الحوثي يتقمص دور "المرشد الأعلى"!

نائف حسان
الأحد ، ٢٦ اكتوبر ٢٠١٤ الساعة ٠٧:٠٩ مساءً
 
إعلان الحوثي أنه سيجعل المقاعد المخصصة لجماعته في الحكومة القادمة "تحت تصرف الجنوبيين"، هو تعالٍ على الديمقراطية والعملية السياسية، وهروب من المسؤولية العامة.
 
 
 
يريد الحوثي السيطرة على الحكم وتوجيهه؛ إلا أنه يُحاول التملص من أي مسؤولية سياسية مترتبة على وجوده الفعلي المسيطر؛ إذ يُبدي حرصاً على تأكيد عدم مشاركته في الحكومة، رغم أن الجميع بات يعرف أنه أصبح مركز النفوذ الأول في البلاد ككل، والطرف الأكثر تأثيراً على صناعة القرار فيه! يتذكر الجميع كيف وضع الحوثي الرئيس هادي في موقف مُذل ومهين، حين أجبره على التراجع عن القرار الذي أعلنه، في إجازة عيد الأضحى الفائت، بشأن تكليف أحمد عوض بن مبارك بتشكيل الحكومة. كما نتذكر أن خالد بحاح رفض قبول تكليفه بالأمر إلا بعد أن تأكد أن جماعة الحوثي لن تعترض على ذلك.
 
 
 
يهرب الحوثي من تحمل المسؤولية السياسية. ومع ذلك ظهر، في خطابه المتلفز عصر أمس الأول، كما لو أنه "تكرم" على الجنوبيين بمنحهم المقاعد الحكومية المخصصة لجماعته! هو لم يقل من هم هؤلاء الجنوبيون الذين منحهم هذه "المكرمة"؛ وفي الجنوب مكونات اجتماعية وسياسية شتى. إذا كان يعتزم وضع هذه الحقائب الوزارية، أو أغلبها، تحت تصرف الحراك الجنوبي؛ فأي فصيل في الحراك سيمنحه هذه "المكرمة"؟ هناك أكثر من حراك في الجنوب؛ حراك البيض، حراك باعوم، ومؤخراً حراك الرئيس هادي. أي فصيل من هذه سيمنحها الحوثي "مكرمته"؟ أم أنه يريد أن يخلق بستة مقاعد وزارية حراكاً تابعاً له في الجنوب؟!
 
 
 
يا لها من "مكرمة" متذاكية تُحاول أن تسلب الجنوب حتى حق البقاء بمظلوميته! نظام علي عبد الله صالح نهب الجنوب وأقصاه، والحوثي يأتي اليوم ليستثمر القضية الجنوبية ويتحايل عليها عبر استخدامها ككرت للمزايدة. وإلى هذا، فإعلان الحوثي وضع أغلب مقاعده الحكومية "تحت تصرف الجنوبيين" ينطلق من ذهنية الغلبة التي تظن أنه يُمكن تطييب خاطر الجنوبيين وحل قضيتهم عبر هذا النوع من "المبادرات الإيثارية"! حل القضية الجنوبية يكون ببناء وطن ديمقراطي مبني على المواطنة المتساوية ومحكوم بالنظام والقانون، وليس عبر استمرار مراكز قوى الشمال في لعب دور "الأخ الأكبر" القادر على تقديم "المكرمات". وفي خطاب سابق، تحدث الحوثي بنبرة "الأخ الأكبر" للجنوب؛ إذ أكد عزمه حل القضية الجنوبية بـ"العدل"، واستدرك: "بالعدل، وفوق العدل هو الظلم". و"العدل" هنا هو ما يراه ويُقرره الحوثي، وليس ما هو أو ما يجب أن يكون.
 
...
 
 
 
يبدو أن الحوثي سيدفع بجنوبيين، وآخرين من تعز، لتولي "أغلب" الحقائب الوزارية المخصصة لجماعته (تقول المعلومات المسربة إنها 6 حقائب). لكن هذا الأمر لن يعفيه من المسؤولية السياسية المترتبة عن أداء هؤلاء، كما لن يعفيه من المسؤولية المترتبة عن أداء الحكومة الجديدة بشكل عام. الجميع يعرف أن الحوثي أصبح اليوم مركز التأثير الأول والحاسم في البلاد. لهذا فهو لن يتحمل فقط مسؤولية فشل الكومبارس الذين سيدفع بهم لتولي حقائبه الحكومية؛ بل سيتحمل أيضاً مسؤولية فشل الحكومة بشكل عام. يفترض أن يكون في تجمع الإصلاح، ومراكز القوى العسكرية والقبلية المرتبطة به، عبرة للحوثي وجماعته، إلا أنه يبدو أن الرجل لا يريد الاتعاظ بغيره بل بنفسه. وقديماً قالت العرب: "الشقي من اتعظ بنفسه".
 
 
 
كان تجمع الإصلاح، وعلي محسن وحميد الأحمر، يعتقدون أنهم سيحكمون عبر باسندوة ووزراء ومسؤولين حكوميين آخرين، دون أن يتحملوا أي مسؤولية لفشل المرحلة السابقة. غير أنهم تحملوا مسؤولية فشل تلك المرحلة؛ لأن جميع اليمنيين كانوا يعرفون أنهم الحاكم الفعلي للبلاد، بحكم قوتهم القبلية والعسكرية والسياسية.
 
المشكلة أن الحوثي يُكرر أسلوب وأخطاء تجمع الإصلاح وقواه العسكرية والقبلية، التي أدارت البلاد منذ ما بعد ثورة فبراير 2011. حينها، تحكمت مراكز القوى هذه باليمن متخفية خلف الرئيس هادي وباسندوة، ومجموعة من الوزراء والمسؤولين الذين كانت تزعم استقلاليتهم وعدم تبعيتهم لها؛ رغم أن الجميع كان يعرف أنهم موالون لها، وأنها دفعت بهم إلى مواقعهم لحماية مصالحها، وتنفيذ سياساتها. ترك الناس كل تلك الحذلقات جانباً، وحملوا مراكز القوى تلك المسؤولية المباشرة والكاملة عن فشل باسندوة وحكومته، وفشل حتى الرئيس هادي، خلال السنوات الثلاث الماضية. ولا أظن أن اليمنيين سيعفون الحوثي من مسؤولية أي فشل قادم، لأنهم يعرفون أن هذه الفترة هي فترة عبد الملك وجماعته، ومن غير الممكن التهرب من المسؤولية عبر التهرب منها وإلقائها على أشخاص ليسوا، في حقيقة الأمر، أكثر من مجرد أدوات في يد الجماعة.
 
...
 
 
 
يسير الحوثي، اليوم، على ذات خطى تجمع الإصلاح وعلي محسن وحميد الأحمر؛ إلا أنه يُحاول الاجتهاد لإضافة تعديلات على تجربتهم، عبر تطعيمها بإظهار نوع من الإيثار للجنوب والجنوبيين. هو يريد الدفع بجنوبيين إلى الوزارات المخصصة له، ليس حباً في الجنوب وإيثاراً لأهله؛ بل هروباً من المسؤولية السياسية المترتبة على تصدره للمشهد العام، وسيطرته على العاصمة ومركز صناعة القرار فيها.
 
 
 
لقد منح الجنوبيين هذه "المكرمة"؛ مع أننا نعرف جميعاً أنه هو من سيختار وسيُحدد من هم الجنوبيون الذين سيدفع بهم نحو تصدر الواجهة السياسية للجلوس الشكلي والهزلي على مقاعده الوزارية! لهذا سيكون ولاء من سيقبلون بلعب هذا الدور له هو، ولن يكون بإمكانهم إلا تنفيذ ما يريد وما تريد جماعته. أبعد من هذا يُمكن المجازفة: من المستبعد أن يكون بين هؤلاء شخصيات مستقلة وممتلئة ذاتياً؛ لأنه لا يُمكن، ابتداءً، لشخص يحترم نفسه القبول بأداء دور حائط صد كومبارسي لآخر يريد ممارسة الحكم بواسطته. للحوثي أن يدفع بمن يريد إلى الواجهة؛ إلا أن هذا لن يُعفيه من تحمل المسؤولية، ولن يُبقيه بعيداً عنها.
 
 
 
الحوثي يناور في قضية لا تحتاج مناورة وتذاكياً. وتمنّعه الحاصل عن المشاركة في الحكومة القادمة هو أمر يُضفي طابعاً هزلياً وشكلياً على الحكومة، والمرحلة القادمة بالكامل. فعدم مشاركته في الحكومة لا تعني أنه يريد البقاء بعيداً عن المسؤولية فحسب؛ بل تعني أيضاً، وهذا هو الأهم، أنه يريد تأسيس حضوره في المشهد العام كحالة متعالية على الديمقراطية والعملية السياسية. هو يريد البقاء في مكانة متعالية عن الحكومة والحياة الاجتماعية والسياسية واليمن ككل، حيث يُمكنه لعب دور المراقب، متخففاً من أي مسؤولية أو حساب، وفي هذا إهانة كبيرة لليمن ولجميع اليمنيين. هو يريد تأسيس وضعية خاصة له تُمكنه من استنساخ موقع ومكانة "الخميني"، لتقمصها وبعث الروح فيها هنا في اليمن! وإلا ما معنى أنه يتمنع عن المشاركة في الحكومة ويريد البقاء كجماعة مسلحة يُمكنها اجتياح العاصمة متى ما أرادت ذلك، ويُمكنها التدخل لمراقبة أي جهة حكومية ومنع مرور أي قرارات، بما فيها القرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية؟!
 
 
 
انطلاقاً من ذلك، فقبول أحزاب اللقاء المشترك بالمشاركة في الحكومة القادمة لا يعني وقوعها في خطأ سياسي فقط؛ بل يؤكد تقبلها لحالة الإمعان في الإهانة والإذلال التي تتعرض لها هي، واليمن بشكل عام. كذلك، فمشاركة "المشترك" في الحكومة تعني السماح للحوثي بالمضي في توجهه المتعالي، الذي يُحاول فيه تكريس نفسه كـ"مرشد أعلى"، في بلد يحتاج تجذير سيادة القانون والديمقراطية والمواطنة المتساوية، وليس خلق "زعامة دينية مقدسة" لديها أوهام ولديها مليشيات.
 
 
 
يُفترض بأحزاب المشترك أن لا تُشارك في الحكومة سواءً شارك فيها الحوثي أم لا. اتركوا الحكومة للحوثي يُشكلها كيفما يشاء، ولا تقبلوا بلعب دور الكومبارس مع جماعة يدفعها غرور القوة نحو المضي في إخضاع البلاد لقبضة أمنية لا تخضع لأي رقابة، ومتخففة من أي مسؤولية سياسية.
 
 
 
على الأحزاب أن تدفع اليمن نحو العودة للعملية السياسية عبر الذهاب إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية عاجلة؛ ذلك أن بقاء هذا الوضع يعني تحول الحوثي إلى مشكلة لن تدفع اليمن نحو حرب أهلية فحسب؛ بل تُهدد بتمزيقها على أساس طائفي ومناطقي.
 
 
 
*نُشر اليوم في "الشارع"
الحجر الصحفي في زمن الحوثي