الدب الروسي يتراجع !!

صدام الحريبي
السبت ، ٠٥ ديسمبر ٢٠١٥ الساعة ٠٧:٠٦ مساءً
جميعنا يعلم تهور "الدب الروسي" ورده السريع والقاسي دون أدنى تفكير على من يحاول محاكاته فضلا عن إحداث شيء يسبب له الوجع الشديد الذي يفقده حسن التصرف بشكل سريع ..
 
كان الإيرانيون وحلفائهم في الشرق الأوسط يعتقدون ، بل يؤمنون بأن "بوتين" والذي يطلقون عليه "القيصر" نظرا لعظمته وعلو شأنه عندهم كانوا يؤمنون بأنه سيمحي شيء اسمه "تركيا" وحلفائها من على الأرض ، بل وبعد إسقاط الطائرة الروسية راح البعض منهم ليهدد باسم الدولة الروسية والجيش الروسي وتوعد أعداء "روسيا" بأن "الدب" لن يرحمهم ولن يبقيهم على وجه الأرض ، كالولد المدلل "الأنثوي" الذي يستقوي بمن يحميه مقابل شيئاً من الهوى والمال ..
 
ولذلك هاهي "موسكو" سريعة الانفعال والرد القاسي تتمهل في اتخاذ قرار الدخول في متاهة مع "الذئب التركي" كونها تعي بأن الذئب السياسي لا يأخذ غير حقه ولا يقدم على شيء إلا وهو يعرف عواقبه وكيفية تجاوز هذه العقوبات ..
 
أما سبب التريث فهو أن دول الاستكبار والظلم في العالم التي دفعت ب "موسكو" إلى الدخول في صراع مع "أنقرة" استوعبت بأن قرار الدخول في متاهة أكبر مع "أنقرة" ليس في صالح هذه الدول في الوقت الحالي ، ويبدو بأنها علمت بأن "تركيا" قد رتبت لمواجهة أي احتمال أو تصرف أحمق تصدره أي دولة ضدها ، وهذا ما جعل (أمريكا وإيران واسرائيل وبريطانيا وكل دول الاستعمار في العالم) تتريث في قرار الإطباق على نظام أردوغان وإدخاله في مشاكل لا نهاية لها أملاً في إسقاطه كونه نظام إسلامي قومي معتدل ، مما أجبر هذه الدول الدموية (باستثناء إيران التي تؤيد الدب في كل ما يتخذه من قرارات) على مراضاة "الدب الروسي" وتوجيهه على عدم الإقدام على أي رد أو حماقة ضد "تركيا" في هذا الوقت الحرج ، ويبدو بأنها قد حذرت الدب بأنه إذا أقدم على أي تحرك ضد "تركيا" في هذا الوقت دون أي تنسيق معها فلربما لن تقف إلى جانبه إذا دخل في متاهات مع الأتراك وحلفاءهم ، ليس حبا في "تركيا" وموالاة لها ، بل خوفاً من الترتيبات التي يمكن أنه تم اكتشافها ..
 
أما تصريحات "البنتاغون" و"الخارحية الأمريكية" و "البيت الأبيض" التي تدعم "تركيا" فهي فقط ﻹسقاط الواجب الذي يترتب عليهم كحلفاء في شمال الأطلسي ولكي تثبت "أمريكا" كذباً في أنها لم تتورط بتحالفات سرية من تحت الطاولة مع (إيران وروسيا)، كون تركيا عضو في شمال الأطلسي (الناتو) ، لكن من شدة ذكاء "الذئب التركي" أن أعطى أهمية كبيرة لهذه التصريحات ووضع هذه الجهات في مواقف محرجة من خلال توليتها أهمية كبيرة ..
 
وبرغم التحذيرات التي وجهها الحكام المجهولين للعالم إلى "روسيا" بعدم خوض أي صراع مع "تركيا" في هذا الوقت بالتحديد ، إلا أن الدب لم يصبر ، بل ذهب لاتخاذ إجراءات أقل أهمية من الدخول في صراع عسكري ، إذ فرض عقوبات اقتصادية على "أنقرة" ﻷنه كان يفكر بأن "تركيا" ستأت إليه راكعة يسبب العقوبات ، إلا أنها لم تلق لها أي أهمية ، وقد دفع تصرف موسكو الدول الأوروبية إلى إعلان إلغاء التأشيرات بينها وبين "تركيا" والعديد من التعاونات الاقتصادية وكان هذا الهدف هو شيئين : الأول هو أن "الدب الروسي" لم يطع ويسمع الجهات السرية التي تتحكم بالعالم وذهب إلى اتخاذ قرار أقل أهمية للرد ، والثاني هو لطمأنة "تركيا" وإيهامها بأن هذه الدول ما زالت الخلافات قائمة بينها وبين السوفييت والروس وهي لن تنته برغم أن الإقبال على هذا الاتفاق هو بمثابة صدمة يتلاقها الروس ..
حتى أن "تركيا" قد استطاعت أن توجه بنفسها ركلات للروس من خﻻل تفتيش السفن الروسية وإيقافها لساعات والتعامل مع معها بحزم وهذا أقل ما تقدم عليه "أنقرة" لتأديب الروس ..
 
أما اتهام "موسكو" ل "أنقرة" بأنها تشتري النفط من داعش وتتعامل مع التنظيم ، فقد جاء الجواب سريعاً وجعل الروس في ورطة ، حين صرح "أرودغان" بالقول بأنه إن كان "بوتين" صادقاً في ادعائه بأن "أنقرة" تتعامل مع داعش فليثبت ذلك في لقاء باريس ، وأضاف كذلك "أردوغان" بالقول بأنه سيستقيل من منصبه إذا أثبت "بوتين" ادعاءاته ، لكن الروس لم يثبتوا شيئاً ، مما دفع "أردوغان" بالتصريح مرة أخرى بثقة وقال بأن "الولايات المتحدة الأمريكية" تمتلك أدلة تثبت تعامل الروس مع داعش وتحدث عن أمارات بأن أحد كبار لاعبي الشطرنج الروسي وآخر يحمل حواز سفر روسي وغيرهم هم من يشارون النفط من داعش ويتعاملون معه لصالح "موسكو ونظام الأسد" ..
 
لم يتوقف "أردوغان" عند ذلك فحسب ، بل وجه رسائل مشفرة للروس ومن يقف وراءهم من الغرب والحكام المجهولين في العالم حيث قال : قطعت آلاف الكيلومترات وأتيتم إلى "سوريا" تحت مبرر داعش ، لكننا نعلم الذي أتيتم من أجله ، وداعش هو الستار الذي خلقتموه للتمترس خلفه ، حتى تصلوا إلى أهدافكم التي نعلمها .. لتكن هذه الرسائل بمثابة سم لا يقتل ، لكنه يجعل الخصم في خوف وقلق وارتباك دائم ..
الخﻻصة هي أن "تركيا" لم تقدم على إسقاط الطائرة الروسية إلا وهي تعلم العواقب وقادرة على الرد المناسب وقتما اضطرت إليه ، ف"تركيا" ليست بسيطة ، وهي تعمل ليل نهار على مفاجئة العالم بما لا يتوقعه من وجهتي ، فالنظام التركي ليس نائماً حتى يعمل العالم كله من دونه ، وليس أحمقا حتى يدخل في صدام مع دول عظمى دون القدرة على تحمل العواقب أو ردعها ، وهذا ما أثبتته تصريحات "الناتو" والدول الاستعمارية وكذلك موقف "الصين الشعبية" التي تعتبر حليف تاريخي ل"روسيا" فقد أصدرت خارجيتها بيانا حياديا دعت فيه "الأمم المتحدة"إلى العمل على تلافي المشاكل بين "موسكو" و"أنقرة" والجلوس على طاولة واحدة ، ﻷنه هذه الدول يبدو بأنها اكتشفت جحم القوة السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية التي تحظى بها "تركيا" بعد حادثة إسقاط الطائرة ، ولم تكن تدركها في السابق وهذا ما جعلها تتوخى الحذر وتعيد ترتيب الخطة التي كانت ستنفذها من أجل إسقاط النظام التركي الحالي .
 
ولو كانت "تركيا" قد أدركت بأنها في خطر وأنها وقعت في الفخ وأنها تشعر بالخوف من "الدب الروسي" كما يروج البعض " لكانت قد اتخذت من طلب "روسيا" منها الاعتذار قشة تنجو من خلالها ، ولكانت دول الاستعمار قد حشدت لغزو "تركيا" تحت مبرر داعش والإ هاب ، لكن باعتقادي بأن قصة طلب "موسكو" الاعتذار من قبل "أنقرة" جاءت من باب محاولة حفظ ماء الوجه بعد أن تلقت ضغوطات بعدم الرد في هذا الوقت ، لكن "أنقرة" ركلت هذا الطلب وبقت شامخة ورفضته رفضاً قاطعاً مما دفع الروس إلى اتخاذ إجراءات تمكنهم من الحفاظ على شرفهم الذي أهين لتقبل على اتخاذ عقوبات اقتصادية ضد الأتراك ، لكنه لم يؤثر بشيء ..
 
وأكثر ما يوضح ثبات"تركيا" وحلفائها وثبوتهم هو التحذير الذي أصدره "أردوغان" حين قال : من يستهدف المساعدات الإنسانية التي نرسلها ﻷهالينا في التركمان هو يلعب بالنار ، و "أردوغان" من خلال متابعتي لم يقل يوماً شيئاً من فراغ .. وكذلك تصريح وزير الخارجية السعودي حينما قال بأن "السعودية" ستعمل على دعم المعارضة السورية ضد نظام "بشار الأسد" وستستمر في ذلك ، إلى جانب الموقف القطري الذي أبداه الأمير" تميم بن حمد" الداعم ل "تركيا" ، هذا ما تم الإعلان عنه ، وما خفي كان أعظم ، ف "تركيا" دولة وليست عصابة دموية استعمارية كما يقول الواقع ، تفكر بكل خطوة تخطوها ، لكن عليها أن تكون أكثر حذراً وأكثر انتباها مادام الأعداء على قيد الحياة .
 
خلاصة الخلاصة أن كل الدول التي تقف ضد "تركيا" قد تجلت نيتها السيئة وهدفها ليس سياسي كما كنا نتوقع وبإمكاننا الاعتقاد بأنه كان كذلك يوماً من الأيام ، لكننا اكتشفنا بأن هدفهم ديني قبل كل شيء وأقل منه استعماري اقتصادي ، وهذا ما يترجمه تصريح الرئيس الروسي "بوتين" حينما قال : النظام التركي يسعى ل أسلمة "تركيا" يعني أنه يسعى ﻷن تكون دولة "تركيا" إسلامية ، وإلا لماذا الكنيسة في "روسيا" أعلنت عن حرب دينية تباركها الكنيسة في "سوريا" ولم يتحدث أحد في العالم ؟؟ السبب هو أن الكنسية مرغوب بها عند هؤلاء ، وأن مبتغاهم هو إسلام متطرف وليس إسلام معتدل كما جاء من السماء كالذي تتعامل به "تركيا" ﻷنه إذا تمكن فحتماً سيغلبهم وسيتفوق عليهم .. اللهم احفظ اليمن وكل الأوطان ..
الحجر الصحفي في زمن الحوثي