التمرد على صنعاء..

د. محمد لطف الحميري
الخميس ، ٢٩ يناير ٢٠١٥ الساعة ٠٧:٣٢ مساءً
سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية ومؤسساتها السيادية، كالقصر الرئاسي وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الحكومة خالد بحاح وعدد من الوزراء الجنوبيين، بالإضافة إلى قمع المظاهرات الرافضة واختطاف متظاهرين، بينهم نساء، ضاعف من حالة الاستنكار والغضب الذي تجلى في استصاغة الدعوات الانفعالية المطالبة بالتمرد على صنعاء وجعلها مدينة معزولة لا يستجاب لكل ما يصدر عنها من قرارات، وحشر الحوثيين وكل القوى العسكرية والقبلية المؤيدة لهم والتي تنتمي في أغلبها إلى لون طائفي واحد، في منطقة واحدة سماها مؤتمر الحوار الوطني بإقليم "آزال" والذي يتكون من صنعاء ومحافظات ذمار وعمران وصعدة. 
 
يبدو اليمن وكأنه يسير في طريق التشظي الجغرافي والاجتماعي والمذهبي إذا لم يتم التوصل إلى حل سريع للأزمة يرضي جميع الأطراف، فأغلب المحافظات تنتظر فقط ما ستسفر عنه المساعي التي يقودها المبعوث الأممي جمال بن عمر، وفي حال عدم التوافق على صيغة تضع حدا للسخط الشعبي، فإن الإجراءات التي اتخذتها اللجان الأمنية في عدد من الأقاليم عقب إعلان استقالة هادي بتاريخ 22-1-2015 قد تصبح واقعا وربما يكون هذا التاريخ يوما أسود في حياة اليمنيين.
 
أول الأصوات المطالبة بالانفصال انطلقت من إقليم عدن الذي يضم، بالإضافة إلى عاصمته، محافظات الضالع ولحج وأبين، إذ أعلنت اللجنة الأمنية عقب استقالة الرئيس أنها لن تتلقى الأوامر من صنعاء. وتلت ذلك دعوات من إقليم حضرموت الذي يتكون من محافظات شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى، ولم يكد يمر وقت قصير حتى انضم إقليم سبأ ليكون ثالث المتمردين على الهيمنة الحوثية، حيث يضم الإقليم محافظات البيضاء ومأرب والجوف وتتمتع مساحاته الشاسعة بأهمية جيوسياسية وإستراتيجية، حيث تقع فيه أهم المصالح الحيوية من النفط والطاقة ويرتبط بشريط حدودي مع السعودية.
 
إقليم الجند ذو الكثافة السكانية الكبيرة اتخذ موقفا متريثا في انتظار ما ستسفر عنه حوارات الفرقاء، لكنه ربما لن ينتظر كثيرا، ففي حال استمر تعنت المتحكمين بقوة السلاح، فقد نرى موقفا أكثر راديكالية وهذا ما عبرت عنه طبيعة المبادرة التي تقدم بها التكتل الوطني لأعيان تعز، حيث تضمنت تشكيل مجلس رئاسي من سبعة أعضاء: يمثل كل إقليم من الأقاليم الستة عضو واحد والعضو السابع من الجنوب، على أن يترأس المجلس أحد أعضائه من أبناء المحافظات الجنوبية ومدته سنة واحدة فقط، ونقل العاصمة مؤقتا إلى عدن حتى يستقر الوضع في صنعاء وشددت المبادرة على ضرورة إخلاء المدن من الميليشيات والشروع في تنقيح مشروع الدستور وفقا لمخرجات الحوار والإعداد للاستفتاء عليه وتهيئة الظروف المناسبة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وفقا للدستور الجديد. 
 
هذه المبادرة ربما يكون لها صدى عند المتحاورين في صنعاء، ذلك أن إقليم الجند مثَّلَ ثقلا سياسيا ومدنيا في كل مراحل تكون الدولة اليمنية.
 
في هذا الظرف العصيب الذي تمر به البلاد هناك طرفان لكل منهما أجندته، طرف يعمل بكل قوة على إعادة الاعتبار لمعادلة الحكم التي تغيرت بعد ثورة 11 فبراير عام 2011 وأتت برئيس ذي خلفية مذهبية مختلفة ولا ينتمي إلى التحالف القبلي المتحكم في صنع الرؤساء وهذا ما جعل التحالف بين الرئيس المخلوع والحوثيين واقعا وما نتج عنه من نهب وتدمير للمؤسسة العسكرية وإسقاط الدولة في براثن المناطقية والسلالية.
 
أما الطرف الثاني والمتمثل في بعض القوى السياسية من أقصى اليمين واليسار فيعمل على إعادة الاعتبار للدولة وكبح جماح الدعوات الانفصالية عبر البحث عن حلول توافقية تضمن للجميع العيش بكرامة وفق منطق التوزيع العادل للسلطة والثروة.
 
المبعوث الأممي جمال بن عمر الذي يتحرك الآن بدعم سعودي وأمريكي - إيراني بدا واثقا من التوصل إلى حل خلال الإفادة التي عرضها من مقره في صنعاء أمام مجلس الأمن الدولي، وقال إنه متأكد من التوصل إلى حل سياسي لا يمر عبر البرلمان اليمني ويستند إلى مخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة وما تبقى من مراحل تطبيق المبادرة الخليجية.
 
وأرجو أن أكون مخطئا إذا ما قلت إن بن عمر نذير شؤم، حيث إنه بقي في صعدة خمسة أيام، بعدها سقطت عاصمة الدولة بيد مضَيفيه.
 
 
على أي حال يدور الجدل والتفاوض الحالي بين رؤيتين، الأولى تحبذ بقاء عبد ربه منصور هادي رئيسا وتراجعه عن استقالته مقابل التزامات وضمانات يلتزم بها الجميع، أما الرؤية الثانية التي تقدم بها ممثلو الحوثي فترى أن الأنسب تشكيل مجلس رئاسي برئاسة الرئيس هادي أو شخصية جنوبية، لكن دون الحديث عن تسليم السلاح للدولة ربما لكي يضمنوا تنفيذ مطالبهم التي بسببها قيل إن هادي رفضها واستقال.
 
وسواء عدل الرئيس هادي عن الاستقالة أم تم تشكيل مجلس رئاسي برئاسة جنوبية، فإن اليمنيين ينتظرون إجراءات حاسمة تعيد للعاصمة مدنيتها وكرامتها وللمؤسسات السيادية هيبتها، وعلى الحوثيين أن يدركوا أنهم لن يستطيعوا بمفردهم حكم اليمن الموحد وإن ساندهم الدعم الإقليمي وتحالفت معهم سرا أو جهرا الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا ما استمروا في السلوك السياسي والعسكري الذي تؤطره نشوة الانتصار الخالي من أي مضمون إيجابي يقنع الآخرين بإمكانية التعايش على بقايا وطن، فإن تمرد الأقاليم سيتجاوز بكثير التمرد في صنعاء.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي