقادي حتى الروس أنفسهم يعرفون هذا المغزى ، لكنهم يقبلون عليه بالتوافق مع الحكام السريين للعالم الذين يسيرون السياسية الأمريكية كذلك ، والذين وجدوا عقبة كبيرة جداً أمام تنفيذ مخططاتهم وهي "تركيا" التي يجب إزالتها من وجهة نظرهم ﻷنها الصخرة العنيدة التي ستتحطم عليها كل أحلامهم القذرة والدموية ..

 

أما بالنسبة ل "السعودية" فهي تتعامل بذكاء ، وكأنها ليس لها شأن في أي تدخل سوى انشغالها بالتمدد الإيراني في المنطقة ، وقد أثبتت ذلك من خلال إيقاف صرف الميزانية السنوية للجيش اللبناني والتي تقدر بأكثر من أربعة مليار ، وقد أقبلت على ذلك من وجهة نظري حتى تعمل على تقليم أظافر "إيران" في المنطقة إلى جانب إقناع الغرب والروس والحكام السريين بأن "السعودية" أصبحت حازمة وقوية وباستطاعتها إدارة نفسها والتعامل مع خصومها دون التوكل على الغرب ، في حين أنها تضرب الغرب من حيث يعلمون ، حيث أنهم لم يتعاملوا معها بنفس الحدة والجلافة والطريقة التي يتعاملوا بها مع "تركيا" لثلاثة أسباب :

الأول : بسبب أن السعودية ما زالت تتعامل مع الغرب وغيرهم بدبلوماسية وسياسة غاية في الحذر ولم تعلن للعامة بأنها تعيش أي صراع معهم ..

الثاني : هو أن السعودية دولة غنية جداً ومن الصعب التخلي عنها وهدف الغرب وغيرهم هو إيجاد نظام حليف ومنبطح لهم في المملكة كما كان نظام الملك عبدالله أو هد النظام وإدخال المملكة في متاهة وهذا آخر الخيارات أمام الغرب ومن خلفهم ..

الثالث : هو أن المملكة نفسها تتعامل معهم بلطف أحياناً بسبب أنها تريد استغلالهم حتى تصبح دولة قوية وندا لهم ..

 

وفي الجانب الآخر كان على "السعودية" أن لا تترك "تركيا" وحيدة في مواجهة القضية السورية والتي هي قضية وجود بالنسبة للكثير من الدول ذات المصالح المختلفة ، فقد ظهر "عادل الجبير" وزير الخارجية السعودي وقال : سندعم المعارضة السورية المعتدلة بصواريخ أرض جو ، الأمر الذي جعل "بوتين" والروس يصابون بالجنون ، خصوصاً في ظل نظام سعودي جديد ينفذ ما يقول دون الانبطاح للغرب أو غيرهم ، وهو ما أجبر "بوتين" الرئيس الروسي على دعوة الملك "سلمان بن عبدالعزيز" لزيارة "موسكو" في أقرب وقت ، ومن وجهتي بأن هذه الدعوة سيعمل من خلالها الروس على محاولة إقناع "السعودية" على الرجوع عن قرارها أو المقايضة ، وأعتقد بأن الثانية هي الأكثر توقعا ، حيث سيهدد الروس "السعودية" بأنه إن تدخلت في "سوريا" فسيعملون على دعم خصوم "السعودية" في "اليمن" وبالتأكيد ستدخل المملكة في متاهات كبيرة كون "اليمن" تربطه مع المملكة حدود كبيرة ، وأعتقد بأن المملكة استوعبت الخطر ، وعملت على سرعة الضغط على الرئيس اليمني "هادي" بإصدار قرار بتعيين الجنرال "علي محسن" نائباً له في الشؤون العسكرية ، كونه قائد عسكري فعلي إلى جانب أنه الأكثر قرباً للمملكة وللضباط والقبائل المتواجدة في "اليمن" ..

 

أما بالنسبة لدعوة "بوتين" للسعوديين وتجاهل الأتراك فهي ليس بسبب الممحاكات الأخيرة ، بل ﻷن الروس ومن خلفهم في العالم يعلمون بأن "تركيا" لن تسمع لهم ، ولا يوجد هناك ما تخسره وليس هناك أي نقطة يمكنهم اللعب عليها ضد "تركيا" عكس المملكة التي تخوض حرباً في "اليمن" ..

 

الخلاصة : هي أن الأمريكان والروس متفاهمون وهدفهم واحد في "سوريا" وهو دعم كل الأطراف من أجل إطالة الحرب لكي يتسنى لهم الإطاحة ب "تركيا" ، ﻷنه إذا انتهت الحرب في "سوريا" و "العراق" فإنهم سيخسرون كل ما قدموه ، وبالتالي لن يصلوا إلى "تركيا" مرة أخرى ، خصوصاً إن حدث تغيير وأدار الأمور نظام غير موال لدول الاستكبار الدموي في العالم ، ومن خلال تصريحات مسؤولين أتراك يبدو أن الأتراك يفهون كل شيء يحاك ضدهم ، وإلا لما بقوا وصمدوا وبهذه القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية حتى الآن ..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي