حجة.. وجهة الحوثيين بعد صنعاء

خيرالله خيرالله
الاربعاء ، ٢٤ سبتمبر ٢٠١٤ الساعة ٠٦:٥٤ صباحاً
 
لعلّ أهمّ ما في الاتفاق الذي وقّعه الحوثيون، أي “أنصار الله” مع الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي اعتراف الأمم المتحدة بهم، بصفة كونهم ندّا للدولة اليمنية. هناك الدولة اليمنية ممثلة بمؤسساتها، أو ما بقي منها، وهناك “أنصار الله” يفاوضون الدولة من موقع قوّة.
صحيح أن معظم الأحزاب اليمنية وقّعت الاتفاق عبر ممثلين لها، في حضور الرئيس الانتقالي وممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر، لكنّ الصحيح أيضا أن الاتفاق هو نتيجة مباشرة لاجتياح الحوثيين لصنعاء، على غرار غزوة ميليشيا “حزب الله” لبيروت والجبل الدرزي في السابع والثامن والتاسع والعاشر من آيارـ مايو 2008.
 
لم تجد تلك الغزوة أيّ مقاومة من مؤسسات الدولة اللبنانية، لا من قوى الأمن ولا من الجيش. ما حصل في بيروت، حصل في صنعاء أيضا، بفارق ست سنوات وأربعة أشهر. في العاصمة اليمنية أيضا لم يوجد من يقاوم الحوثيين عندما سيطروا على مبنى الإذاعة والتلفزيون ومقر رئاسة الوزراء ومجلس النوّاب ووزارة الدفاع والبنك المركزي، كما طوّقوا وزارة الداخلية…
 
أوجد “أنصار الله” توازنا جديدا على الأرض. بات على الذين لم يفهموا في البداية معنى سيطرتهم على مدينة عمران، وقبلها على معاقل آل الأحمر في المحافظة، في تموز- يوليو الماضي، أن يفهموا الآن أنّ الحوثيين صاروا شركاء في القرار اليمني على كلّ المستويات، خصوصا في مجال تشكيل الأجهزة الأمنية والعسكرية.
 
ما فعلوه في مدينة عمران ومحيطها، حيث قضوا على زعامة آل الأحمر لحاشد، وهزموا الإخوان المسلمين، وشتّتوا اللواء 310 التابع للواء على محسن صالح الأحمر وقتلوا قائده العميد حميد القشيبي، يعطي فكرة عمّا يريده الحوثيون. أحلّوا مكان اللواء 310 قوات موالية لهم، وخلافا لما وعدوا به لم ينسحبوا من المدينة ذات الأهمّية الاستراتيجية. على العكس من ذلك عزّزوا وجودهم فيها وفي المناطق المحيطة بها.
 
هل في استطاعة الحوثيين، في المدى الطويل، ابتلاع لقمة اسمها صنعاء التي لم يواجهوا فيها مقاومة تذكر؟
 
قد لا يكون هذا السؤال في محلّه لسبب في غاية البساطة يعود إلى أنّهم حققوا سياسيا ما يريدونه. استقالت، أخيرا، حكومة محمّد سالم باسندوة التي كانت حكومة “وفاق وطني” تضمّ موالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح من حزب المؤتمر الشعبي العام، ومعارضين له من الذين ثاروا عليه بقيادة الإخوان المسلمين ورموزهم مثل الشيخ حميد عبدالله الأحمر واللواء علي محسن الذي كان حتى السنة 2010 من أعمدة النظام القائم على معادلة “الشيخ والرئيس”. كان في أساس المعادلة تلك، التفاهم بين مشائخ حاشد (آل الأحمر) من جهة، والرئيس اليمني وشبكة العلاقات الواسعة التي أقامها من جهة أخرى.
 
لم يكن باسندوة موفّقا لا في توقيت استقالته، ولا في البيان الذي أصدره والذي وجّه فيه اللوم إلى الرئيس الانتقالي وممارساته. فباسندوة، المرتبط بالشيخ حميد الأحمر والإخوان المسلمين، كان عليه الاستقالة باكرا بعدما فقدت حكومته علّة وجودها قبل أشهر عدّة. فضلا عن ذلك، كان عليه انتقاد عبد ربّه منصور عندما كان لا يزال الانتقاد يجدي، أي قبل أن يضطرّ الرئيس الانتقالي للرضوخ إلى الحوثيين الذين اقتربوا من مقرّ إقامته وصاروا على مرمى حجر منها.
 
في كلّ الأحوال، دخل اليمن مرحلة جديدة لا علاقة لها بالماضي. وَقّع “أنصار الله”، وهم مرتبطون عضويا بالمشروع الإيراني في المنطقة، الجانب الذي يعجبهم من الاتفاق ورفضوا توقيع الجانب العسكري والأمني. لم يعد في الإمكان تشكيل حكومة يمنية من دون رضاهم. لم يعد في الإمكان إجراء تشكيلات عسكرية من دون موافقتهم. أكثر من ذلك، صار “الحراك الجنوبي” الذي يدعو إلى الانفصال والذي لديه ارتباط بهم من بين الذين يمتلكون كلمة في تسمية الوزراء.
 
أمّن “أنصار الله” وجودا سياسيا وعسكريا ثابتا في صنعاء، التي بات مطارها والقاعدة الجويّة الملاصقة له تحت سيطرتهم، وذلك كي ينصرفوا إلى الأهمّ. والأهمّ لا يقتصر على الاعتراف الدولي، عبر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بوجودهم، بمقدار ما يعني قيام كيان خاص بهم لديه منفذ بحري هو ميناء ميدي المطلّ على البحر الأحمر والواقع في محافظة حجّة.
 
تبدو حجّة الوجهة المقبلة لـ”أنصار الله” وذلك من باب “تطبيق مخرجات الحوار الوطني”.بالمفهوم الحوثي، يقتضي ذلك إعادة النظر في خريطة الأقاليم الستّة القائمة في إطار “الدولة الاتحادية”. يريدون بكلّ صراحة وببساطة، ليس بعدها بساطة، أن يضمّ إقليمهم المحافظات اليمنية التي فيها الزيود.
 
تكمن أهمّية حجّة في أنها ترمز إلى الوجود الزيدي، إذ منها آل حميد الدين والمتوكّل وكلّ الأسر الهاشمية الكبيرة الأخرى مثل المداني وشرف الدّين والكحلاني، على سبيل المثال وليس الحصر. يسعى الحوثيون إلى استغلال الرابطة القائمة بين العائلات الهاشمية، التي لا يمكن الاستخفاف بأهمّيتها في اليمن، إلى أبعد حدود. بكلام أوضح، يسعى “أنصار الله” إلى إخراج الإخوان المسلمين نهائيا من المناطق الزيدية، بعدما سعى الإخوان والسلفيون في الماضي إلى اختراقها. يفعلون ذلك خدمة لأغراض سياسية تصبّ في خانة إقامة كيان خاص بهم قابل للحياة ولديه حدود طويلة مع المملكة العربية السعودية. يندرج ذلك في ما يمكن اعتباره اختراقا إيرانيا كبيرا لليمن على غرار الاختراق الذي حصل في لبنان، والذي عملت عليه طهران وما زالت تعمل منذ ما يزيد على ثلاثة عقود.
 
في لبنان خطف “حزب الله” الطائفة الشيعية وغيّر طبيعة المجتمع الشيعي، بأكثريته طبعا. وحاول بعد ذلك، من دون تحقيق نجاح يذكر، تغيير طبيعة المجتمع اللبناني المتمسّك بثقافة الحياة والانتماء العربي للبلد.
 
في اليمن، يعمل “أنصار الله” على وضع الزيود تحت جناحهم تمهيدا لخطفهم وتغيير طبيعة الطائفة في كل مناطق وجودها في اتجاه جعلها اثني عشرية. لا بدّ من الاعتراف بأن المناطق التي ينطلق منها الحوثيون، في مقدّمها محافظة صعدة، عانت تاريخيا من ظلم كبير ومن كلّ أنواع الحرمان… ولكنّ، هل يبرّر ذلك الدخول في مشروع مرتبط مباشرة بإيران في منطقة حسّاسة على غير صعيد؟
 
لا تعود أهمّية اليمن إلى وضع معرقلي التسوية السياسية فيه تحت البند السابع لأحد قرارات مجلس الأمن فحسب، بل هناك أيضا سببان يجعلان من البلد، ذي التركيبة القبلية المعقّدة، محطّ أنظار العالم المنشغل في أيّامنا هذه بــ“داعش” وتمدّدها في سوريا والعراق وتهديدها للبنان والأردن.
 
يعود السبب الأوّل إلى الأهمية الاستراتيجية لليمن الذي لديه شاطئ طويل يمتد من بحر العرب إلى البحر الأحمر ويتحكّم بباب المندب. أما السبب الآخر فهو وجود “القاعدة” في مناطق عدّة من اليمن ذي الأكثرية الشافعية. ماذا إذا حصل صدام بين إرهابيي “القاعدة” و“أنصار الله”؟ هل يكفي أن تكون لدى الحوثيين اختراقات وارتباطات في الجنوب والوسط، كي يتفادوا مواجهة مباشرة مع عناصر “القاعدة”؟ قد لا يستسلم اليمن لـ”أنصار الله” وإيران بالسهولة التي يظنّها هذان الطرفان.
 
 
إعلامي لبناني
الحجر الصحفي في زمن الحوثي