استمرار الوضع المتأزم الحلقة (1) !!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الثلاثاء ، ٠٧ اكتوبر ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٢٢ مساءً
ربيعنا العربي أصبح شتاء قارسا يكاد يقضي على الأخضر و اليابس و الحاضر و المستقبل حتى أن الصحافة الغربية وصفته بالتراجيديا العربية بعدها بسنتين، و الذي نورده من باب العجب كيف يمكن لهذه الشعوب التي تدعي أنها كونت حضارة عربية و خدمت الإنسانية بفكرها أن ينتهي بها المطاف الى هذه الأزمات و المعارك التي أسقطتها كأوراق الخريف بيد الجماعات المختلفة و المسلحة و المتشددة و أصبحت تسيطر على مدن و محافظات و تطمح بحكم دول و تلغي الحدود برغم بدائية المناهج و الأساليب؟!!
 
هو بالفعل واقع مخزي و تقرير الصحافة الغربية مثل الإيكونوميست اعتبر أن السر يكمن في التفسيرات المختلفة للإسلام بخصوص منظومة الحكم , و التي هي من صميم المشاكل العميقة للمجتمعات العربية، لأن الإسلام الذي تفهمه جميع الفصائل المختلفة هو في الجمع بين السلطة الروحية و الدينية و الدينوية، مما أدى إلى توقف تطور المؤسسات السياسية المستقلة بحسب ماورد. و أوردت الصحافة الغربية أن التطرف الديني و الحق المطلق يدخل في إطار الوسائل البدائية, و التي تعكس البؤس و الفشل و الإحباط في المجتمعات العربية فقط و ليس الإسلامية بشكل عام لاسيما و أن الديمقراطيات الموجودة في دول مثل إندونيسيا و تركيا تكاد ان تكون مقبولة الى حدا معقول, و لكنها تدخل ليس في منظومة الحكم الاسلامي ان صح التعبير.
 
و على الرغم من أن الإعلام الغربي يطرح نظرة تحليلية عميقة للوضع العربي, و التي كان الأجدر بنا أن تكون من صميم عمل المؤسسات الإعلامية العربية، إلا أني أرى الإعلام الغربي يغفل التراكمات التاريخية في المنطقة, و التي تظهر جليا في فشل العمليات التعليمية و مشاريع نقل و توطين المعرفة و هي في قناعاتي ساهمت في دفع الأوضاع العربية في ال 50 سنة الاخيرة إلى مرحلة عدم الانتاج و تفشي ظاهرة الفقر و انتشار الفساد و الجماعات المختلفة و الاحزاب المسلحة و استغلال الوظيفة العامة. فارتفاع نسب الأمية و ضعف مستوى التعليم و غياب الاستراتيجيات التربوية و الاقتصادية المعالجة للقضايا الأساسية، ساهم في إيجاد حلول وهمية موقتة تهدئ الميدان و بلا رغبة بالعمل و الإنتاجية و منها كانت المحصلة بناء جيل و مؤسسات ضعيفة سهل اختطافها من قبل الجميع.
 
و ما نجنيه اليوم هو حصاد ضعف المؤسسات التعليمية في أكثر المناطق العربية اكتضاضا بالسكان، و اعتمادها على التلقين و الحفظ ، و تجاهل بناء الفكر و الشخصية من ما أدي الى انتشار ثقافة الاختطاف الفكري و السياسي تحت النصوص التاريخية او الدينية او المناطقية بشكل مباشر او غير مباشر. كما أن طرق التعليم ساهم في ذلك مع افتقاد المثالية الواقعية و الحافز. و يتفق معي معظم الدارسين داخل و خارج الوطن على أن مشكلة التعليم هي عدم مواءامة مخرجاته مع متطلبات التطور الاجتماعي و الثقافي و السياسي و الاقتصادي، و هذا يولد فجوة بين ما يتعلمه الطالب في المدرسة و ما يعيشه في الأسرة أو خارجها, حتى على مستوى اللغة العربية نفسها.
 
و برغم من الحديث حول "المجتمع المعرفي" في أغلب البرامج التعليمية و الجامعية و الاعلامية لاسيما عندما يستدل الكثير على أن تطور و انتشار شبكات الاتصال و انخراط المجتمع في شبكات التواصل الاجتماعي هو المؤشر على وجود مجتمع معرفي في عالمنا العربي, لكني لا استطيع أن اقبل مثل هذا الطرح لاسيما و أن المجتمع المعرفي لايطلق إلا على المجتمعات التي تنتج المعرفة و ليس المجتمعات التى لديها شغف على المعرفة و التي حتى لم نصل إليها. و إذا نظرنا إلى محتويات النقاشات في شبكات التواصل فإننا ندرك أن تصوير مجتمعاتنا على أنها مجتمعات لديها شغف معرفي هو تصوير غير دقيق و بالذات اذا مالاحظنا المحتوى في شبكات التواصل او المنتدايات, و التي تدخل في إضاعة الوقت و جلد الذات من الوسواس القهري او التشكيك في مواطنة الاخرين و افكارهم او في وصف الذات, و بالذات عندما لا نبحث على المعلومات المفيدة و الصحيحة في حياتنا او الحلول الواقعية.
 
و مختصر القول نقول أن المجتمع العربي و اليمني يتطلب وثيقة قيم و سلوكيات حميدة بعيدة عن الكذب و الدجل, و بعدها ثقافة جديدة بمختلف العلوم الطبيعية و التطبيقية و قبل ذلك انفتاح على المجتمعات المعرفية و ليس العلوم الدينية فقط او السياسية، و التي يجب أن تعتمد على القدرة في التحليل و استخلاص الآراء المناسبة و الأفكار المبدعة و التفاعل الإيجابي مع الآخر عن طريق الشبكات العلمية و العملية كما اورد ايضاً كثير من المفكرين في المجتمع. 
 
و القضية لا تقف عند الميزانيات المخصصة للتعليم و التربية و الارشاد و إنما الإدارة و فشل القائمين عليها ، فتقرير منظمة اليونسكو يوضح أن هناك إهداراً ضخماً في ميزانيات التعليم لعدم القدرة على استغلالها بالشكل الصحيح، و أن ضمان المساواة في إعطاء الفرص للجميع من التعليم الجيد في اليمن مثلاً و مناطقه النائية، سيولد منافع اقتصادية تزيد الناتج المحلي بنسبة 23% مثلاَ حسبما ورد و اضيف اليها سيولد استقرار سياسي واجتماعي داخل المجتمع.
 
و أرى إلى يومنا هذا أن مشكلة التعليم في الدول العربية بشكل عام و اليمن بشكل خاص هو التركيز على الجانب النظري و التقليدي في وسائل التعليم التي تعتمد على التلقين و الحفظ و انفصالها عن الواقع، بينما تتجاهل المهارات التعليمية و بناء الفكر و الشخصية المستقلة ذات المبادئ الخلاقة, أي تذكر المعرفة من باب "الثقافة السياحية" و ليس شغفا أو تطبيقا او انتاجا لها.
و قد أدى التركيز على التعليم ككم و تجارة في اليمن مثلاً و ليس كنوعية إلى تكدس المدارس الخاصة و الجامعات الخاصة بأعداد هائلة من الطلبة في اليمن بشكل خاص ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه, هو عن المستوى الأكاديمي لهؤلاء الطلبة أو حتى لمدرسين الجامعات و المدارس الخاصة, و الذين لا يربطهم بها إلا ساعات معدودة و برامج بطئية لا تكاد تٌذكر.
 
فمثلاً عندما يتخرج الطالب في الجامعة و يكون مستواه الأكاديمي و الثقافي بسيطاً و يطلب مثلا بعد أربع سنوات دراسة آداب انجليزي أن يزور معهدا بريطانيا أو أمريكيا حتى يحسن لغته الانجليزية و يحضر التوفل ، يصبح عالة على مؤسسات الدولة و الوقت الذي أضاعه لا يعوض.
فالقطاع الخاص في اليمن أو المنطقة الاقليمية لن يستوعب مثل هؤلاء الخريجين لاسيما و الشهادات غير معترف فيها و لأنه اى القطاع الخاص يحرص على الكفاءة الجيدة و المنافسة و الرخيصة وبالذات من جنوب و شرق آسيا والهند وغيرها ، و بطبيعة الحال لن تستطع الدولة أن توفر فرص عمل لكل هؤلاء الخريجين و ان وفرت ذلك فوجودها مثل عدمها والتي مربوطة اساسا كمحصلة في تدهور ميزانية الدولة، و لهذا نجد أرقام العاطلين في اليمن مرتفعة، و هذا يجعل مستقبل اليمن محفوفاً بالمخاطر اذا مانظرنا الى الجانب الاقتصادي على سبيل المثال.
 
فالبطالة قنبلة ملغومة تخدم مشاريع هدم المجتمع، و من الممكن أن تنفجر في أي لحظة و يذهب ضحيتها المجتمع و الدولة. كل ذلك هي البيئة الخصبة لانتشار الفقر و محصلة لذلك الطائفية و المناطقية و العرقية ولا داعي ان نبحث بعدها عن السبب. و كلما زادت هذه الأمراض الخبيثة في المجتمع كلما كانت مؤشراً واضحاً على ضعف مستوى التعليم و غياب العمق الثقافي و الاخلاقي عند الأفراد، بغض النظر عن أرقام المتعلمين و اعداد المؤسسات التعليمية في المجتمع.!!!!!
الحجر الصحفي في زمن الحوثي