تعز والتحالف ، وخيارات المرحلة

موسى المقطري
الجمعة ، ٢٨ أغسطس ٢٠١٥ الساعة ٠٧:٢٧ مساءً
تعيش محافظة تعز - وسط اليمن- وضعا مأساويا بسبب القصف العنيف الذي تنفذه مليشيات الحوثي وصالح على المدينة من الجهتين الغربية والشرقية .
 
تعز لا تمتلك حقول نفط، ولا مشاريع سيادية تجعل من الحوثيين وصالح يستميتون في السيطرة عليها ، إلا أن هذه المحافظة بما تمتلكها من موارد بشرية شكلت على الدوام وفي جميع مراحل التطور السياسي ادوارا فاعلة ، وأكبر وأخر هذه الأدوار كانت ثورة 2011م التي كانت محصلتها النهائية خروج صالح وعائلته من المشهد السياسي ، لكنه عاد من الباب الخلفي عبر تحالفه مع جماعة الحوثي المسلحة في اسقاط الدولة ، والانتقام من تعز ارضا وانسانا .
 
استطاعت المقاومة ان تدحر المليشيات من اغلب شوارع المدينة ، لكن هذه المليشيات ظلت تمارس هوايتها في القتل بقصف عشوائي يطال المدنين في ظل انهيار شبه تام للقطاع الصحي في المدينة وانتشار حمى الضنك بين السكان .
المقاومة قدمت ولازالت تقدم الكثير وسط التفاف جماهيري حولها ، وحاضنة شعبية ترتبط بالبنية الفكرية والثقافية لسكان المحافظة ، إلا أن هناك ثمة امور تصيب ابناء المحافظة والمتابعين لتطورات الأوضاع في المحافظة ساعرج في هذه السطور على بعض منها .
 
تعز والحكومة الشرعية :
 
موقف الحكومة الشرعية في الرياض حول تعز خلال التطورات الأخيرة أثار الكثير من علامات الإستفهام ، وخاصة بعد احداث المجزرة الأخيرة التي تنفذها المليشيات بحق المدنيين في تعز والتي تلت خسارات عسكرية عدة لهم في المدينة ، وانفراط حبل السيطرة التي فرضته على المحافظة .
 
الحكومة الشرعية لم تقدم حتى الأن شئ يذكر سوى اعلان تعز مدينة منكوبة ، وهو في النهاية حدث اعلامي ، ولم يترتب عليه الا خبر في الفضائيات ووسائل الإعلام والمواقع الالكترونية .
ينتظر المواطنون في تعز اداء حكومي شبيه بما تم في عدن ، ويتوق المتابعون - على الأقل - الى تصريحات وجولات الدكتور رياض ياسين وزير الخارجية الذي كان ادائه اثناء احداث عدن متميزا ، ولم يلحظ المتابعون نفس الحماس ، وهذا بدوره يثير عدد من التساؤلات حول تعامل الحكومة الشرعية مع مواطنيها .
 
انا انتمي لمحافظة لحج الجنوبية ولست هنا لتعميق الشعور بالفوارق ، لكن كل الاحداث تشير الى ان الهوى لدى الحكومة جنوبي بامتياز ، وان الحماس والتحرك الذي كانت نتيجته تخليص المحافظات الجنوبية من محنتها لم يظهر تجاه اقليم الجند رغم أنه واقع بين المحافظات الجنوبية التي اصبحت في قبضة الحكومة الشرعية ، ومحافظات شمال الشمال التي تشكل الحاضن والمدد للمليشيات .
وفقا لاقل تقدير في المجال العسكري فالاحرى ان تنتقل حركة التحرير والتخليص الى اقليم الجند بعد نجاح تحرير محافطات الجنوب ، وهذا سيشكل انجازا عسكريا يتمثل في تضييق الخناق على المحافظات التي تتمتع فيها المليشيات بقدر اكبر من السيطرة .
 
توقف عملية السهم الذهبي عند منطقة كرش في حدود تعز مع محافظة لحج اثار حالة من الاستياء لدى كل القطاعات في تعز بما فيها المجلس العسكري وقيادات وافراد المقاومة والمواطن البسيط ، لكن هناك ما يمنع إعلان هذا الأستياء لاعتبارات تتعلق بالمحافظة على الروح المعنوية ، ودحر فكرة المليشيات القائمة على تعميق الانقسام بين المقاومة على الارض وأداء الجانب الرسمي الذي ينسق مع التحالف .
اخبرني قائد في المقاومة الشعبية بتعز قبل أيام عن مدى المرارة التي يحملونها تجاه انحراف السهم الذهبي عن تعز ، وتركها تواجه مصير مؤلم تحت القصف والحصار ، لكنه استدرك ان اعلان هذا السخط سيعطي المليشيات فرصة لتعميق الشرخ مع الحكومة الشرعية ، وبحسب ما توفر لدي فإن المجلس العسكري في المدينة أوفد احد القيادات الى الرياض مؤخرا لايصال هذه الرسالة للحكومة الشرعية والتحالف .
 
يعلم الجميع ان الحكومة الشرعية في الرياض لا تملك القرار المطلق ولا الحرية الكاملة في اتخاذ القرارات لاعتبارات اقليمية عديدة ، لكن ما اوقن به أنها تعد على الأقل احد الفاعلين في القرارات المتعلقة بالبلد ، وبامكانها تقديم رؤي وافكار تلقى القبول من التحالف بغرض التدخل العسكري وحسم المعركة في تعز او على الأقل ترجيح الكفة لصالح المقاومة وقوات المجلس العسكري .
ينحدر ثلة من وزراء الحكومة الشرعية ومن المستشارين والفريق العامل إلى اقليم الجند، إلا أن هناك غموض حول ما يمكن ان يقدموه لمدينتهم ، ليس على سبيل لبس رداء الانتماء المناطقي لكن على صعيد ضمان عدم الكيل باكثر من مكيال ، والنظر للبلد كحالة عامة يتم خلالها اختيار الاولويات للتدخل سواء العسكري أو الإنساني ، ولا اعتقد ان تعز كمدينة والجند كاقليم لن يمتلكا الاولويات .
الرئيس الشرعي تحدث في اكثر من مناسبة عن نية التحالف والحكومة الشرعية دعم الحسم في تعز ، وتحدث في اتصالات متفرقة مع العديد من القيادات في تعز عن عملية قريبة ، ونية حسم ، ونشرت وسائل الإعلام اخبار هذه الاتصالات ، لكن لم يظهر في الأفق ما يؤكد هذا التوجه ، وهذا عزز الشعور السائد في المحافظة بان الحكومة لا تعطي اي أولوية لتعز وما يحصل فيها ، وبدت هذه الاتصالات وكأنها تمت للإستهلاك الإعلامي لا غير .
 
تعز والتحالف العربي :
 
 
مما لاشك ان التدخل العسكري لقوات التحالف جنب اليمن وتعز مشاريع ابادة جماعية كانت تخطط لها المليشيات ، وكانت ستظهر بصورة ابشع واخطر مما يحصل الان .
تعز تحيط بها المواقع العسكرية ومعسكرات نظام صالح والتي تم تسخيرها لخدمة مشروع صالح والحوثي للانقلاب على الشرعية .
هذه المعسكرات هي اهداف عسكرية حرص التحالف على ضربها والتقليل من فعاليتها ، وهذا بدوره قلل من فعالية هذا المليشيات الا ان الضربات الجوية لا تعد الفعل الوحيد لضمان الحسم على الأرض .
 
هناك غموض حول ادراك هذه الحقيقة من قبل التحالف ، ونحن أزاء هذا الغموض امام تبريرين لا ثالث لهما :
 
التبرير الأول : عدم ادراك التحالف لاهمية التدخل المباشر في الحسم ، او لنقل سوء التقدير للنتائج والقرارات المتعلقة بهذا الأمر .
 
انا اميل الى عدمية هذا التبرير وارجح ان التحالف يدرك هذه الامور ، واثق جدا ان قرارات التحالف العسكرية تخضع للعديد من المراحل التي تضمن صوابيتها او اقترابها من الصواب .
 
التبرير الثاني : ويتعلق هذا التبرير بوجود قوى وافراد يمنيون في مراكز التأثير على قرارت التحالف ، تميل هذه القوى الى فكرة تأخير الحسم في تعز لفترات قادمة وربما الى ما بعد تحرير صنعاء .
هناك مؤشرات عديدة ترجح هذا الامر ، فهناك تنازع بين مركزي القوة صنعاء وتعز وخاصة بعد ثورة 2011م ، والتي اعادت تعز واقليمها عموما الى واجهة التأثير ، فقد قدمت ثورة الشباب مثقفوا هذا الأقليم وسياسيوه كرقم فاعل في الحياة السياسية بعد ان كان نظام صالح لا يألوا جهدا في تهميش ابناء هذا الاقليم ، وابعادهم عن موقع القرار .
 
بحسب كثير من المحللين والسياسيين الذين خضت معهم نقاشا حول الأمر فإن هناك اجماع ان القوى التي تحيط بالقيادة الشرعية في الرياض وتدير نقاط التواصل مع التحالف تتحمل المسؤلية عن التأثير على قرارات التحالف العسكرية المتعلقة بالتدخل المباشر في تعز .
 
ينظر هؤلاء الى ان تحرر تعز قبل صنعاء ومحافظات الشمال الأخرى سيكسب المحافظة حظا وافرا من التأثير على القرارات لاحقا ، وهذا التأثير سيحد من تحكم هذه القوى بالقرار ومواصلة الاستئثار به وتوجيهه لخدمة مصالح شخصية وجهوية .
مما لا شك فيه ان صراعا غير معلنا يدور في الرياض حول من سيكون له الدور الفاعل في مرحلة ما بعد استعادة العاصمة صنعاء وكافة البلد من المليشيات الانقلابية ، وحاليا تعز تجني نتيجة تغلب التيار الجهوي الذي يسعى لاطالة الصراع بتعز لاهداف كثيرة اهمها بالتاكيد انهاك المليشيات لضمان ضعفها اثناء مرحلة تحرير صنعاء وتقليل الجهد على القوة التي ستأخذ على عاتقها استعادة العاصمة دون النظر الى ان هذا المنحى يوصل تعز إلى المأساة بكل تفاصيلها .
يحيط بالقيادة الشرعية بالرياض شخصيات تدور حولهم الكثير من الشبهات ، وهؤلاء اتوا من خارج الشرعية عبر اعلان تأييدهم للرئيس الشرعي بعد عاصفة الحزم التي قلبت الموازين ، بعدها ادرك هؤلاء ان طموحاتهم السياسية قبلتها الرياض وليس طهران وصعدة .
 
ارجح وبشدة أن هؤلاء هم حجر العثرة امام قرارات استكمال الحسم في تعز سوء من الحكومة الشرعية أو قوات التحالف .
 
 
المقاومة الشعبية وفرض الخيارات :
 
 
كل ما سبق كان سيؤتي ثمرته بالشكل المخطط له لولا أن المقاومة الشعبية في تعز بشقيها الشعبي والعسكري قلبت الموازين في الاسابيع الأخيرة عبر سلسلة من الانتصارات التي افقدت المليشيات مواقع هامة ومسيطرة ، ودفعت بها للتواجد فقط عند مدخلي المدينة الشرقي والغربي في اطار معسكراتها .
 
التقدم اللافت مؤخرا تجلت نتيجته في صورتين :
 
النتيجة الأولى تجلت عبر قصف هستيري عشوائي للاحياء السكنية في المدينة ، ومحاولات استعادة المواقع التي سيطرت عليها المقاومة ، واستقدام تعزيزات من الأسلحة الثقيلة اثيرت العديد من الشكوك حول عدم استهدافها من قبل طيران التحالف رغم انها كانت عبارة عن ارتال كبيرة مرت تحت ضوء الشمس ، وامام طائرات الاستطلاع .
 
النتيجة الثانية كانت وقوع التحالف في حرج كبير وخاصة بعد تحقيق الانتصارات للمقاومة مع كون تدخل التحالف في المعارك كان محدودا ويظهر جليا انه كان هادفا إلى ابقاء الوضع العسكري بصورته القائمة بدون حسم .
 
اميل وبشدة الى ان انتصارات المقاومة الأخيرة في تعز قلبت الموازين لدى المليشيات ولدى التحالف الذي لم يكن في حسابه تحقيق هذا التقدم في هذا الوقت .
اخبرني احد المقربين من احد السياسيين في الرياض ان التحالف كان لا يحبذ تحقيق المقاومة لهذا التقدم حتى لا يحسب لها ، وكان يرغب في تاخير الحسم حتى يتسنى له ادخال قوة برية ومعدات عسكرية ليحسب هذا الحسم خالصا للتحالف كما حصل في عدن .
 
حاليا يتخوف الجميع في تعز من تركها تواجه المليشيات بمفردها مع الانتباه لفارق التسليح القوي لصالح هذا المليشيات ، إلا ان يواجهه فارق قوي في الروح المعنوية والروح القتالية لصالح المقاومة الشعبية .
 
سيناريوا عمران يريد له البعض ان يتكرر في تعز عبر الظهور الاعلامي مع خيارات المقاومة ، وترك المقاومين على الأرض دون دعم عسكري ولوجستي ، لكن هناك العديد من المؤشرات التي تدعم ضمان تكرار هذا السيناريوا اهمها الفاعلية القتالية للمقاومة ، والاحداث الاخيرة التي ستجعل التحالف يعيد حساباته ويعيد مراجعة قرارته .
حاليا يحافظ المقاومون في تعز على مكاسبهم ، لكن امكانية الاستمرار لفترات طويلة سيكون محل نظر وستعود الحالة العسكرية للمربع الأول اذا لم تشهد المرحلة القادمة القريبة اجراءت وقرارت من الحكومة الشرعية والتحالف العربي .
 
املي ان يعم الامن والسلام على ارض الايمان والحكمة وان تنجلي غمامة الدم ، لتعود حمامة السلام مغردة في الأرجاء .
الحجر الصحفي في زمن الحوثي