الحوثيون وبنعمر

د. محمد لطف الحميري
الاربعاء ، ٠٤ فبراير ٢٠١٥ الساعة ١٠:٠١ صباحاً
اليوم الأربعاء 04/02/2015 هو اليوم الأخير من مهلة الحوثيين للقوى السياسية لتتوافق على حل يضع حدا للفراغ السياسي والدستوري الذي تشهده اليمن منذ أربعة عشر يوما جراء استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الحكومة، البيان الختامي "للمؤتمر الوطني الموسع" الذي دعا إليه الحوثيون ذكر أن تفويضا قد مُنح للجان الثورية وقيادة "الثورة" باتخاذ الإجراءات الفورية الكفيلة بترتيب أوضاع سلطات الدولة والمرحلة الانتقالية، ورغم أن البيان لم يوضح طبيعة الفعل الثوري الجديد بعد ضياع فرصة المهلة إلا أن معلومات تقول إنه سيتم تطبيق كل عناصر البيان رقم واحد الذي هددت به جماعة عبد الملك الحوثي الرئيس هادي قبل أزمة الاستقالة إن لم يستجب لكل مطالب السقف العالي جدا جدا.
 
 
يترقب اليمنيون ما ستسفر عنه الساعات الأخيرة من هذا اليوم، هل سيفلح المبعوث الأممي جمال بن عمر في فرض حله الحاسم الذي يسعى إليه بدعم أمريكي - بريطاني لمنح الحوثيين دورا سياسيا فاعلا في إدارة دفة القرار السياسي والعسكري والأمني؟ هل سيتمكن بن عمر من إقناع أحزاب اللقاء المشترك التي انسحبت من الحوارات ليكونوا جزءا من هذا الحل ويمنحوا الحوثيين غطاء سياسيا يجعل كل ما قاموا به فعلا ثوريا يستحق الإشادة والتقدير؟ هل سيبقى الرئيس المخلوع وحزبه المؤتمر الشعبي العام متمسكا بالظاهرة البرلمانية والطلاسم الدستورية أما سيرضخ لمطالب الحليف خوفا من تفكيك تحالف شمال الشمال؟ كيف سيكون السلوك السياسي والدبلوماسي لدول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي إذا ما أعلن الحوثيون إجراء أحادي الجانب لحل أزمة شغور منصب الرئاسة؟ 
 
بعد أن أصبحت استقالة الرئيس هادي قرارا نهائيا لا رجعة فيه ومصادرة أختام حكمه وما لم يحدث أي تدخل جراحي يعيد بعض الروح للعملية السياسية الانتقالية فإن المشهد اليمني يتوزع بين تصورات قابلة للتطبيق بفعل القوة العسكرية ورؤى قد تتطور إلى التصادم تستغل بعض ما تبقى لديها من قوة عسكرية، وأمنيات لقوى فقدت السيطرة وتتلاشى بين الحين والآخر ثقة قواعدها الجماهيرية جراء التمسك باستراتيجية الأحزاب ومصالحها السياسوية والتفريط في مصالح الشعب.في ظل هذا الواقع يسعى الحوثيون إلى فرض تصوراتهم المتمثلة في تشكيل مجلس رئاسي يتكون من شخصيات يبدو من أسمائها ولهجاتها أنها تمثل كل جهات اليمن الأربع وعلى رأسها الرئيس السابق علي ناصر محمد، لإقناع من يسمون بجماهير (الكنبة)! ويدعم هذا التوجه جمال بن عمر الذي تتهمه بعض الأوساط وحركات الرفض الشبابية بأنه لم يعد وسيطا نزيها بل يريد تنفيذ أجندة دولية في اليمن تمكنه من تقلد منصب رفيع في الأمم المتحدة، لكن هذا الحل لا تؤيده على الأقل في الوقت الراهن دول مجلس التعاون ودول أعضاء في الاتحاد الأوروبي هددت بفرض حصار اقتصادي وإعلامي. 
 
علي عبدالله صالح أو كما يحب أن يسمي نفسه بالزعيم لا يروق له تشكيل مجلس رئاسي يصبح هو مُمثلا غير فاعل فيه، ولذلك فإنه يريد العودة للحكم عبر مجلس النواب الذي يحظى فيه بالأغلبية المريحة ويسيطر على هيئة رئاسة المجلس شخصية لا تتنفس إلا بإذن من زعيمها وفي حال جرى تطبيق الخيارات الدستورية التي يتشبث بها الرئيس المخلوع فإن رئيس البرلمان يصبح هو الرئيس الشرعي للبلاد حتى يتم إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وهذا التصور يرفضه الحوثيون حلفاؤه الجدد جملة وتفصيلا وفي حال تمسك كل طرف بموقفه فقد يتطور الخلاف والتباين إن كان حقيقيا إلى مواجهات عسكرية عنيفة قد ترفع كفة وتخسف بأخرى خاصة إذا ما أخذنا بالحسبان الألوية والوحدات العسكرية التي لا تزال تدين بالولاء لعلي عبدالله صالح وأولاده وأبناء أخيه في محافظات عدة.
 
الطرف الأضعف في هذه الأزمة هو التجمع اليمني للإصلاح ذو التوجه الإسلامي السني الذي تلقى ضربات قاتلة لجناحيه القبلي والعسكري ولم يتبق له سوى القدرة على الحشد الجماهيري وهذه القدرة تضعف يوما عن يوم بسبب بعض مواقف الحزب وكذلك العنف الثوري الذي يمارسه المسلحون الحوثيون ضد المظاهرات المنددة بوجود المليشيات في العاصمة والمدن اليمنية، بل إن المسلحين الحوثيين يغلقون كل ساحة أو ميدان أو شارع يتوقع أن يتجمع فيه متظاهرون مناهضون لسيطرتهم العسكرية على البلاد وإلغاء نتائج المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، ولذلك فإن حزب الإصلاح والحزب الاشتراكي والناصريين لم يعد لهم من فعل سياسي سوى التمني والتوسل بأن يعدل الرئيس هادي عن استقالته وتعود الحكومة لممارسة مهامها واستكمال ما تبقى من آليات تطبيق المبادرة الخليجية لأن البديل سيكون العمل بأقل الخيارات سوءا وهو العودة إلى المربع صفر.
 
 
القوى الدولية التي تؤيد بن عمر لفرض حل تكتيكي ربما يهدد مستقبل البلاد ووحدتها يهمها فقط استغلال التناقض المذهبي بين الحوثيين والقاعدة لإلحاق الهزيمة بالإرهاب "السني" وتطبيق نموذج العراق رغم إخفاقاته ونتائجه الكارثية، ولا يعني لهذه القوى شيئا استئثار جماعة الحوثي بالسلطة أم تقاسمتها مع مكونات أخرى طالما بقيت المصالح الإستراتيجية وتوثقت عرى الروابط الاستخبارية، أما كثير من اليمنيين فلم تعد تشغلهم العناوين السياسية ولا حتى المذهبية - التي يحاول البعض جعلها بضاعة للبيع والشراء - بقدر ما يحلمون بحاكم توافقي قوي يحفظ بلادهم من التفكك لسان حالهم يقول مللنا من الأزمات والحروب والصراعات نريد وطنا يتسع للجميع، وعندما يصبح ذلك الحلم بعيد المنال فإن البعض أصبح يفضل خيار الوطن الصغير المتمثل بالإقليم رغبة في تحقيق أبسط ضروريات الحياة وهي نعمة الأمن.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي