حين تمارس السياسة دور الجراد

كتب
الأحد ، ١٣ مايو ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٢٥ مساءً
جمال حسن منذ فترة طويلة ونحن نتحدث عن مجموعة أولويات، تتغير ترتيباتها، مع ذلك لا نلمسها.. تتعاقب حكومات حتى أن ثورة فرضت مرحلة جديدة من الحكم، ومازلنا نتخبط في مقولة فضفاضة عن أولويات لا نعثر عليها. في الواقع نحن بحاجة لإعادة تعريف الحكومة ومهامها. وبما أن الواقع السياسي ملوث بفكرة المحاصصة، فهل سيكون دور الحكومة الجديدة توزيع الوظائف حسب الحصص السياسية. أحببت مقولة لصديقي مطيع دماج تساءل فيها ما إن كانت الحكومة ستعيد الاعتبار للوظيفة العامة كحق قائم على الكفاءة، دون تكريس حالة استيلاء السياسي عليها، كما كان في عهد صالح. وربما بصورة أكثر تشويهاً، وهذه إضافة من عندي.. لذا على الحكومة الشفافية وكشف كافة التعيينات التي تمت داخل الجهاز الحكومي من أعلى منصب إلى درجة رئيس قسم. أثناء مقابلة صحفية مع الرئيس السابق علي صالح، حدثت مشادة بينه وشخصية يمنية مرافقة للصحافي العربي، وحينها أشار صالح (لإظهار تسامحه السياسي) أن ذلك الشخص مازال مديراً في إحدى الجهات الحكومية رغم معارضته لنظامه.. بالطبع لم يكن الأمر بتلك الصورة. فرد المعارض، أو المواطن، بنوع من السخرية: تريد القول إنه حتى (الفراش) موظف بقرار سياسي. ثم أضاف: الوظيفة من حقي كمواطن يمني.. لم يكن صالح يفرق بين المنصب السياسي والوظيفة العامة. وقد جعلت سياسته الجهاز الإداري عرضة لمذبحة أعاقته. مازال هذا المفهوم المشوه يعشش كبركان قادر على سحق ما تبقى من جهاز إداري. هل تدرك الحكومة أولوياتها في هذه المرحلة الصعبة، أم أنها مجرد تسوية سياسية تعمل ضمن أجندات محدودة لا تمت بصلة لأي إصلاحات؟. هل سنحتاج لنستدعي رعاة التسوية السياسية للتدخل في وضع حد لمجزرة أخرى ستعرض إدارة الدولة لخراب آخر، ربما يكون أكثر فداحة، عبر إقصاء المواطن لحساب السياسي، أو الأيديولوجي. أم أن شرعية الثورة كافية لنغض الطرف عن كل ما يحدث الآن، وسيتفاقم في الفترة القادمة؟. هناك 5 ملايين يمني (ربع السكان تقريباً) الآن لا يجدون الغذاء الكافي، بحسب الأمم المتحدة. لنسأل الحكومة ما الإجراءات التي سيتم تدبيرها من أجل مواجهة كارثة كهذه. هل ننتظر ماذا سيقول الأصدقاء في الرياض؟ الحكومة منشغلة بمكافأة السياسيين عبر الوظيفة العامة. مؤخراً أقرت وزارة المالية ثمانية مدراء شئون مالية وحسابات في عدد من الجهات الحكومية، سنعود للسؤال الملح منذ عهد صالح؛ هل يتعلق الأمر بالكفاءة؟. لكن ماذا يمكننا قوله حين يكون جميع من تم اختيارهم ينتمون لحزب الإصلاح، وبالطبع ليسوا عباقرة ماليين، ماذا سنقوله حين نعرف أن أحدهم يحمل شهادة ثانوية عامة. هل تغير شيء منذ العهد القديم؟ ربما يسوء الأمر، لأن الايديولوجيا ستتدخل بصورة أفدح، لاجتثاث كل ما لا يمت بصلة لها. في وزارة الكهرباء أيضاً كانت معايير التعيينات التي أقرها الوزير سميع حيازة نفس الانتماء السياسي، أي الإصلاح. حتى أن مدير كهرباء الريف ينتمي أيضاً لنفس المنطقة. ثمة أجندة تعمل في الوقت الحالي بنفس تلوث النظام السابق، وفي وضع لا تحتمله البلد. إنها الطريقة التي أدت بصالح لنهاية غير متوقعة. لكن سياسيينا الجدد يتعلقون بشرعية الثورة. يمكننا القول إننا مازلنا نتتبع منهج صالح، ترسباته السياسية. فقد مئات الآلاف وظائفهم، شركات أُغلقت، تعاني البلد من وضع مهلهل، حروب، انقسامات. ويفكر تيار سياسي بالاستحواذ على كل شيء، يرى فقط إرث نظام بكل خلله، بفساده، ومحسوبيته. فقط إعادة وضع أسماء مكان أسماء. كمية هائلة من الشباب تبتلعهم أرصفة البطالة، فيما السياسيون يفكرون فقط بالاستيلاء على الوظيفة العامة، والحكومة تعاني من تضخم إداري، تحتاج سياسات تضخ الحياة في الاقتصاد الميت. لكننا سنصرخ مجدداً، ربما نلقى آذاناً مفتوحة. كان زرادشت يقول في كتاب نيتشة؛ “لست الفم المناسب لهذه الآذان”. نحن بحاجة للتفريق بين المناصب السياسية والوظيفة العامة. السياسي يقوم بوضع سياسات عامة، إصلاحية، أو تعبر عن منهج محدد. بينما الوظيفة العامة تتكئ على التقني، وهي القدرة على ترجمة السياسات إلى أداء. هناك سياسي وفني، وليس على الأول الاستيلاء على عمل الآخر. إذا تغاضينا عن تفاصيل بسيطة كتلك، سنستمر في تراجيديا قديمة، في عقلية القطيع التي رسخها صالح. تكمن المأساة أيضاً في العقل والتقاسم المفرط، فمع قيام حكومة ضمن شرعية ثورية، بدأ الجميع يستل حيازته السياسية، منتظراً دوره في التعيينات الجديدة، والبعض الآخر قادر على تغيير لونه. أعتقد البعض، أن الثورة ستقدم له منصباً عاماً، لمجرد وضع اسمه في خارطة الحدث الكبير. لكن ما الذي سيحدث حين تتحول الإدارة نهباً لعشوائية التعيين. هناك مذبحة سياسية قادمة، من أعلى منصب إلى درجة رئيس قسم، على ما يبدو إذا استمررنا في الصمت. من حقنا معرفة كيف تتم التعيينات، وعلى أي أساس، هل هي مشروطة بالكفاءة. أم أن المواطن ستضيع مجدداً أبسط حقوقه. كانت الذهنية التي تعمل تتوسل لأن تضع نفسها ضمن التقاسم. أسرف صالح في إشاعة هذه الفوضى، لعبة منح الكراسي، تحت شروط الولاء، أو التحالفات. وها هي جماعة سياسية تريد تكريس هذا النوع من الانحطاط. قسمّ صالح مناصب الجيش لتحالفاته القبلية، ثم وزعها على أبنائه. لكن علينا أن نتعلم كيف ندافع عن حقنا البسيط في الحياة، أو أن الثورة لم تفعل شيئاً. لن نقبل أن يتم إقصاؤنا من الحياة. مع هذا، حين نتحدث عن تيار سياسي يريد الاستحواذ على كل شيء، واقصاء كل الآخرين، يعلو صوت مبتذل، المرحلة مرحلتهم ودعهم يفعلون ما يريدون. لماذا إذن قدم الناس أرواحهم، حتى نهب الدولة لتيار واحد، مستعد أن يلعب دور الجراد. في الواقع يبدو السياسي الوحيد الذي تبدو أجندته واضحة. سأعود لخطاب الرئيس عبدربه منصور، حين أعاد تعريف الجيش، بأن مهامه حماية للسيادة الوطنية، ومهمة الأمن حماية السلطة وليس رئيس الجمهورية. وتتمثل أولويته في توحيد الجيش، كمؤسسة وطنية. حتى أن قحطان، الزعيم الاصلاحي، انزعج من تغييراته في الجيش، وأراد مكافأة ضباط الثورة. بينما كان الرجل يعرف أن مؤسسات الدولة مشروطة بمعايير أخرى. وليست مكافآت للسياسيين، والجيش ليس موضوعاً للتقاسم. لكن بحضور تلك الذهنية، التي تمارس حضورها بوضوح الآن، يبدو أننا سنعيش في نفس الهزلية.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي