شكراً للأسماك و لقنوات الأخبار!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الاربعاء ، ٢٩ ابريل ٢٠١٥ الساعة ٠٩:١٣ صباحاً
".. أنا آسف يا أمي لأن السفينة غرقت بنا و لم أستطع الوصول إلى هناك (يقصد أوروبا)، كما لن أتمكن من إرسال المبالغ, التي استدنتها لكي أدفع أجر الرحلة ( أجر الرحلة البحرية للوصول إلى أوروبا بطريقة غير شرعية ألف إلى 5 آلاف يورو ). لا تحزني يا أمي إن لم يجدوا جثتي، فماذا ستفيدك الآن إلا تكاليف نقل و شحن و دفن و عزاء. أنا آسف يا أمي لأن الحرب حلّت، و كان لا بد لي أن أسافر كغيري من البشر، مع العلم أن أحلامي لم تكن كبيرة كالآخرين، كما تعلمين كل أحلامي كانت بحجم علبة دواء للكولون لك، وثمن تصليح أسنانك.. 
 
أنا آسف يا حبيبتي لأنني بنيت لك بيتاً من الوهم، كوخاً خشبياً جميلاً كما كنا نشاهده في الأفلام، كوخاً فقيراً بعيداً عن البراميل المتفجرة وبعيداً عن الطائفية والانتماءات العرقية وشائعات الجيران عنا. أنا آسف يا أخي لأنني لن أستطيع إرسال الخمسين يورو التي وعدتك بإرسالها لك شهرياً لترفه عن نفسك قبل التخرج. أنا آسف يا أختي لأنني لن أرسل لك الهاتف الحديث الذي يحوي "الواي فاي" (خدمة الانترنت اللاسلكي) أسوة بصديقتك ميسورة الحال. أنا آسف يا منزلي الجميل لأنني لن أعلق معطفي خلف الباب. 
 
أنا آسف أيها الغواصون والباحثون عن المفقودين، فأنا لا أعرف اسم البحر الذي غرقت فيه..اطمئني يا دائرة اللجوء فأنا لن أكون حملاً ثقيلاً عليك. شكراً لك أيها البحر الذي استقبلتنا بدون فيزا ولا جواز سفر، شكراً للأسماك التي ستتقاسم لحمي ولن تسألني عن ديني ولا انتمائي السياسي. شكراً لقنوات الأخبار التي ستتناقل خبر موتنا لمدة خمس دقائق كل ساعة لمدة يومين.. شكراً لكم لأنكم ستحزنون علينا عندما ستسمعون الخبر. أنا آسف لأني غرقت...". 
 
هذا نص رسالة قالوا إنها وجدت في جيب أحد اللاجئين السوريين الذين انتشلت جثثهم بعد غرق مركبهم, الذي كان يحوي المئات من المهاجرين غير الشرعيين في البحر الأبيض المتوسط خلال رحلتهم للوصول إلى الشواطئ الأوروبية مطلع الأسبوع السابق," نص الرسالة نشرته وكالة الأناضول".
 
نحن في اليمن حدودنا البرية مع اخواننا فيها سياج و مقفلة و يمنع القرب منها من عدة كيلومترات و لن يكون معنا الا البحر منفذ الى من هم افقر منا. 
 
لذا ارجع و اقول فكروا كثيرا قبل التمترس وراء قناعة الحرب و نشوة حمل البندقية. فالحرب تبداء بطلقة و لا تنتهي إلا بشعوب محاصرة, و متناحرة و مقسمة. أبنائها في ريعان شبابهم في المقابر او لاجئين أو هاربين و غارقين من زحمة القوارب. الحرب بين ابناء الوطن الواحد و الاخوة و الحصار تضيع الكرامة و تجلب الفقر و المهانة. الحرب و الحصار سوف توصل الكثير منكم و من أهلكم و أبنائكم إلى أن يكتب مثل هذه الرسالة, و حفظ الله اليمن ولا أوصل شبابنا الى هذا الحال.
 
البلد تحتاج من الجميع اليوم وقفة جادة ضد الحرب و الغارات و الحصار, لا يمكن أن يقوم به البعض بينما الآخرون صامتون او منتظرون لما قد يحصل. اذا لم نعمل على وقفها جميعا الان فالحرب لن تنتهي حتى بعد 4 اشهر او 4 سنوات, و الخارج لن يقدم لكم الا الغارات و القليل من اكياس القمح و الدواء بعد طوابير و يظل بالاخير معنا اما حرب يمني- يمني او تصالح و حوار يمني-يمني. الحالة الاولى اي حرب يمني-يمني سوف تفضي الى توسع في بناء المقابر و هدم البيوت و حروب كرامة ترسم الحزن في كل شارع, و الهزيمة لنا و لاجيالنا جميعا في المحصلة و نكون اضعنا حياتنا ورا اوهامنا. و الثانية اي تصالح و حوار يمني-يمني سوف تفضي الى ان نحفظ وطننا و نبني في النفوس السلام و الراحة و نرسم بسمة الامل في الحياة , و نكون حفظنا حياتنا و اطفالنا و انتصر الوطن.
 
 
الخارج لن يكون شريك في فرض حل و انما هو ينتج عوامل مؤثرة لن تغير في تعاطي الداخل كثيراً و انما يؤثرون على مجريات الواقع و سرعة الاحداث فقط. فالخارج ينتصر عندما يحافظ على مصالحه و ذلك قد تم بصريح العبارة, فالحصار البحري و الجوي يحافظ على المصالح في تطويق الخطر القائم و يمنع اي طرف خارجي ان يدخل و يحتوى المشاكل, التي قد تنجم عن ذلك . يعني ان يظل اليمنيون يقتلون بعضهم البعض سنة أو عشر أو عشرين قد لا يكون مهم كثيراً امام الخارج, المهم أن لا تتضرر مصالحهم في المنطقة و هذه حسب الشواهد الان تحت السيطرة.
 
مختصر الموضوع البلد تحتاج على المدى القريب هدنة و بعدها تصالح و توافق و حوار على ثوابت وطنية , حتى نستطيع تخفيف المعاناة و نضع القاطرة في الطريق الصحيح. فإمدادات الغذاء اليوم و الوقود و المياه و الكهرباء في أنحاء البلاد قد تعطلت، و دمرت و تضررت المدارس و المنشآت الصحية والمنازل، و لا يستطيع نحو مليوني طفل الالتحاق بالمدارس، فيما يتعرض النظام الصحي في البلاد لخطر الانهيار الوشيك بسبب نقص الإمدادات الطبية و الوقود اللازمة للمولدات، كما صرح بذلك منسق الشؤون الإنسانية في اليمن التابع للامم المتحدة, حتى خدمات الاتصالات و الانترنيت سوف تتوقف. 
 
 
اليمن بحاجة على المدى البعيد إلى ترميم النسيج الاجتماعي قبل إعادة الاعمار و ترميم للبنية التحتية المهدمة، اليمن محتاجة بناء جامعات، و مستشفيات، و معاهد و طرق، و مصانع و مدن جديدة, لذا نحتاج الى تصالح الداخل ودعم الخارج و قد آن الأوان للجيران و الاخوة لإعادة النظر في علاقتهم مع اليمن وفي توثيق ذلك مثل ضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي و المساهمة في تجفيف منابع الفقر و التطرف، حتى ينشغل الناس في التنمية بدلاً من التسبب في زعزعة أمن الداخل و المنطقة بأسرها.!!!!!
الحجر الصحفي في زمن الحوثي