إنه استلاب لا استغلال

د. عبدالله صلاح
السبت ، ١٥ نوفمبر ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٢٤ مساءً
الاستلاب في تعريف مكثف هو انسلاخ الشخص عن ذاته، وخضوعه للآخر، والانقياد له دون إبداء أي رأي أو فكرة أو اعتراض. بمعنى آخر، هو التبعية المطلقة للآخر. أما الاستغلال فقد يكون نتيجة ضعف المُسْتَغَل أو سذاجته أو غفلته، ولكنه في لحظة ما قد ينتفض من ضعفه وغفلته فيرفع عن كاهله شروط الاستغلال.
 
ومن الملاحظ أن لأمة العربية اليوم واقعة تحت وطأة حد الاستلاب، أكثر من وقوعها تحت وطأة حد الاستغلال، فما نشاهده في بعض بلدان الوطن العربي -وإن كان ظاهره يبدو استغلالاً  للعقل العربي، ولمقدرات الأمة وثرواتها- ما هو إلا استلابٌ بمعناه المعرفي والفلسفي، فالقوم لهم إرادات قوية وفاعلة، ولهم قناعات ورغبات يموتون في سبيلها، ولهم أفكار ومخططات ومؤسسات يشتغلون عليها. لكنها في الحقيقة ليست إراداتهم، ولا قناعاتهم ولا رغباتهم ولا أفكارهم ولا مخططاتهم، وإنما هي أفكار الآخر/ الأجنبي/العدو وإراداته ورغباته ومخططاته. ذلك الآخر الذي ساقه ذكاؤه إلى اعتماد مرحلة الاستلاب وتجاوز مرحلة الاستغلال. لأنه يدرك أن مرحلة الاستغلال لا تطول كثيراً، فسرعان ما يصحو المسُتغَل ويثور وينتقم.
إن ما نشاهده اليوم من أحداث تجاوز بعضها حد العقل والمنطق، يؤكد على أن هذه الأمة تؤسس لنفسها آماداً بعيدة من الحروب والصراعات، لا لعجزها عن التصالح والابتعاد عن ظاهرة العنف، وإنما لفقدها عناصر التحكم في تلك الأحداث والصراعات، لأن مفاتيحها ليست بيد أبنائها المستلبين، وإنما بيد المخطط الأجنبي.  
 
لقد أصبح الاستلاب حالة مزمنة تعاني منها شعوب الأمة العربية، وتكابد بسببها المعاناة والإذلال. وكأننا نقف أمام أمة مُغيبة العقل نهائياً، لا تعرف أين مصلحتها، ولا إلى أين تسير؟، ولا تستطيع أن تفرق بين أصدقائها وأعدائها. أمة يفتك بها الفساد والاستبداد، ويتمكن منها اليأس والخنوع والعجز.
 
ولعل أسوأ صور الاستلاب وأخطرها، يتجسد في الاستلاب الثقافي، فالمثقف هو ضمير الأمة ووعيها وكيانها، إذا فسد فسد ضمير الأمة وعقلها، وإذا خسرته الأمة خسرت كل شيء. وليس خفياً على أحد أن أكثر أسباب مآسي الأمة وأوجاعها يأتي بسبب استلاب عقل المثقف. ليصبح بلا أفكار ولا معرفة ولا إحساس، لأنه تخلى عن دوره الحقيقي المتجسد في ممارسة النقد البناء لكل مساوئ المجتمع وأخطائه. ولأنه حول طاقاته الإبداعية إلى أدوات هدم وكراهية وعنف، بدلاً من استغلالها في تأسيس قواعد الحب والجمال والحوار والتعايش والنهضة. 
 
إن الاستلاب العقلي والنفسي يميت الإرادة، ولذلك تحرص قوى الاستبداد والاستعمار على تحقيقه في شعوب الأمة العربية، أو الشعوب المستعمرة حتى تضمن خضوعها وعدم تفكيرها في المقاومة، أو قدرتها على تحريك المشاعر وإشعال رغبة الثورة والانتقام. 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي