عودة «الذاكرة» إلى قناة اليمن

كتب
الجمعة ، ٠٣ أغسطس ٢٠١٢ الساعة ٠٤:٢٢ صباحاً

 

بقلم: مصطفى راجح

طوال سنوات حكم صالح ونظامه كان تغييب الذاكرة توجهاً أساسياً في آليات عمل النظام ، وبدا تاريخ اليمن وكأنه يبدأ في لحظة صعود «فريد زمانه » الى واجهة المشهد ، تاريخ مقطوع الصلة بما قبله ، إذ يتوارى الرؤساء السابقون والساسة والأحداث التي تقع قبل اليوم الفاصل ،تتوارى في الظلام ولا مجال لتناولها في الإعلام العام أو تمحيصها وأعمال النقد والدراسة والتمحيص لمعطياتها وغربلتها وتدوينها التشديد على إسدال الستار على الأشخاص والرموز فعل لايستهدف الماضي فقط بقدر ما يهدف إلى مواجهة المشاريع السياسية التي كان يشكلها هؤلاء وبفتح قناة اليمن ،هذا الباب المغلق من خلال ظهور صورة الحمدي وسالمين وفي الطريق غيرهم من مفردات التاريخ المحظور ، فهي فتحت في نفس الوقت باب النقاش العام حول تغييب الذاكرة الذي تعرضت له اليمن ، في محاولة لاستكمال السيطرة على الماضي وإعادة صياغته من جديد بعد أن كان النظام قد استكمل السيطرة على الحاضر وتوهم أنه وصل إلى نهاية التاريخ ولا صورة لليمن غير صورته المعممة في الشاشة والمذياع والشارع والصحيفة والبوافي والمطاعم ، في تضخم يمضي في علاقة عكسية مع صورة اليمن بلداً وتاريخاً ، فكلما تضخمت صورة الزعيم ، تضاءلت صورة اليمن وتاريخها وشعبها وكأن كل شيء مقطور إلى بسمته الفارطة وربما كانت الصورة المعبرة عن توقيع اتفاقية الوحدة التعبير الأكثر قماءة عن عقلية القص والحذف التي تعامل بها النظام مع اليمن وتاريخه وأحداثه ، إذ يظهر الزعيم الأوحد كمن يوقع الوحدة مع نفسه بعد أن تكفل المقص بعلي سالم البيض ، وتكفل شبكات النظام بالباقي على أرض الواقع من طمس لأسماء المدارس والشوارع وإمحاء الذاكرة بشكل منظم ، وحتى قناة عدن وصل إليها مقص الرقيب في حماقة أثارت حينها ضجة وجدلاً واسعاً ، هذا الاندفاع المحموم الذي أقدم عليه نظام الزعيم الآفل ودولته ، لم يقتصر على تغييب الذاكرة والصورة ، بل تعداه إلى إعادة كتابة التاريخ وأحداثه وفق ميزان سيطرته آنذاك وبأيدي موظفيه،ولعل تزوير أحداث حصار السبعين وتزييف وقائعها وتغييب أبطالها والقوى الوطنية التي سطرت ملحمتها مثال صارخ على حمق العهد وبجاحته وتجرؤه على تاريخ اليمنيين بعد أن اختطف حاضرهم وثرواتهم وصادر مستقبل أطفالهم ، لقد احتفى النظام بمذكرات حسين المسوري الذي كان هارباً مع آخرين من « كبار القادة» خارج اليمن خوفاً وهرباً من سقوط صنعاء الذي رأوه مؤكداً ، ورآه البطل عبدالرقيب عبدالوهاب ورفاقه من صغار الضباط مستحيلاً ، ورفع هؤلاء الشعار الشهير « الجمهورية أو الموت » ودافعوا عن صنعاء وانتصروا للجمهورية والثورة ، وعاد « القادة ! » الفارون من الشقق المفروشة في القاهرة وسوريا والجزائر ليتآمروا على أبطال السبعين ويسحلوهم في شوارع العاصمة التي دافعوا عنها ؛ في الأحداث المشؤومة المعروفة بأحداث أغسطس ، وبعدها بأكثر من عقدين استمر القتل بمحاولة تزييف التاريخ بواسطة المذكرات التي تفوح منها رائحة الطائفية القذرة ضد بطل السبعين ..في المحصلة تثبت الأحداث أن التاريخ الحقيقي يكتبه الناس العاديون ، الناس الذين أطاحوا بأسطورة الزعيم الملهم ، وفتحوا الباب مجدداً لإعادة الاعتبار لتاريخهم وأبطالهم ورموزهم ، تخليداً للذكرى في بلد أريد له أن يكون بلا ذاكرة ...

الجمهورية

الحجر الصحفي في زمن الحوثي