جنود الخلافة جنود الفوضى الخلاقة !!

عبدالواسع الفاتكي
الخميس ، ١٩ نوفمبر ٢٠١٥ الساعة ٠٤:٢٨ مساءً
قبل أن يشارف القرن العشرين على الرحيل ،  بشرت الولايات المتحدة الأمريكية ، بأن حرب القرن القادم ، هي طراز مختلف ،  ليست بين دول متحاربة أو جيوش متناظرة ، بل ستكون ملاحقة عدو مختلف ،  يتمثل بأفراد وجماعات وعصابات ، مبعثرة ومنتشرة فيما يسمى العالم الثالث ،  هذه البشرى كانت قبل ظهور تنظيم القاعدة ، وسيطرة طالبان على أفغانستان ، ما يشير إلى أن اختلاق واشنطن عدوا ، يبرر لها تدخلها في الشرق الأوسط ، كان مطلبا وهدفا مهما للإدارة الأمريكية تسعى لتحقيقه ،  والتي لم تكتف باختلاقه ،  بل عمدت لتضخيمه وتهويل خطره لدى الشعوب الغربية وبقية شعوب العالم ، كغطاء لشن الحروب واحتلال البلدان وإنشاء التحالفات  ، ولو كان ذلك بافتعال حدث ،  يحرك العواطف ويثير براكين الغضب ، فتبدو واشنطن ، وكأنها تتجاوب مع مشاعر وانفعالات الرأي العام ،  بينما هي تصل لمرادها لاغير ، ولكي يسهل ابتزاز الدول المستهدفة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا ، ويكن التدخل الأمريكي أكثر قبولا لدى شعوبها ، حرص الأمريكان على تنمية الشعور بالخوف من هذا العدو ، ورسم صورة بشعة له في أذهان الناس.
 
 
كان تضخيم الأمريكان لخطر صدام حسين ، بزعم امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل ، ثبت بعد ذلك عدم وجودها ، بمثابة حصان طروادة ، الذي أوصلهم للسيطرة على الثروات النفطية لبلاد الرافدين ، باحتلاله عام 2003م ، بمباركة وتمويل عربي ، ومن ثم فإن ظهور المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي ، كان أمرا طبيعيا فرض على واشنطن أن تبحث عن سبل ؛ للتخلص من المقاومة العراقية بأقل الخسائر البشرية ، فظهر في العراق تنظيم القاعدة بقيادة أبي مصعب الزرقاوي ،  الذي انخرط وتنظيمه في صفوف المقاومة العراقية ،  بمنظور أمريكي ، يرمي لتشويه المقاومة وفقدانها للحاضنة الشعبية ، ولتحويل مقاومة العراقيين للأمريكان ، لمقاومة العراقيين بعضهم لبعض ،  على أساس الطائفة والمذهب ، وبعد قتل أبي مصعب الزرقاوي ، برز للسطح تنظيم داعش الذي لا يمكن اعتباره تنظيما جديدا ، بل عملية تطوير لتنظيم القاعدة ، بل بالأحرى امتداد طبيعي له.
 
 
إن المتابع لتنظيم داعش وما نتج عنه ، لا يخرجه من دائرة الاستخبارات الأمريكية ، لاسيما وأن الأحداث والممارسات التي يقم بها هذا التنظيم، تصب في خانة المصالح الأمريكية وأمن إسرائيل ،  ناهيك عن اعتراف وزيرة الخارحية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون ،  في كتابها (الخيارات الصعبة ) ، بأن أمريكا هي من أنشأت تنظيم داعش ؛ لغاية يراد منها ، تمزيق الدول العربية إلى دول مبنية على أسس طائفية وعرقية ؛ لتصبح إسرائيل جزءا طبيعيا من منطقة فيها دول شيعية وسنية وكردية ودرزية ،  إضافة إلى أن مؤسس وزعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي ،  كان معتقلا في جوانتانامو ،  ومن يخرج حيا من هذا المعتقل ، إما أن يكن مجندا لصالح أمريكا والموساد الإسرائيلي ، أو في إطار صفقة مشبوهة مع القاعدة.
 
 
تحرص أمريكا والدول الكبرى ،  على تدجين المنطقة العربية بالتطرف والإرهاب ،  يؤكد ذلك أن واشنطن التي تقود تحالفا دوليا ضد تنظيم داعش ، لديه قدرات عسكرية كبيرة مادية وبشرية ، وعقول عسكرية ذات خبرة عالية في قيادة الحروب ، ويمتلك ماكينة إعلامية ضخمة ، تقود حربا نفسية تجيش العالم كله ضد داعش ، لم تتمكن من القضاء على التنظيم أو وقف تمدده ، رغم أن مقاتلي التنظيم بضعة آلاف ،  لايملكون الطائرات أو الصواريخ أو الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية ،  إنما أسلحة فردية وآليات عسكرية ، سلمت لهم أو أخذوها من الجيش العراقي أو السوري ، وبعضها حصلوا عليه كما يدعي التحالف من إسقاطه أسلحة بالخطأ.
 
 
 
أن تسلم مدينة الموصل في العراق لداعش ، وأن يسلم نظام بشار الأسد ، مدينة الرقة في مارس 2013م لداعش فرع سوريا ، ثم في يوليو من نفس العام ، ينسحب من بلدة خان العسل في ريف حلب ؛ لتدخلها داعش ، تلا ذلك الانسحاب من العديد من آبار النفط في الصحراء السورية ؛ ليسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية ، مقابل مرور النفط لمناطق نفوذ النظام ،  كل ذلك يعني ، أن الأيدلوجيا المتطرفة والاستبداد طرفان يفهمان بعضهما البعض جيدا ، بعكس الصورة الخادعة التي تظهرهما متنافرين أعداء ،  فالأنظمة العربية الاستبدادية ، هي التي تمسك بخيوط صناعة الإرهاب السياسي أو الأيدلوجي أو كليهما معا ،  وإعادة توزيعه وإنتاجه ،  بحسب متطلبات بقائها في السلطة المغتصبة ، والتي تتقاطع في ذات الوقت مع مصالح الدول الكبرى ، التي تزعم أنها تحارب الإرهاب والتطرف.
 
 
يقاتل تنظيم داعش ؛  لتحقيق الخلافة الإسلامية ،  والحقيقة أن الذي يحدث هو رسم حدود جديدة طائفية وعرقية ، داخل الحدود الجغرافية القديمة ،  أي تقسيم المقسم ليس إلا ، كما يعمل على عودة الدين لمسرح القتال عودة مرعبة ، تخلف كل ما شاهدناه وسمعناه من جرائم ،  يقوم بها التنظيم بطرق بشعة ، تجعلنا نترحم على عصور الطغاة ، وما دمنا نعيش في هذا العصر الرقمي ،  الذي باتت فيه مصائر الشعوب والدول متشابكة ، فإن الكارثة ستحل بجميع اللاعبين بالإرهاب ، أو المتواطئين معه ، أو المستثمرين له ، ومادام الإرهاب عدوا مصنوعا من بيننا ، حروبه على أرضنا ،  وتمويلها من نفطنا ، والدماء السائلة بسببه هي دماؤنا ،  فإن علينا أن نتصدى له باستراتيجيتنا ووسائلنا ،  إذا أردنا القضاء عليه ، وقطع الطريق على المستفيدين منه.
 
 
#عبدالواسع_الفاتكي
الحجر الصحفي في زمن الحوثي