حتى يتعافى (الاصلاح) من زلزال 21 سبتمبر !!

محمد عبد الوهاب الشيباني
الجمعة ، ٢٦ سبتمبر ٢٠١٤ الساعة ٠٦:٠٣ مساءً
 
حين خسر حزب الإصلاح مواقعه القيادية التي شغلها في حكومة ما بعد حرب 1994، بفعل انتخابات ابريل 2007، ، بدأ صوت مختلف يحضر في خطابه ، باحثاً عن ممكنات تقديم صورة مختلفة، عما كرسه شيوخ الفتوى والمال والقبيلة والعسكر في الاذهان عن الحزب.
 
هذا الصوت عبَر عن نفسه اولا من خلال الاتجاه الصحافي الشاب، في صحيفة الصحوة التي شهدت بلوغ مجموعة من الصحافيين الشبان الى مواقعها التحريرية الاولى، وتزامن ذلك مع ظهور المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية، الذي اصدر مجلة نوافذ التي حاولت ايصال الصوت الثقافي والفكري المختلف من داخل الحزب ومن خارجه.
 
في هذه الاجواء، بدأت الخيوط الاولى، التي مدها حزب الاصلاح الى احزاب المعارضة السياسية، وبدأت من خلال مجلس التنسيق وانتهت بإطلاق اللقاء المشترك ، مع احزاب مثَل بعضها ولسنوات طويلة خصوم له، مثل الحزب الاشتراكي الذي خاض الاصلاح ضده حروب اعلامية تكفيرية مخيفة، قبل حرب جائحة الجنوب في صيف 1994 التي اثرت عميقاً في الحزب الاشتراكي وحاضنته الجنوب، وكان الاصلاح بملشياته واعلامه رأس الحربة في هذه الحرب القذرة.
 
من خلال اللقاء المشترك، حاول الاصلاح تقديم وجه اخر، من خلال المعارضة السياسية للنظام مع خمسة احزاب اخرى ذات توجهات قومية ويسارية ودينية، لكن هذا التوجه لم يكن يعبِر الا عن الصوت الاضعف في الحزب، الذي كان يحاول التخلص من حمولة الاجنحة القوية (القبلي والعسكري والديني) التي كان يرى فيها معيقاً لتحولات الحزب السياسية.
 
و في الوقت الذي كان هذا الاتجاه يجاهد لتقوية هذا الحضور، كانت رؤوس هذه الاجنحة لم تزل جزءا من تركيبة النظام الفاسد، بل وفي الدائرة الاضيق لصنع القرار، اذ لم يكن قد رحل عن دنيانا (الشيخ الاحمر الاب)، ولم ينشق (علي محسن) ولم ينزل (الزنداني) الى الساحة لمنح شبابها المغدور بثورتهم براءة اختراع (فالصو). 
 
وحين دخل بكل ثقله في 2011 في التسوية السياسية ـ المبادرة الخليجية ـ التي مثلت المخرج الآمن للرئيس علي عبد الله صالح ـ كان الحزب بتركيبه العجيبة يحضر مثل الجائع الاعمى، فوق كعكة السلطة التي اقتسمها (الفرقاء)الجدد .
 
في هذا الوضع الملغوم ، والذي حاول الساسة الشرهون للحكم تجميله بوسائل قاصرة، وترقيعات ورقية، كان الاصلاح والاطراف المشاركة فيه يذهبون باللغم الكبير الى لحظة الانفجار. 
 
فخلال ثلاثة اعوام تقريباً، تم التحكم بالفضاء العام لصالح اطراف التوافق ( النظام بمراكز نفوذه التقليدية الدائمة ) التي لم تشبع افواهها المفتوحة، ومعدها الشرهة كعكة التقاسم، التي تحولت بمرور الوقت الى جثة منتفخة، تفعل بها السكاكين الصدئة للساسة الجوعى فعلها الاخرق المذموم، تاركة للشعب المغلوب على امرة، فوائض الويل، بغير امن ولا خدمات اساسية (كهرباء وقود) ولا امل .
 
في ظل هذا الوضع المزري، كانت هناك قوى فتية شابة ـ مستبعدة ـ تحمل مظلومية ستة حروب، تلعب بذكاء فارط في بناء قدراتها العسكرية، وتقوية خطاب استقطابها بهدف الحلول بشكل كلى محل الاطراف الشائخة في السلطة ـ التي تحولت بمرور الوقت الى نمور ورقية لا تستطيع حتى الذود عن نفسها، ولا عن سلوكها الاهوج. 
 
وفي طريقها الشاق تخلصت ـ بالحق والباطل ـ من كل خصومها الدينيين (يهود ال سالم) والمذهبين (سلفيي دماج) والقبليين (مشائخ ال الاحمر في حاشد)والعسكريين (حلفاء علي محسن في الشمال ) ، قبل ان تصل الى تخوم العاصمة مطبقة الحصار عليها من كل الاتجاهات في اغسطس الماضي ـ بعد تطهير كل المناطق المحيطة بها من حلفاء الاصلاح القبليين ـ مستغلة تذمر الناس من القرار الغبي، الذي اتخذته الحكومة والرئاسة برفع اسعار المشتقات النفطية، والذي كان الذريعة للتصعيد الحوثي، الذي وصل ذروته في اشعال شمال العاصمة واسقاط اخر معاقل حلفاء حزب الاصلاح (الفرقة الاولى وجامعة الايمان)، بتنسيق واضح مع قادة وجنود موالين للرئيس السابق، وفي مساء الاحد 21 سبتمبر كانت المليشيات قد استباحت العاصمة وفعلت فعلها المدان في السلب والنهب بعد انهيار مريب ومريع للأجهزة الامنية والعسكرية!!
 
في هذه اللحظة الكابوس تعرى تماماً حزب الاصلاح من كل حلفائه (القبلين والعسكريين والمتشددين) الذين لم يكونوا اكثر من فزاعة قماشة، تبددت مع اول هبة قوية اطلقها خصومهم.
 
الخطاب المنكسر لقياداته، والمناشدات التي اطلقوها لاستمالة شهامة ونخوة قادة المليشيات، ابرزت الصورة الضعيفة لحزب ظل لقرابة ربع قرن ـ منذ تأسيسه في سبتمبر 1990ـ جزء من بنية السلطة، ويتقوى بمواردها وأدواتها واجهزتها، حتى تحول في اذهان معارضيه وانصاره على حد سوى الى غول مفزع، قبل ان تتبخر مثل هذه الحالة امام مد القوة الفتيتة الطالعة من ثنايا اللحظة بكل مفارقاتها وجنونها.
 
التعويل الان على الصوت السياسي الشاب ـ المتخفف من حمولة مراكز النفوذ فيه من مشايخ القبيلة والدين وتجار الوهم الذين اضروا الحزب كثيراـ لإعادة ترتيب وضع الحزب بالاشتغال على ادوات السياسة دون الدين. 
 
المراجعات الفكرية والسياسة لتجربة الحزب وخطابه، هي الخطوة الاولى في اعادة ثقة الشارع في الحزب ،الذي استطاعت الالة الاعلامية لخصومه تعبئته بالحق والباطل، مستغلة في ذلك نهم وجشع قياداته والمؤثرين في قراره السياسي، الذين تركبهم غرور السلطة وصلفها الاهوج في السنوات الثلاث المنصرمة، في ابتلاع كل ما وصلت اليه اياديهم. 
 
دعوة بعض من قياداته اعضاء الحزب الى العودة الى المجال الدعوي والارشادي وميادين التربية والالتحام بقضايا الناس، هي خطوة من خطوات المراجعة، وان اقتضى الامر الاعتذار عن المشاركة في حكومة الشراكة الوطنية، المزمع تشكيلها بقوة ارتدادات زلزال الحادي والعشرين من سبتمبر .
 
على القوى السياسية جميعها ـ بما فيها انصار الله ـ مد يد العون لحزب، لم تزل العملية السياسية بحاجة الى خبراته، ومخزونه البشري، الذي لا نريد ان يفرغ مكبوتاته خارج التنافس السياسي .
الحجر الصحفي في زمن الحوثي