رهان التحالف في اليمن !!

هدى العطاس
الأحد ، ٠٧ يونيو ٢٠١٥ الساعة ١٠:٠٢ صباحاً
يدرك المتابع العادي قبل المحلل المتخصص أن التحالف الذي بادرت المملكة العربية السعودية إلى تجميعه لم يكن وليد لحظة أنفعالية عاطفية، وإن كان لا ضير في العاطفة بصورها المختلفة إذا مثلت موقع القلب في السياسة. فقد أثبتت المنهجية القائلة بأن لا عواطف في السياسة عدم نجاعتها للدول والشعوب التي انتهجتها، فإن لم تكن العاطفة جذوة للإشتعال السياسي لما رأينا المانيا تنهض من أنقاض الحرب العالمية دولة قوية مدفوعة بالعاطفة العصبوية لشعبها ولما رأينا روسيا تصد ضربات هتلر وتلحق به الهزيمة، ولا اليابان تنفض غبار هزيمتها في الحرب عن مارد اقتصادي، بل أن العاطفة كانت خلف دوافع كثير من قادة سجلهم التاريخ في سجلات بصماته، ويقال أن القائد الفرنسي صاحب الأمجاد الطولى نابليون بونابرت قاد جيوشه من نصر إلى نصر ومن بلد إلى بلد من أجل أن يثبت لحبيبته جوزيفين أنه قادرعلى اجتراح البطولات.
 
 
ان الهدف المركزي لرهان التحالف من أجل اليمن هو استتاب أمن واستقرار هذه المنطقة المهمة من العالم والمهمة بشكل لصيق لمصالح الدول الحدودية مع اليمن، براً كالسعودية وعمان أو بحراً كمصر وافريقيا عموماً. ورغم أن عنوان التحالف إعادة "الشرعية" مختزلة في شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، إلا أن المنطق يقول بأن الواقع على الأرض يصنع الشرعية ويعترف بها. وهذا يستدعي العطف قليلاً على مقالي السابق الذي يعد هذا المقال استتباعاً له. وفيه تطرقت إلى ثلاث قوى رئيسة في الخارطة السياسية اليمنية لا يمكن القفز عليها وهي: تحالف الحوثي والرئيس السابق علي عبدالله صالح، منظومة النظام السابق، والجنوب أرضاً وقضية وحراكاً.
 
 
بالطبع تحالف الحوثي - صالح هو إحدى القوى الرئيسة التي تتموضع في ضفة الخصم وليست محل قراءات إلا من باب القضاء عليها كمنبت ومبعث اساسي لشرور المشهد المحتدم واسباب قيام التحالف.
 
وعليه تتبقى قوتان رئيستان في خارطة القوى اليمنية التي يراهن عليها التحالف في إنجاز مهمته وهما: منظومة النظام السابق والجنوب. ومما يبدو واضحاً أن الأولى موجودة بقوام رأسها ومحركات هيكلها في الرياض. فقد انتقلت اليها كل قياداتها من شخصيات حزبية أو جنرالات ومشايخ قبليين ودينيين، اضافة الى الرئيس والحكومة. وفي المقابل هناك حضور خافت للجنوب في الرياض كقوة رئيسية سينعقد عليها أو - هكذا يجب - رهان التحالف لاحقاً. وهنا يقفز سؤال الركائز والذي يتمحور في: هل، وكيف؟
 
عقد قبل فترة مؤتمر الرياض ولا يخفى ما أثاره من جدل حول اسباب انعقاده والاطراف المشاركة فيه ومن ثم قرارات بيانه الختامي. كان الجدل يدور حول هل سيحقق مؤتمر الرياض غاية ما؟ متبوعاً بجدل أشد عن الاطراف المشاركة، نوعها وخلفياتها والأهم هل هي قادرة على فرض حسم لصالح دول التحالف المستضيفة والراعية؟ إلى سؤال غاية في منطقيته كيف ستحقق اطراف مؤتمر الرياض غايتها وتحسم معركتها مع قوة الحوثي وصالح؟ وهي قوة موجودة على الأرض ولا يخفى تقدمها وسيطرتها على بعض المواقع.
 
بينما كل اطراف مؤتمر الرياض بعيدة وتدير معركتها وكل شؤونها من الخارج؟ هذه الأسئلة للـ: هل؟ والـ كيف؟ تلج بنا الى منافذ استقراء اجابات لها من خلال تفكيك خطوط الرهان خصوصاً وأن هناك مؤتمراً أعلن عنه في جنيف ويجب على قوى التحالف إذا وافقت على المشاركة أن تعد عدتها لخوضه لأن مؤشراته كما هي واضحة: لا تمايز بين الاطراف وتضعهم جميعاً على خط أفقي ما ينبئ بخطوط بيانية مرتفعة للحوثي وصالح عند بعض القائمين على جنيف!
 
 
يراهن البعض في ما يبدو على منظومة النظام السابق وهذه القوى اثبتت منذ ما قبل عام 2011م وما بعده انتهازيتها ورجرجة مواقفها. كما أثبتت انتهازية ونمطية خطابها وعلاقاتها. ان هذه المنظومة المتبقية من النظام السابق تتكون من اطراف متباينة ومتنافرة على مستوى بناها الداخلية، وتماثل مواقفها الآن هش في قواعده ومآلات عقده الانفراط مع الوقت. كذلك فإن من يسيطر على قوى هذه المنظومة بشكل مباشر وله الكلمة العليا فيها طرف حزبي واحد يتمثل في حزب الاصلاح (الأخوان المسلمون) ويتفرع في أجزاء قبلية وعسكرية ودينية اصولية. وبشكل غير مباشر يسيطر على "المنظومة" حضوراً جهوياً ومناطقياً يتمركز في المناطق الوسطى في اليمن وهذا ما تابعناه في منحى التغطيات الاعلامية.
 
 
إلى ذلك فإن هذه المنظومة كما ثبت من وقائع تاريخها تتربص أو تتصيد فرصتها من حيثما جاءت هذه الفرص، وتتعامل بآنية المصلحة وليس بأستراتيجيتها، وتميل مع موازين القوى حيثما وأين مالت! وعلى ما سبق شرحه هل هذا الحليف هو شوكة ميزان يعدل كفة الرهان وهل هو مأمون لحمل الرهان عدا عن تحقيقه؟ هذا ما يجب أن تتحرى إجابته دول التحالف وتقف لتمحيصه.
 
تبقى قوة رئيسية وحيدة هي الجنوب أرضاً وقضية وحراكاً، وحينما نقول أرضاً فلأن الجنوب كجغرافيا يشكل أحد مقومات القوة في خارطة القوى السياسية اليمنية، إضافة إلى القضية الجنوبية كمعطى اشكالي، والحراك الشعبي الجنوبي كقوة بشرية.
 
المقاومة الجنوبية لا يخفى على متابع أنها الحليف المحوري والأساسي في عمليات دول التحالف على الأرض. ويبرز الجنوب كإحدى القوى الرئيسية الاكثر تماسكاً في مكوناته الذي يجمعها هدف وطني "جنوبي"، حيث يجمع اطراف الجنوب هدف شعبي وليست خطوط تماس حزبية أو روابط سياسية أو مصالح لأن الجنوبيين – كما يعلنون- لا يملكون أرضهم ولا يحوزون على شيء من ثرواتها وبذلك هم مهمشون خارج المصالح. إضافة الى أن الجنوب الموجود الآن في مشهدية الميدان قوة فتية لم ينلها الترهل ولم يمضغها التنميط كما حدث مع القوى الأخرى. وفي السياق ذاته لا يمكن القفز على حيثية مهمة أخرى ألا وهي مرجعيات وخطوط الصراع الاقليمي الذي تشهده المنطقة، والتصنيف المحتدم الذي يفرض حضوره ويقود ميكانيزم الصراع ويؤججه سواء ارتضينا أم لم نرض الذهاب إلى هذا التوصيف. ويتموقع الجنوب في معادلة التصنيف كقوة وحضور سني خالص، حيث المذهب الشافعي هو المعتنق في كافة مناطق الجنوب بنسبة 100 في المئة. وأن ذهب البعض في القول إلى أن هناك مناطق في الشمال تعتبر كذلك سنّية خالصة كمحافظة "تعز" في تلميح إلى سيناريو قيام اقليم سنّي خالص في اليمن.
 
ويرى البعض انه وفقاً لخارطة التقسيم المذهبي التي تتصاعد وتيرة حربها على الأرض العربية تدور في الخفاء خطط واتفاقات لإنشاء دولتين إحداهما سنّية والأخرى شيعية ما يستوجب في هذه الحالة ضم تعز الى خارطة الدولة السنّية، وهنا تقفز بديهية منطقية تتعارض وحصافة المصالح الاستراتيجية للمنطقة، فليس من المعقول أن تغفل المملكة عن ما يشكله هذا التوجه من خطر يهددها بقيام دولة شيعية خالصة على حدودها، ستفرز تحالفات ومصالح ما يستوجب تكريس بقاء اليمن الطبيعي للشمال كما هو قبل اعلان الوحدة، يضم في خارطته مناطق سنّية هي عامل التوازن في أي خارطة تقسيم قادم لليمن. وهي ضمانة أمن الحدود السياسية قبل الجغرافية بالنسبة للمملكة العربية السعودية.
 
 
ان رهان التحالف تحققه خارطة التحالف، وان تحقيق اهداف دول التحالف لن يتم إلا عبر تحقيق تحالف التحالف مرتكزاً على إجابات الـ هل؟ والـ كيف؟. وبالتأكيد أن دول التحالف بقيادة المملكة لا يغيب عنها مثل هذه الأسئلة وأسئلة أخرى قد تكون غابت، ولكن الأهم من الأسئلة، هو جاهزية الأجابة عنها ووضع نتائجها كشّافاً يضيء طريق رهانات التحالف والوصول لتحقيقها.
 
عن الحياة اللندنية 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي