عاصفة الحزم ومشروع مارشال

د. محمد لطف الحميري
الجمعة ، ١٠ ابريل ٢٠١٥ الساعة ٠٤:٤٧ مساءً
" اصمدوا ودعوا قوات التحالف تقصف النازية.. سنكون بخير وستكون ألمانيا بخير " هذه عبارة من خطاب وجهه الأديب الألماني توماس مان الفائز بجائزة نوبل للآداب حين كانت بلده تحت نيران قوات التحالف عام 1939.. وعندما قتل 100 ألف من أبناء وطنه جراء قصف خطأ لمدينة هامبورغ لم يتوقف عملاق الرواية الألمانية عن مساندة القوات الأجنبية بل خاطب شعبه قائلا: 
 
عما قريب سينتهي أمر النازية وستعود ألمانيا ". لم يخب ظن توماس مان فلقد انتهت النازية السرطانية وجاء مشروع وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال عام 1947 ليعيد بناء ما دمرته الحرب العالمية الثانية وإعادة تأهيل الاقتصاد المنهار، وكانت النتيجة القضاء على الفقر والبطالة وتحول ألمانيا إلى بلد صناعي بينما جنى الأمريكيون الفوائد الضخمة والأرباح الطائلة التي عزّزت مواقعهم في النظام الاقتصادي الدولي.
 
تأييد الكثير من اليمنيين لعاصفة الحزم التي تقودها السعودية متحالفة مع تسع دول عربية وإقليمية جاء بعد فشل كل المساعي الحميدة التي بذلتها دول مجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة، وانسداد أفق حل الأزمة السياسية سلميا وتدمير الحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع لكل قواعد الإجماع الوطني والمبادرة الخليجية التي صنعت ريشا جديدا لأجنحة علي عبدالله صالح المتكسرة، بل وصل الحد إلى اجتياح صنعاء والمدن اليمنية ووضع الرئيس الشرعي وحكومته تحت الإقامة الجبرية، والتنكيل بشركاء العمل السياسي، وأدت الممارسات المجنونة إلى نسف دور القرآن وبيوت الله بحجة أنها من أوكار " الدواعش وتنظيم القاعدة "، ومما زاد في حنق الكثير في الداخل والخارج تدفق الأسلحة الإيرانية في وضح النهار لإقامة دولة يعتلي رأسها أحمد علي عبد الله صالح ويبسط سيطرته على كل مؤسساتها عبد الملك الحوثي بينما يحكمها عمليا قيادات الباسيج والحرس الثوري الإيراني حسب اتفاق لجعل اليمن قفازا حديديا في المنطقة.
 
المؤيدون لعاصفة الحزم من اليمنيين يضعون لأنفسهم مبررات من قبيل أن جيشا يقوده سفير ويتلقى الأوامر من رئيس حزب ويشرف على كل ذلك رجل دين، لم يعد جيشا وطنيا بل تحول إلى مليشيا تقاتل من أجل الفرد لا من أجل الوطن، وأن السلاح الذي تدمره قوات عاصفة الحزم ليس سلاح كل اليمنيين بل سلاح فئة باغية تسعى لتركيعهم ومصادرة إرادتهم الحرة، ففي العام 2006 عندما أجريت الانتخابات الرئاسية وفاز فيها عمليا المرشح فيصل بن شملان، رفض الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح فوز منافسه، وقال لمن ذهب إليه من السياسيين إما أن تعلنوا فوزي بالأغلبية أو أحرق البلد وأحولها إلى عراق وصومال أخرى.. يومها خاف السياسيون على بلدهم خصوصا من حزب التجمع اليمني للإصلاح وقبلوا على مضض منحه فترة رئاسية جديدة.. لكن صالح الذي ليس له من اسمه نصيب تحول إلى ديك رومي لا يرى إلا نفسه كهبة من الرحمن لشعب يتجرع المعاناة، يبنما ينام هو على نحو 60 مليار دولار حسب لجنة تابعة للأمم المتحدة.
 
أما المعارضون والذين يتوزعون بين موالين للرئيس المخلوع وأتباع لجماعة الحوثي وبين مواطنين عاديين فيرون أن البلاد تتعرض لعدوان خارجي غير مسبوق يجعلها تغرق في المعاناة والتمزق السياسي والاجتماعي عندما ينقشع غبار المعركة، ويرون أن عاصفة الحزم ليس لها مبرر، لأن الثورة التي قام بها الحوثيون وساندهم وسهل طريقهم علي صالح لم تكن إلا من أجل القضاء على الفساد وسوء الإدارة منذ تسلم الرئيس عبده منصور هادي مقاليد الحكم.
 
بغض النظر عن مبررات المؤيدين والمعارضين لعاصفة الحزم التي ربما قد تستمر لأشهر حتى تحقق عددا من أهدافها وبينها تحييد القوة العسكرية التي تمنح الحوثيين وحلفاءهم أحقية السيطرة والتحكم في السلطة والثروة وتهميش كل القوى التي ترى في العمل السياسي السلمي طريقا، وكذلك إزالة الخطر الذي يشكله الحوثيون وداعموهم على الأمن القومي الخليجي، فإن على دول الخليج أن تفكر جيدا من الآن في مشروع كبير جدا يشبه مشروع مارشال لإعادة الإعمار وتأهيل الاقتصاد وجعل اليمن بكل موارده البشرية الضخمة عنصرا فاعلا في منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وذلك بعد اتفاق كل الفرقاء على تطبيق نتائج الحوار الوطني على الأرض ومنها اعتماد نظام الأقاليم الستة.. لا شك أن المأساة كبيرة وستتفاقم أكثر فأكثر خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار تقارير نشرت قبل عاصفة الحزم تشير إلى أن نحو 16 مليون يمني يعيشون تحت خط الفقر ويعانون من نقص كبير في الغذاء، فكيف سيكون الحال والمآل بعد العاصفة إذا ترك اليمنيون لقدرهم...
الحجر الصحفي في زمن الحوثي