الاحصنة العرجاء لا تصنع فارساً نبيلا ًيا فخامة الرئيس!!

محمد عبد الوهاب الشيباني
الأحد ، ٢٩ يونيو ٢٠١٤ الساعة ٠٤:٤٦ مساءً
 
الظرف الذي اوصل عبد ربه منصور هادي الى موقع الرجل الاول في الدولة  في فبراير 2012 ،  لم يكن هيناً ، ولم تزل تداعيات زلزاله كموجات ارتدادية تفعل بحياتنا فعلها القاتل .
 
التركة الثقيلة لسنوات ما قبل العام 2011، ومترتبات ما بعدها  لم تكن محصورة في موقع الرجل الاول في بلاد منخورة ، لا يفصلها عن التلاشي سوى قليل من العصف والبارود ، بل ومفتوحة ايضاً على كل اشتهاءات اللاعبين الاقليميين ودُماهم التي يحركونها في الداخل  للإحراق كيفما ووقتما  شاءوا .
 
الرجل الذي بُرر له امساك العصا من المنتصف في بديات حكمه بوصفه رئيساً توافقياً  ، و توجب عليه الوقوف على مسافة واحدة من كل اطراف التنازع ، علقت عليه كل الآمال لإخراج البلاد من دوامة الفوضى والانقسام بين جيشين واكثر من رأس متحكمة  فيه ، رؤوس تبحث عن نصيبها من الكعكة  ، لهذا رأينا كيف تجسدت المحاصصة في تقسيم السلطة والثروة بين اطراف لم تكن في وقت من الاوقات بعيدة عنها ، ولم تكن بمعزل عن الحلقات الضيقة لصنع القرار ، وما فرض مثل هذا المنطق الاهواج تلك التعارضات الحادة التي اوجدتها المساحات التي يلعب عليها الفرقاء واهمها ثنائية الشرعية والقوة .
 
فالرئيس المُستفتى عليه بإجماع كل الذين ذهبوا الى مراكز الاقتراع امتلك كل شرعية الحكم ، غير انه كان منزوع القوة اذ بقى التحكم بإدارة المؤسسات العامة وعلى رأسها الجيش  يتم من قبل نافذي الرئيس السابق ، ومن قبل خصومه الذين انشقوا عنه . اما الشكل الموازي للقوة العسكرية ، ونعني هنا المليشيات المسلحة فقد تحكم بها طرفان مؤثران في عملية التسوية (الاصلاح والحوثيون ).
 
لهذا توجب على هادي البحث عن مخارج لتفكيك هذا الوضع ، فكان ان اصدر حزمة من القرارات العسكرية في ابريل 2012 ابعد بموجبها  قادة عسكريين محسوبين على الرئيس السابق ومنهم اشقاء له ، وهذه القرارات فعلت فعلها ولم تمرر الا بضغوط دولية شديدة  ، وشهدت عملية اصدارها تمردات بالجملة ابرزها تمرد قائد القوات الجوية  محمد صالح الاحمر (شقيق صالح) ،  وقائد اللواء الثالث حرس جمهوري  طارق محمد عبد الله صالح(اين شقيق صالح).
 
هذه القرارات افضت الى خلق حالة محاصصة عجيبة بين الرئيس وقائد الفرقة الاولى مدرع الذي سيتحول الى مستشاره الامني في ابريل 2013 ، بموجب محاصصة ثانية اذ عمد الرئيس الى تمكين قادة عسكريين محسوبين عليه في مواقع مهمة ، مقابل تعيين مقربين من علي محسن وجماعة الاخوان من تركة  (الرجل المخلوع) ، وكان الهدف منها بدرجة رئيسية خلق لحظة ممكنة للقوة يستند عليها، الذي وجد نفسه  محشورا في زاوية الابتزاز ، من قبل مراكز النفوذ العسكري والقبلي ، التي بدأت تعاظم من نفوذها مستغلة الغياب الكلي للدولة التي عملت  هذه المراكز على مصادرتها ابان وجودها  في قلب  القرار خلال لسنوات طويلة .
 
فترة المد الاخواني  في المنطقة بين 2012 و2013 كان تأثيرها واضحاً في شكل الترتيبات التي تمت في المواقع القيادية للدولة ،اذ قدمت الجماعة بتحالفاتها القبلية والعسكرية نفسها بوصفها الوريث الاوحد للتركة المتناثرة لمنظومة الحكم السابقة  ـ من باب اشتفاع الحق في الورثة من الاخ الاكبر ـ  وهذا التكالب الفج اتاح لقوى اخرى طالعة من ثنايا الحرب والفوضى ان تقدم نفسها كبديل لجميع المتكالبين على الثروة والسلطة ، لهذا لم يكن تعاظم قوتها وتمدداتها الجغرافية مستغربا ، فحمولاتها من الفساد وتراكماته لم تكن بثقل حمولات خصومها الذي تساقطوا تباعاً امام سيلها العارم المتشكل من المقاتلين الشبان المتعصبين في مناطق الشمال على وجه الخصوص.
 
في هذه الفترة رأينا كيف كانت تربيطات مركز الحكم مع مثلث (انقرة /القاهرة/ الدوحة ) ، حتى وان بدت استعداءت طهران في الخطاب الرسمي تكتيكاً لخطب ود الرياض ، التي اظهرت وجها باردا  لصنعاء ولم تزل ، وبدأت بالتخلي تباعاً عن حلفائها التاريخيين في شمال البلاد في رد فعل واضح ، مكن الحوثيين من التوسع في هكذا مساحة. المثلث الذي ستوجه له الضربة المميتة في مطلع يوليو 2013 ، حين تمت الاطاحة بمحمد مرسي وجماعة الاخوان  من حكم اكبر دولة عربية واكثرها تأثيراً، بدعم واضح من الرياض وحلفائها الاقربين.
 
 هذا الزلزال سيدفع الرئيس الى  البحث  عن منافذ جديدة لترميم علاقاته مع الطرف المحسوب عليه  سياسياً وتنظيمياً (المؤتمر الشعبي العام) ،  وهذا الاخير الذي وجد في وضع مصر موضوعاً للمزايدة الاعلامية وللتشفي السياسي وكأن انتفاضة  الثلاثين من يونيو الشعبية  من صنائعه ، لهذا رأينا كيف تعرض الرئيس  للضغوط من صقور المؤتمر ، وكان اكثرها تعييناً ووضوحاً ما حدث في مؤتمر الحوار الوطني ، حين عمدوا الى تمرير اكثر الموضوعات  جدلاً من بوابة الابتزاز والتعطيل ايضاً.
 
الاذعان لهذا السلوك جعل من استضعاف الحاكم ، لازمة خطابية وسلوك تحشيدي ، انطلقت مع الترويج لحملة (14 يناير 2014) ولم تنته بحملة  احراق الاطارات  او ما عرفت شعبياً بحملة (تواير عفاش وسلامه) ، التي افصحت عن النية المريضة لاستعادة الحكم من بوابة الفوضى.
 
الاتجاه جنوباً واحدة من التكتيكات  التنفيسة  للرئيس (المكبل )  الذي يحاول بعملية تقريب مجموعة من الرموز (التاريخية)غير المؤثرة  في الحراك ،  اقناع الشارع ان خيوط اللعبة شمالاً وجنوبياً لم تزل  بيده ، وهو امر ليس متحققا بقوة التأثير  السياسي ـ الا من باب الاشتغال على قوة القصور في تعارضات الفرقاء في الشمال والجنوب تماماً كما كان يفعل سلفه المتمرس على هكذا  بهلنة ـ
 
اثبتت  ايام العامين والنصف المنقضية ان رهانات مركز الحكم على (الاخوان وحلفائهم الباحثين عن السلطة غير المنقوصة على حساب الكل) و(صقور المؤتمر الحالمين باستعادة السلطة من بوابة الابتزاز والفوضى ) و (استجلاب الاسماء غير المؤثرة في الحراك)  دون غيرهم من القوى المدنية ، ليس اكثر من الرهان على احصنة خاسرة لا تصنع سوى حاكم قد لا يثبت طويلاً في ذاكرة التأريخ . 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي