خريطة طريق في إحياء اقتصاد ميت سريرياً !!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
السبت ، ٢٣ أغسطس ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٥٥ مساءً

أنا مُتأكد أنكم قد قرأتم هذا العنوان من قبل و ستظلون تقرأونه أيضاً إلى أن ترحلوا من هذه الدنيا بعد عُمر طويل إن شاء الله من دون ان ندرك ان خطط تطوير الاقتصاد الفعّالة عن طريق طفرة نفطية او استجداء المساعدات تظل وهم شكلاً و موضوعاً. فلا جديد على الإطلاق غير كثرة المؤتمرات و النقاشات و اللقائات و قبل ذلك صراع الاوهام و المظاهرات و الاعتصامات، و التي لن ترفد اقتصادنا الوطني اليوم او غدا او بعد أمد بدولار واحد. 

و من الاخر و من دون لف او دوران, اليمن لن تكون دولة نفطية في القريب مهما كثرت احلامنا بوجود ابار نفط هنا او هناك. فالنفط في الجوف او حتى على مقربة من الحدود لا يوجد الا في مخيلاتنا كما يبدو "اعتمادا على ما قرأته و استنبطه من نقاشي مع وزير النفط السابق". فعن قيمة النفط المستورد فانها في الوقت الحالي تفوق عائدات الصادرات النفطية كما تشير الاحصائيات الرسمية و ذلك كمن يكون لديه بئر ماء و يشتري من الدكان في حارته مياه معدنية للإحتياجات المنزلية مما يراكم الديون عليه. 
و حتى ندرك ما اقصد فقد بلغت حصة الحكومة من عائدات صادرات النفط خلال الفترة من يناير - نوفمبر 2013م مليارين و472 مليون دولار، منخفضة بمقدار 619 مليون دولار عن الفترة المقابلة من عام 2012م و البالغة ثلاثة مليارات و91 مليون دولار . و بسبب الاعتداأت المتكررة التي يتعرض لها أنابيب النفط أجبرت الحكومة على استيراد مشتقات نفطية من الخارج لتغطية احتياجات السوق المحلي من الوقود حتى تعوض النقص الناجم عن ذلك و الذي تراجع إلى 17 مليون برميل منذ بداية العام الماضي حتى نوفمبر .

هذا و قد بلغت قيمة ما استوردته الحكومة من المشتقات النفطية مليارين و679 مليون دولار خلال الفترة من يناير ـ نوفمبر 2013م و هو مبلغ يزيد عن إجمالي ما جناه الاقتصاد اليمني من عائدات صادرات النفط خلال ذات الفترة بمقدار 207 ملايين دولار . انا هنا لم اتحدث عن فساد قطاعات النفط من غيره او عن رفع الدعم عن المشتقات النفطية و التي يجب ان تاخذ بالاعتبار ان ذلك قد يؤدي الى وصول مشتقات النفط في السوق المحلي الى السعر العالمي و بذلك يفتح الباب امام استيراد النفط السعودي بأسعار اقل مما ينتج مشكلة اكبر في قطاعنا النفطي. و الاقرب الى الواقع ان اليمن قد تكون دولة غازية محدودة حيث و أن هناك 51 بئر جاهزة للانتاج و لكن بعد استقرار الامن كشرط رئيسي.

و بدلا من صراع الاوهام و انتظار الطفرات و الحديث عن الجرعة وجب التركيز على الصادرات الاخرى ذات القيمة العالية و التي يمكن أن تغطي قيمة كبيرة في الاقتصاد الوطني كالبن و العسل و الفواكه الصلبة و القطن و الجلود و الأسماك كمحور اضافي. فازيادة إنتاج البن مثلا إلى 50 الف طن كان و لا زال ممكن كما كان في بدية القرن الثامن عشر بدلا من 14 "و في احصائيات اخرى 18" الف طن في الوقت الحالي يخصص منها ثلاثة ارباعه للتصدير إذ من المؤكد حينذاك أن العائدات ستتجاوز 750 مليون دولار حيث يعتبر البن اليمني من اغلى الأسعار و يتجاوز سعر الكيلو منه 22 دولار. و هذا ممكن من خلال عمليات الإرشاد و الحقول الزراعية و مد المزارعين بأنواع حديثة و ممتازة من الأصناف ضمن خطة لتعزيز و رفع قيمة الإنتاج النباتي و جعله يرتفع بالصادرات إلى مستوى اكبر و تنفيذ و بناء سدود إضافة لخزانات مياه و انشاء مشتلا للبن لتوفير الشتلات الجيدة ذات الأصناف الممتازة. ولا اريد هنا ان اعرج على المنتاجات الزراعية الاخرى.

اما عن رافد اخر فهو القطاع السمكي و التي يعتبر من القطاعات الانتاجية المهمة في يمننا و بالذات اذا ادركنا أن المخزون السمكي يسمح باصطياد أكثر من 450 ألف طن سنوياً دون أن يتأثر هذا المخزون . لكن مع الاسف كانت كمية صادرات البلاد من الأسماك و الأحياء البحرية 109 آلاف طن و بقيمة 299 مليونا دولار خلال العام 2013 فقط. اى انه من الممكن ان نرفع صادرتنا هنا الى اكثر من ثلاثة اضعاف اى اكثر من مليار دولار من دون معوقات و بستثمار 48 مليون دولار فقط في الصيد و الحماية و التدريب و التعبية و التوزيع و قبلهما التأهيل الشامل.

اما عن رافد اخر و مهم وغير مدرك فهو قطاع السياحة حيث ان لها تأثيرات متعددة في الاقتصاديات المتجددة، و هي تبدأ من تعظيم النمو الاقتصادي و الدخول و حصيلة النقد الأجنبي و العمالة حتى تحسين الهيكل الاقتصادي. و برغم من أن السياحة تمثّل أكثر من 8% من الناتج العالمي لم تبرز أهمية الجوانب الاقتصادية لقطاع السياحة في اليمن, برغم من توفر البيئة الطبيعية لليمن,و بالاضافة لتوفر التراث التاريخي و الثقافي في اليمن و الذي يحدّد جاذبية البلد للسياحة بشكل عام. فالصناعة السياحية تعتبر ركيزة اساسية في الاقتصاد و هي غير مُدركة و مهملة في يمننا و قد تكون اهم من الثروات النفطية ان احسن التخطيط بعد توفر الامن. 
فمدينة ادنبرة مثلا دخلها من السياحة اكثر من 5 مليار دولار في فترة الصيف فقط و هي ليست افضل مما لدينا و اسبانيا اقتصادها مبني على شوطئها و جزرها و التي ليست اكبر من شواطئنا و لا اكثر من جزرنا. لذا يجب ان تشجّع الحكومة المحافظات او حتى الاقاليم و المدن على حماية معالمها التاريخية و العمل على توفير اساسيات الصناعة السياحية من فندقة و مطاعم و اماكن ترفيهية و ثقافية بالتعاون مع القطاع الخاص و الاعلام و ان تبذل جهودًا كبيرة و منتظمة لحماية المدن و القرى و المناطق الأثرية التراثية الجمالية و خاصة ذات الأهمية التاريخية و الفنية و الجزر. لذى يعتبر التخطيط طويل الأجل و السليم شرطً أساسيًّ , فهل نعي ذلك على الاقل لإقامة توازن بين السياحة الموسمية من ابنائنا المغتربين على الاقل "او غيرهم" و الدائمة طويلة الامد بعد استتاب الامن و تحسن رصيدنا الامني و السياحي في سوق السياحة العالمية, لكي تصبح السياحة نشاطًا إنمائيًّا قابلاً للاستمرار و الذي في نظري إحتماليات تحقيقه و الاستفادة العامة منه اكثر واقعية من اوهام الثروات النفطية او من سياسة الاحتفال بعقد القروض و استجداء المساعدات تحت مسميات مختلفة او الحديث عن تغير الحكومة و الجرعة و التي لا تبني دولاً و لا تضمن استمرارها . 
اما الاستثمارات العقارية فهو رافد ايضا مهم جدا كان يجب الاهتمام به لاسيما و ان الاستثمارات العربية في مجال العقارات في عام 2013 م تعدة حاجز ال 150 مليار دولار في اوربا كان امكانيات استقطاب جزء منها وارد بسبب طبيعة بلدنا الخلابة و شوطئنا الطويلة و جزرنا التي تتجاوز 182 جزيرة ان توفرة دولة النظام و القانون . اما عن اموال المغتربين لم اسمع احد يتحدث عنها و التي تتجاوز مابين 100 الى 200 مليار دولار و لم نفكر حتى الان في استقطاب جزء بسيط منها و لو من باب الاستثمارات المحصورة كعقارات خاصىة. و قائمة الامكانيات في اليمن لا تكاد تنتهي.

و مختصر الامر اليمن يعيش على القروض و المساعدات الخارجية فالعجز في الميزان التجاري كبير و خطير للغاية في ظل إستمرار النزاعات و الصراعات بين مختلف القوى السياسية ، و قد بلغ العجز التجاري 4,2 مليار دولار أي بزيادة سنوية قدرها 1,8 مليار دولار، وهو ما يعني أن الحكومة ستلجأ للإستدانة عبر إصدار أذونات خزانة و الإستدانة من الخارج ، و بالتالي فإن الإقتصاد اليمني سيظل في وضع حرج للغاية مالم تعمل الحكومة على زيادة الصادرات وتنمية و تشجيع الصناعات المحلية و تشجيع زراعة المحاصيل و الحبوب بهدف تقليل الإعتماد على الواردات من الخارج و تشجيع السياحة و الاستثمارات العقارية. فهل هناك خطط فعالة غير الحديث عن طفرات نفطية او قروض او استجداء الخارج او الجرع. ففي أحيان قليلة يمكن انعاش اجهزة الدولة عن طريق القروض و المنح الخارجية و الجرع و إحياء اقتصاد ميت سريرياً إذا لم تتفكك المنظومة الأمنية و هياكل البنية التحتية و لكن لا يكتب البقاء لذلك.!!!!!

الحجر الصحفي في زمن الحوثي