أسئلة الربيع العربي ؟

جمال المليكي
الخميس ، ١١ فبراير ٢٠١٦ الساعة ١٢:٢٤ مساءً
 
خلال الخمس السنوات الماضية أحاول أن أرتدي دوماً قبعة المتعلم من الأحداث، ورغم مشاركاتي الإعلامية في مناصرة فكرة الربيع، إلا أني بين الفترة والفترة أضع على نفسي بعض الأسئلة وأحاول الاقتراب من الإجابة عليها كشكل من أشكال التعلم من الواقع.. في الذكرى الخامسة لذكرى الربيع العربي عموماً وذكرى "الثورة اليمنية" على وجه الخصوص .
 
هل هناك ما يستحق الاحتفال؟
 
للإجابة على هذا السؤال نحتاج أولاً لتعريف فكرة الربيع ووضعها في سياقها الاجتماعي والفكري بعيداً عن اختزالها فقط في السياق السياسي، وانطلاقًا من هذه الفكرة يمكن تعريف ما حدث خلال الخمس السنوات وما يزال يحدث أنه صراع بين فكرتين، صراعٌ بين ماضٍ يستميت من أجل البقاء ومستقبل يتخلّق بقوة وإصرار، صراع بين الماضي بكل سلبياته وبكل تحالفاته والمستقبل بكل طموحه وتخيلاته، تجسدت فكرة المستقبل من خلال تلك الثلة الشبابية التي استطاعت وبجدارة إعادة التعريف بالمجتمعات العربية وأسقطت الصورة النمطية السائدة وكان هذا أحد أهم اشتراطات التحول والاقتراب من المستقبل، يمكننا القول وبكل ثقة إن لقطة الميدان والشارع أنقى وأنصع لقطة حدثت في تاريخنا المعاصر.
 
وتجسدت فكرة الماضي من خلال المستبدين والحاشية المحيطة بهم واللوبيات المستفيدة من بقاء هؤلاء على كرسي الحكم، وهناك أيضاً من اختار أن يقف مع هؤلاء دون اي مراعاة للضمير الشعبي الذي بدأ يتوق لعصرٍ جديد.
 
لماذا لا نزال مؤمنين بفكرة الربيع رغم كل ما يحدث حولنا؟
 
رغم كل الآلام والمآسي من حولنا، ورغم الأثر الذي تتركه هذه الوقائع على نفوس الناس، إلا أن من يقرأ تاريخ التحولات الاجتماعية، سيرى أننا أمام صيرورة حتمية، وأن بيننا وبين الحرية والكرامة مخاضًا عسيرًا، وهو ما تجسده الأحداث من حولنا اليوم، التذمر والشكوى والمبالغة في الاستغراب وعدم قراءة ما يحدث في هذا السياق تدل على ضعف الوعي بطبيعة التحولات الاجتماعية.
 
والخلاصة: ما يحدث اليوم هو طبيعي في سياق التحول نحو عصر جديد، هكذا يقول لنا التاريخ وهكذا تقول سنن المجتمعات وقوانينها، رغم قسوة هذه الفكرة ولكن يبدو أن هذا هو الواقع.
 
***
 
محاولة لتفسير أسباب التذمر من فكرة الربيع العربي..؟
 
الذي حدث هو أن رفع سقف التوقعات دون وعي، نتيجته الإحباط.. فعندما سقط رأس النظام في مصر خلال 18 يوما وقبل ذلك هروب بن علي بعد شهر تقريبًا من بداية المظاهرات ضده، هذه اللحظات في بداية الربيع العربي أوحت للناس أنه أصبح من السهل أن يسقط النظام بسرعة وبالتالي بدأ سقف التوقعات يرتفع دون منطق أو وعي، ولم يقل أحد في وقتها إن أسهل خطوة في الثورات هي إسقاط النظام الخارجي وإن المعركة الحقيقية هي المعركة مع عمق هذه الأنظمة وثقافة هذا النظام الذي رسخته خلال عقود من الزمن، هذه الفكرة باعتقادي هي التي جعلت المجتمعات تنصدم وتتفاجأ من قوة فكرة الدولة العميقة وأفكار أنظمة الاستبداد، كل هذا جعل البعض يتذمر من فكرة الربيع خاصة في ظل الأحداث المأساوية المتتابعة على المنطقة.
 
والخلاصة: فكرة رفع التوقعات وأن الثورات ستنجز الانتقال نحو المستقبل بسرعة، هذا ما سبب الإحباط الشديد وأصبحنا مدهوشين مما يحدث، فلو كنا واعين بطبيعة هذه الأنظمة وواعين بالتحولات الاجتماعية وكيف تحدث خلال التاريخ، لكنا أصبحنا أكثر جاهزية لمواجهة ما يسمى بـ"الثورة المضادة"، إذاً الذي جعلنا نتفاجأ ولا نكون على جاهزية لمواجهة الثورة المضادة هو رفع مستوى التوقعات دون وعي، وهذا ما استفاد منه مشروع الثورة المضادة.
 
***
 
السؤال الجوهري: هل حقق الربيع أموراً لا يمكن لأي ثورة مضادة أن تسقطها؟
 
أزعم أن هناك ثلاثَ أفكار رسخها الربيع العربي، تكمن أهمية هذه الأفكار في أنها تعد مقدمات مهمة واستحقاقات لا بد منها في طريقنا نحو المتسقبل وتكمن أهميتها كذلك في عدم قدرة الثورات المضادة على النيل منها..
 
الفكرة الأولى: إسقاط الهالة التي كانت محيطة بالحاكم، الحاكم في ذهنية الإنسان العربي كان في منزلة بعيدة المنال، ولا يمكن النيل منه.
 
لن ينسى الناس أبداً لقطة مبارك وهو خلف القضبان حتى وإن عاد ليحكم.
لن ينسى الناس القذافي ومن أين أُخرج.
لن ينسى الناس وجه صالح المحروق وكيف أصابه العبث الذي كان يمارسه طوال 33 سنة.
 
هذه الصور المتتابعة دمرت قداسة الحاكم ومن المستحيل أن تستطيع الثورات المضادة تحسين أو ترميم صورة المستبد مهما فعلت. أصبح النيل من الحاكم ممكناً وفي سياقنا الاجتماعي كان هذا شرط من شروط البدء بعملية التحول نحو المستقبل.
 
الفكرة الثانية: إن المجتمع اختبر إمكانية الفعل لديه، الشاب الذي كان منعزلاً عن السياسة عندما وجد أن خروجه للشارع غيّر الكثير وأثَّر كل هذا التأثير، وأن كل ما يحدث الآن في العالم هو تفاعل مع تلك اللحظة، أدرك أن لصوته صدىً ولحركته أثرًا.
 
المجتمعات العربية أعادت التعريف بنفسها واختبرت قدرتها على الفعل، في اليمن هناك جزء من الشعب مكث في الشارع أكثر من عام، ينام ويأكل ويعيش في الشارع، 17 ساحة في مختلف أنحاء الجمهورية، لا أعتقد أن هذا حدث في تاريخ مجتمع آخر.
هذه الجاهزية لدى المجتمع ستنتج المستقبل مهما بدت الصورة اليوم قاتمة.
 
الثورة في اليمن انتقلت من الشوارع إلى قلوب الناس وعقولهم وهذا ما يجعلنا نطمئن على المستقبل مهما كانت اللحظة الراهنة معتمة.
طبعاً للأسف نلاحظ أن هناك عدم اهتمام غريب بما حدث في اليمن منذ انطلاق الثورة وحتى الآن، "الثورة اليمنية" مادة ثرية تستحق الدراسة والبحث والاهتمام.
 
في هذا السياق أعتقد أن الإيقاع السريع للأحداث حال دون أن ننصف المجتمعات التي ثارت وأن نعزز لديها أهمية ما فعلت ونذكرها بإنجازها التاريخي المهم، بل يرى البعض أن خطاب اللوم والعتاب من المنصات الإعلامية الموالية للثورات المضادة هو الصوت المسموع في الفترة الأخيرة، للأسف الشديد، ففكرة أن المجتمع اختبر نفسه هذه فكرة جوهرية في سياق التحول نحو الحرية والكرامة والمساواة.
 
الفكرة الثالثة: هي أن الربيع العربي أخرج لنا مشاكلنا التي كانت مختبئة اليوم، يقول الناس على سبيل المثال إن الحوثيين أتت بهم الثورة وأتى بهم الربيع، والحقيقة أن الثورة أخرجت لنا مشاكلنا المختبئة أخرجت الأفعى من مخبئها، الثورة كشفت عن المحجوب عنّا، وفي هذا مصلحة إستراتيجية في طريقنا نحو تحقيق الحرية والمساواة والعيش الكريم..
 
ومن ناحية أخرى نحن انكشفنا أمام أنفسنا وهذا أحد إنجازات الربيع حتى نكون أمام المسئولية وحتى نستدرك ونحقق في أنفسنا استحقاقات التحول المنشود.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي