"الفشرة التي أطاحت بأحلام الهاشميين!"

متولي محمود
الاثنين ، ٠٣ أغسطس ٢٠١٥ الساعة ٠٧:٥٩ مساءً
 
التُقطت صورة صبيحة دخول تعزيزات القوات الخاصة لأول مرة معسكر الأمن المركزي بتعز قبل أشهر.
 
أذهلني الرجل المُسن، ذي الخصلات البيضاء، وهو يقارع نشوة الحوثيين أمام المعسكر. يبدو كطبيب في منظمة أجنبية. كانت امرأته بجانبه في السيارة عندما ركنها غاضبا وترجّل منها لتهزئتهم.
 
كانوا في قمة النشوة وهم يلبسون "الزنن" ويضعون ملصقات الصرخة على بنادقهم. كل من في الصورة تقريبا، باستثناء عبدالناصر الكمالي، من ذمار، عمران وصعدة. عرفت ذلك من خلال لهجتهم وهم يتكالبون على ذلك الطبيب الشجاع.
 
ليلة دخولهم تعز، لم أستطع النوم حتى الفجر. كتبت رسالة لمديري بعدم استطاعتي القدوم إلى العمل، وذهبت باكرا إلى أمام المعسكر. كانوا يجهزون صورا لضحايا جامعي بدر والحشوش ويجهزون للعتصام فيما يبدو.
 
التقطت العديد من الصور، غير أن أحد مسلحيهم اعتدى على أحد المواطنين بجانبي وهو يصور، وصادر جواله، فحاولت الابتعاد قليلا وإخفاء هاتفي الخليوي الجديد.
 
كان معظم الحاضرين من مؤيديهم في الصباح الباكر. بعد قليل حضر ضياء الحق الأهدل، الناشط في ثورة فبراير، واستنكر هذه "الفشرة" الحوثية وبدأ بالشجار مع الكمالي. اشتاط الكمالي غضبا عندما وصفه الأهدل بالمتآمر على مدينته وتبعيته للمركز المقدس، وحاول الاعتداء على الأخير. استطعت، مع بعض الحاضرين، إقناع ضياء الحق بالتراجع والابتعاد عن المكان لسلامته.
 
بعد ساعة، بدأ الشباب بالحضور ونصبوا اعتصاما مع ملصقات في الجهة الأخرى المقابلة للمعسكر. كانت شاصات الحوثيين الممجوجة بملصقات الصرخة تجوب المكان في استعراض، غير مجدي، لإرهاب الشباب المتجمعين. في تلك الغضون، وصلت العديد من المدرعات، كما غادرت الكثير من ناقلات الجند باتجاه عدن.
 
وصل العشرات من مسلحيهم لتأدية وقفة احتجاجية، بل احتفائية بقدوم المد الحوثي رسميا إلى تعز. كانوا في ذروة النشوة وهم يلقون السباب للمعتصمين الشباب في الجهة الأخرى، حتى وصل الكمالي إلى المعتصمين لمناقشتهم، الأمر الذي جوبه بالرفض والاستنكار من خلال الصياح "برع.. برع".
 
في تلك الغضون، كانت حشود جرارة من شباب تعز وقراها يحتشدون في شارع جمال متجهين لتعزيز المعتصمين أمام المعسكر. بعد ساعة تقريبا، كانت سيولا بشرية، تقدمتها عشرات الدراجات النارية، تجتاح المكان. لم يستطع عقلاء المسيرة إيقافها، فراحت باتجاه بضعة الحوثيين المعتصمين ببنادقهم.
 
حاول بعضهم إشهار السكاكين البيضاء، وبعضهم أطلق النيران في الهواء لتفريق ذلك السيل البشري، لكن دونما طائل. فر الحوثيون وجنود الأمن من أمامهم وتحصنوا ببوابة المعسكر، حتى وصل المتظاهرين إلى البوابة ناصبين خيامهم، مانعين دخول أو خروج أي معدة. حتى بوزة الماء منتعها الحرائر من الدخول، حتى استجداهن أحد الجنود بأنهم عطشى ولا مياه في المعسكر، فسمحن له.
 
استمرت الاعتصامات على مدى أسابيع رغم استهدافهم بالرصاص وسقوط العشرات منهم بين شهيد وجريح. حتى الاتفاقيات التي عقدها ممثلوهم مع السلطة المحلية والأحزاب حول تجنيب المحافظة أي صراع أو تواجد عسكري، إلا أنهم ليسوا سوى أيادي قذرة، لا حول لها ولا قوة، تنفذ ما يملى عليها وحسب.
 
كل تلك الاتفاقيات والاجتماعات لم تكن سوى ذر الرماد في العيون، وما سيتم هو ما تخطط له المليشيات التي لا تزال غير مستوعبة فرحة سقوط العاصمة في قبضتها. وما هذا إلا استكمالا لمشروع السيطرة على جميع المحافظات بالحديد والنار.
 
هذه قصة "فقاعة الصابون" الحوثية التي تعاظمت بسرعة قياسية والتهمت كل اليمن، وفي لحظة نشوة خسرت كل شيء وبطريقة مهينة أمام إرادة السواد الأعظم من اليمنيين. بسبب طمع وغباء مُركب أطاح الهاشميون بأحلام بنوها على جهالة طوال العقود الماضية.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي