لماذا نعشقُ الصّعب..؟!

عبدالكريم المدي
السبت ، ٢٥ اكتوبر ٢٠١٤ الساعة ٠٤:٢١ مساءً
هل نحن قادرون على إزاحة كل ما هو موجود من فُرقة وتعب وألم، وإفساح المجال لكل ما هو مولود من تضامن وفرحة وأمل..؟. 
بلا شك نحن قادرون، وقادرون - أيضاً - على استعادة كل ما هو مفقود وثمين من وئام وقوة عقلية واستنارة وعلاقات حميمية تخلّينا عنها، مع إدراكنا الواعي أنه لا مجال للشكوى والبكاء على الأطلال، وتذكُّر أيام تغلب وتميم، ولا مجال للتشاؤم وتحريض الشباب وإرسالهم بصورة عاجلة للجنة، ولا مجال لتوزيع الكراهية وإعادة رسم الخرائط والحدود النفسية والجغرافية والاجتماعية والثقافية التي تجعلنا نكتشف كل يوم كم نحن قُساة، صِغار، ضِعاف، عاجزون، أسرى لِما يقرّره الجهلة والأعداء والمنتفعون. 
 
اسمحوا لي أن أثير بعض التساؤلات لسبب وطني أو بسبب «تشعيبه» لا مانع لديّ من أن يقرأها البعض من الزاوية التي يراها مناسبة، الأهم في الأمر هو أنها تستنهض الساكت، الساكن، الصامت في أعماق الكثيرين من الناس، وقد أكون «أنا» أولهم، ومن هذه التساؤلات: ما الذي يجري في رداع وإب والبيضاء وحضرموت وعدن وغيرها، ولماذا نكون في أحايين كثيرة ديمقراطيين في حواراتنا وأطروحاتنا ودكتاتوريين في قراراتنا وممارساتنا..؟!. 
 
 في ظنّي ربّما يعود هذا إلى الطبيعة العربية التي عُرِف عنها عشق الصعب وروح التمرُّد والزّعامة والعصبية، العصبية حتّى لما يقتل ذات الإنسان والفكرة والحق والمستقبل والجماعة، ولعل هذا ما جعل ويجعل كل دعوة إلى الديمقراطية والعدالة والمساواة والمدنية تتعطّل عند أول وأصغر حاجز اسمنتي أو ثقافي أو اجتماعي أو غيره؛ بمعنى أن أية دعوة في هذه المنطقة للإصلاح المؤسسي الذي هو سبيل المجتمعات إلى المستقبل، تُرد لصاحبها على أعقابها ومعها كمٌّ هائل من اللعنات، والاتهامات التي لا تتوقّف عند الخيانة والعمالة والبدعة والكُفر والفِسوق والانقلاب وتهديد الأمن الوطني والقومي وغيره، ليظل العربي في حالة صراع دائم مع نفسه وأسباب بقائه، ومجتمعه وفكره ،إضافة إلى ملاحقة أوهامه وطموحاته المكبّلة بالبيئة التي يعيشها، بقناعاتها معلّبة والمختومة بشمع «العيب الأسود» والأصفر والأزرق والأحمر، وعلينا أن نتصوّر هنا ما يعكسه هذا من شعور مُحبط لدى الشخص بمدى الصعوبة التي يعانيها في التفريق بين ما يراه وبين ما يتمنّاه، وبين الشكّ واليقين والجهد الذهني والعضلي، وأخذ الحق من الغريم بحُكم قضائي، أو بصميل أخضر في أطرف جولة، أو تفريغ «خزنة» رصاص «آلي - معدّل - جيتري» على خطوط نقل التيارالكهربائي، أو وضع (20) كيلوجراماً من عجينة (تي. إن. تي) شديدة الانفجار تحت أنبوب نقل النفط أو الغاز وغير ذلك من المعاناة والنتائج الكارثية. 
على أي حال، إن من أهم عوامل نجاحنا وتعافينا، ولو النسبي، هو عدم ترك نفوسنا وقلوبنا للأحقاد؛ لأن أي شعب في العالم يرهن نفسه للماضي ولتصفية الحسابات يسقط في أول وأبسط تحدٍّ ويسقط - أيضاً - في كل الدروس الحضارية والإنسانية التي يتحتم عليه اجتيازها للبقاء والمنافسة والعيش بكرامة، وفي المقابل إن أي بلد يستشرف المستقبل وهو غير مثقل بتركة الماضي والأحقاد ينجح، خاصة إذا كان مرهوناً بروح وحيوية وتطلُّع وطموح وإبداعات أبنائه من الشباب والناشئين والمفكّرين والمثقفين. 
 
ولعلّه من المفيد الإشارة هنا إلى أن الشعوب التي حقّقت نجاحات وصعدت في السُّلّم الحضاري بسرعات فائقة، هي الشعوب المؤمنة بالإنسان كإنسان، وبالحوار كقيمة حضارية، وبالديمقراطية كمنهج رائد ومتقدّم في تحقيق النهوض والرفاء والحكم الرشيد. 
 
أختتم كلامي وأقول: أنا بطبيعتي شخص متفائل بالمستقبل ومتطلّع إليه، والمستقبل حقيقة ليس له حدود؛ لكن لا يتأتى ذلك قبل أن نتحرّر من تفكيرنا المحصور باللحظة العاطفية والذاتية التي نعيشها أو نُلقّن كيف نعيشها، ولن يتأتى - أيضاً - دون أن نؤمن جميعنا بالتعدّدية اليمنية النابذة للأحادية، الرافضة للطائفية والمناطقية والعصبية العمياء، ولن يتأتى أبداً دون إرادة قوية مُصمّمة على السلام والبقاء والحياة والبناء. 
أعجبتني هذه المقولة كثيراً: «أنا أفكر.. إذن أنا موجود». 
 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي