الأحداث إذ تربك أتباع المحور الإيراني

ساري عرابي
الاربعاء ، ٠١ اكتوبر ٢٠١٤ الساعة ٠٢:١٠ صباحاً
 
الأحداث الجارية في المنطقة العربية تصيب أتباع إيران من العرب، بادعاءاتهم الفكرية المتعددة، بقدر عال من الارتباك والحيرة، خاصة في التدليل على المبادئ المدعاة بالمحور الإيراني، فقد جسّد هؤلاء مبادئ معاداة الاستعمار في إيران بصورة نهائية كما جعلوا من أحد توابعها وهو حزب الله المعيار الوحيد لمقاومة الكيان الصهيوني، ومن هذا المحور أفاضوا على العالم الخارجي (أي كل ما هو خارج المحور) بالمعاني، فمن هذا المحور تُستمد شرعية الانتساب لشعارات المقاومة والعداء للاستعمار، وهذا المحور مطلق في ذاته، يشير إلى نفسه، ولا يخضع إلى مبادئه المزعومة كمرجعية، بل هو مرجعية ذاته ومرجعية المبادئ، على نحو قارب نموذج العجل المقدس الذي أشرنا إليه في مقالة سابقة، وبالتالي فليس مهمًا أن تقاوم الاستعمار على الحقيقة، ولكن المهم: ما هي علاقتك بهذا المحور.
 
والإشكال هنا في الادعاء المبدئي، الذي تستخدمه إيران بصورة ذرائعية كواحد من أدواتها العملية في خدمة مشروعها، وهو ما يستدعي تفكيك الادعاء ورفع الغطاء الشعاراتي عن الممارسات التي لا تنتسب في الحقيقة إلى تلك الشعارات، وهذه العملية تنهض في جانب منها على دوافع تحريرية (إخراج العباد من عبادة العباد)، فالتسليم بتجسيد المبادئ في كيان والعمى المطبق عن الوقائع هو نمط من أنماط العبودية واسترقاق الإنسان، وهذا النمط يتسم به قطاع واسع من أتباع إيران، وهم هؤلاء الذين لا يزالون يحاجّون عن إيران "الرسالية نصيرة المستضعفين وعدو المستكبرين"، في مغالطة للوقائع والبينات إذ تبدو علاقة هذا التابع مع المحسوسات محجوبة بما ختم على سمعه وقلبه وبتلك الغشاوة التي على بصره، فلو أنه أقر بالوقائع وتحدث عن انتسابه لمشروع خاص يبحث عن مصالحه ويتوسل إليها بالممكن لما كان ثمة إشكال، حتى لو اصطدم بمشروعه مع غيره، لأن هذه الحياة في الأساس تقوم على التدافع، بيد أن الإشكال في هذا الادعاء المبدئي الذي تدحضه الوقائع ويستخدمه لإسقاط مخالفيه والمزاودة عليهم به.
 
ورغم هذه العبودية السافرة العميّة عن الوقائع والبينات، فإن الوقائع كبيرة وصادمة إلى الحدّ الذي يحيل هؤلاء إلى عقولهم وإن كانت إحالة قاصرة، تنتهي في محاولات تفسيرية تبريرية لسلوك المحور الإيراني المتقاطع مع مصالح أمريكا وأدواتها في المنطقة، وهو التقاطع الذي بات يلتقي، في هذه المرحلة، على ضرب الإسلاميين المنتمين للتيار العام في الأمة والذي يعرف بـ "أهل السنة والجماعة"، ما يجعل إيران وأتباعها في خصومة مع الأمة في نتيجة طبيعية لتبنيها مشروعًا خاصًا مفارقًا للأمة، يستخدم أدوات شقاقية تفتيتية لا يكاد يملكها المستعمر الأجنبي كالطائفية.
 
ولو أخذنا العراق فقط كمثال للتدليل على طبيعة المشروع الإيراني؛ فإنه لا يمكن أبدًا، ومهما أوتي المرء من قدرة على التمحل والاعتساف، الاستدلال بهذا المثال على عداء إيران للاستعمار، أو امتلاكها مشروعًا لا يتضاد مع هذه الأمة، أو لا يرى في هذه الأمة عدوًا وخصمًا لها، أو لا يرى أن أي نهوض عربي إسلامي مستقل عن مشروعها ويعرف نفسه كذات لا يهدد طموحها الإقليمي، وإذن فإن المشكلة في إيران التي وضعت مشروعها في مواجهة الأمة، أو رأت في هذه الأمة عقبة أمام مشروعها، ولا يخدم هذا المشروع السياسي الإقليمي شيء بقدر ما تخدمه بنية طائفية تاريخية لا تزال قائمة تعرّف عموم الأمة بأنهم الخطأ التاريخي الذي بدأ من سقيفة بني ساعدة ولا بد من تصحيحه، وبهذا تتمكن إيران من استثمار الوعي الطائفي الشيعي لتوظيفه في مشروعها السياسي الطموح.
 
تبدو الأمور بهذا القدر من الوضوح، على الأقل من جهة الوقائع إن لم يكن من جهة التفسير، فمنذ ثلاثة عشر عامًا وأمريكا لا تضرب بجيشوها وطائراتها إلا الجماعات الإسلامية المحسوبة على أهل السنة والجماعة، وتلك الجماعات ومهما كان رأينا في الكثير من أفكارها وممارساتها فإنها الوحيدة التي قاتلت أمريكا فعلاً ولا تزال تقاتلها، وتستهدف أمريكا، ومن بعد الثورات العربية، بواسطة أدواتها في المنطقة الحركات السياسية المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين وعملت على إسقاطها وعزلها، وفي ذلك كله ظهر التلاقي المصلحي الكبير بين كل من إيران وأمريكا، واليوم يهيمن الحوثيون على صنعاء وقد باتت السفارة الأمريكية في حراستهم وهم يهتفون "الموت لأمريكا" فيما بدا كاتفاق إقليمي وجد فيه السعوديون والإماراتيون إيران أقلّ شرًا من الحركات الإسلامية السنية، بينما تتمدد المفارقة والنظام السوري، الذي بنى المحور دعايته كلها بخصوصه على مقولة المؤامرة الكونية، يعلن عن اصطفافه في خندق واحد إلى جانب أمريكا وحلفائها في التحالف الدولي الجديد كما كتبت صحيفة "الوطن" المحسوبة عليه!
 
هذه الوقائع المعروضة باختصار مخل، وغيرها مما تحول المساحة المتاحة دون عرضها، كافية بأن تحيل أتباع المحور الإيراني إلى عقولهم، وإن بصورة قاصرة تنم عن العبودية المرتبكة، فكيف تعاملوا مع ذلك كله؟ وما هي المقولات التي ينتجونها حديثًا لمواجهة انهيار الدعاية؟ ولماذا تستهدف أمريكا الجماعات الإسلامية السنية بهذا القدر من الكثافة والتركيز والإصرار والعناد؟ ولماذا تبدو إيران في تلاق مصلحي مع "الشيطان الأكبر" وبعض عملائه؟ كلها موضوعات قادمة للكتابة إن شاء الله.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي