عن إمكانية حل سلمي في اليمن

علي أحمد العمراني
الاربعاء ، ٠٣ فبراير ٢٠١٦ الساعة ٠٨:٥٧ مساءً
لا علاقة للحوثية بالوطنية اليمنية، فالحوثية فكرة وعقيدة عابرة للزمن والوطن .. وهي خليط من تهويمات عقيدة دينية ونزعة عنصرية يغذيها وهم التفوق العرقي على الغالبية الساحقة من أهل اليمن، وهي تستند إلى فكرة الإصطفاء الزائفة ..وهي ليست بعيدة عن أفكار سادت تاريخ العالم ونظمه الإجتماعية والسياسية في زمن غابر، ثم بادت.. وكان لها مثيلاتها في تاريخ الصين والهند وفارس وأوربا.. والفرق هو أن العالم المتحضر تخلص بشكل نهائي من أفكار وأنظمة بدائية متخلفة من هذه النوع، غير أن واقعنا المتخلف لا يزال يعج بهكذا مسائل وأفكار ولها ما يغذيها في جانب من الموروث الديني التاريخي..فإلى عهد قريب كانت "القرشية السياسية" وتفرعاتها تعني الشيء الكثير.. ونعلم شروط الخلافة والإمامة في الإرث الفقهي ..ولعل هذا سبب رئيسي فيما أصاب الأمة من تدهور شامل أدى إلى إستعمارها وتبعيتها وتخلفها .
 
 
ومع أن أفكارا ومعتقدات من هذا القبيل ستكون محل استغراب وتندر أجيال قادمة فضلا عن رفضها المطلق ، غير أن هناك من لا يزال يأخد الموروث الفقهي ، الجدير في جوانب منه بالإستهجان، بكل علاته دون نقد وتفنيد..ونتذكر حديث أحد شيوخ السنة في اليمن وهو يطالب باعتماد الخمس لأهل البيت..!
 
 
منذ حصار عمران، فقط، صار الحوثي يتحدث عن اليمن وعن الشعب اليمني "العظيم" لكن الحوثية منذ نشوئها وهي تهيم في عالم مختلف وتتحدث عن قضايا أخرى وأمور بعيدة عن الشأن اليمني نتج بعضها عن الخلافات السياسية وصراع الحكم الذي ساد "البيت القرشي" قبل أكثر من ألف عام.. وقد يتماهى الحوثي مع شعارات غريبة تبنتها ثورة الخميني الشيعية، مثل شعار "الموت لأمريكا وإسرائيل واللعنة على اليهود... " ولا يكاد يوجد لليمن ذكر في ملازم حسين ولا خطابات عبد الملك ما قبل اجتياح عمران .. والحوثيون ليسو بدعا من تيارات دينية إسلامية متطرفة في وقتنا ، لكن فكرة الحوثي تتمحور حول أهمية إقامة سلطته السلالية والشخصية وتبقى الدعاوى والحجج والقضايا الأخرى وسائل لتحقيق تلك الغاية.
 
 
منذ نشأت الحوثية تسببت في دمار منقطع النظير وبدت كمن لا يهمه من يبقى ومن يموت وما يُعمَّر أو يُدمَّر في اليمن ، والأهم هو أن تسود الفكرة وتمضي ولو كان الثمن كل اليمن باستقرارها وكرامتها ولحمتها ونسيجها وكلما له علاقة بالحياة فيها .
 
 
على رعونة صالح وأخطائه الكبرى فقد توصل مع مناوئيه في 2011، إلى اتفاق خرج بموجبه من السلطة وجيء بحكومة ورئيس آخر، ولولا عوامل عدة من ضمنها وجود الحوثي مستغِل ومستغَل ، كان يمكن أن تمضي الأمور قدما.. لكن صالح نكص على عقبيه بخطأ تاريخي لا يغتفر ونتيجة حسابات سياسية خاطئة ونتج عن كل ذلك التطورات الخطيرة التي تعاني منها اليمن الان وإلى عقود قادمة .
 
 
في تقديري أن صالح كان ولا يزال ممن يمكن أَن يغلب السياسة في النهاية .. وفي 2011 قلت : "علي عبد الله صالح ليس معمر القذافي" ، وهكذا كان ، فقد تحاشي في حينه مصير القذافي وغير القذافي كما نعرف.. لكن صالح وقع بسبب تحالفه مع الحوثي في خطأ فظيع معقد لا يستطيع الفكاك منه بسهولة، ولا يجب أن يغفره لنفسه ولن يغفره له أتباعه فضلا عن الشعب والتاريخ .
 
 
والحق فإن صالح لم يجنح للسلم في 2011 حرصا على دماء اليمنيين فهو الذي لم يأبه بها قط، وشواهد ذلك عديدة،لكنه فعل ذلك من قبيل الواقعية السياسية وحرصا على سلامة نفسه وعائلته قبل أي شيء آخر.
 
 
أما الحوثي فهو يبدو كمن لا يأبه ببقاء أي شيء سوى الفكرة التي في رأسه والهدف الذي يسعى إليه ، ويبدو أن القتال والدمار ولو كان شاملا هو خياره الوحيد إلى النهاية في سبيل تحقيق غايته التي هي في حقيقتها مستحيلة .. وواضح أن شعاره أقرب إلى "تحقيق كلما أريد أو دمار كل شيء.."
 
قد يتواجد في الحركة الحوثية وربما بين حلفائها من يوالون اليمن أكثر من التعلق بالخرافات والأوهام ، وقد يسهم أولئك ، إن وجدوا، في تجنيب اليمن مزيد من الدمار والمآسي..غير أن الوقت يمر سريعا والدمار يتعاظم .. والحوثي وحلفاؤه هم السبب من غير شك..ويستحيل قبول استحواذ الحوثي على اليمن بالخيانة والتواطؤ وقوة السلاح، الذي حدث لبعض الوقت، وقد يستمر لبعض وقت آخر.. لكن يستحيل تصور بقاء ذلك طويلا.. لكن السؤال دائماً ما هو الثمن..؟ التحدي هو أن يتم تحرير اليمن من يد الحوثي بأقل التكاليف.. وأفضل أن يكون ذلك عن طريق الحوار والسلام .. لكن تاريخ الحركة الحوثية ينبئ بغير ذلك للأسف..وليس هناك ما يشير إلى وجود تفكير جديد في الحركة الحوثية يمكن التعويل عليه في تحقيق السلام.
 
أرجو أن أكون مخطئا هذه المرة ..!
الحجر الصحفي في زمن الحوثي