تسريب أسئلة الامتحانات لا تحسبوه شر لكم

محمد مقبل الحميري
الخميس ، ١٩ يونيو ٢٠١٤ الساعة ١٠:٤٣ مساءً
تسريب اسئلة امتحانات الثانوية العامة لهذا العام لأكثر من ست مواد ، اعتقد ان الهدف من هذا الأجرام الذي تم ليس القصد منه الغش فقط وإنما الاستهداف بالدرجة الأولى للعملية التربوية برمتها وأفشالها والقضاء عليها وفق منظومة تستهدف بنية الدولة في مختلف أركانها ، ولكن ان يصل الأمر الى التربية والتعليم فهذا أمر أكثر من خطير تتجاوز خطورته كل الصراعات التي تجري على الساحة كونه يستهدف حاضر الأمة ومستقبلها ، وليس هناك جريمة أكبر منها إلا السكوت عنها ، 
 
جمعتني عدة لقاءات بالدكتور عبد الرزاق الأشول ولكوني عضوا في لجنة التربية بمجلس النواب كان نقاشنا حول العملية التربوية والنهوض بها وان الحالة التعليمية في بلادنا اتسع فيها الخرق عن الراقع وان ما حل فيها من خراب جسيم لم يكن عفويا ولكنه كان مخططا وفق برنامج يقود المجتمع نحو التجهيل ، ولا بد من تضافر كل الجهود لإنقاذ التعليم في بلادنا ، وأول خطوة يجب اتخاذها قبل أي إجراء هو الاعتراف بحجم الكارثة التي وصل إليها التعليم ، تليها إرادة صادقة من اعلى الهرم في الدولة مرورا بالاحزاب التي يجب ان ترفع ايديها عن التعليم وتجنبه اي صراع حزبي مرورا بأبسط مواطن وكل الجهات الاخرى وفي مقدمتها الاعلام الذي يجب ان يسير وفق هذا التوحه الوطني لإصلاح العملية التربوية من جذورها وليس ترقيعا ، وهذا الأمر يستوجب من الجميع إدراك خطورة الموقف وأننا اذا لم نستوعب ذلك فإن أجيالنا القادمة في خطر عظيم .
 
الحقيقة لمست من الأخ الوزير جدية في الطرح واستشعار لحجم المسئولية الملقاة على عاتقه وتفاعلا مع كل ما يطرح من اجل إنقاذ التعليم ، وشرح لنا كثير من المعاناة والمصاعب التي تواجهها قيادة الوزارة ، ومن ضمن ما قام به من اجل الحد من الغش الذي اصبح الأغلبية يمارسه كحق من حقوقه ولو أدى ذلك الى الفوضى بل واستخدام السلاح في بعض المناطق ، باعتبار ان من يقف ضد السماع بالغش بل بدخول نماذج للإجابة جاهزة فإنه إنما يمنعه حقاً حقوقه وفقا للثقافة المنحرفة التي تم اكتسابها عبر سنوات استهداف التعليم والذي كان الهدف منه استهداف الأجيال القادمة ومسخها كي لا تكون مؤهلة لتحمل واجبها الوطني ويستمر العابثون بالوطن بعبثهم ، كان من ضمن الخطوات التي اتخذها الوزير للحد من هذا العتب والإفساد أعداد نماذج متعددة للمادة الواحدة ليصعب ذلك من عملية الغش .
 
يا شرفاء الوطن نناشد الجميع الوقوف صفا واحدا من أجل إنقاذ الأجيال والنهض بمجتمعنا ، فبدون العلم الصحيح والمنهجية السليمة لا يمكن لنا ان تغادر الحالة المتردية التي وصلنا إليها في كل مناحي الحياة ، فبالعلم تنهض الامم وبالجهل تنحدر وتنهار اقتصادا وقيما وأخلاقا .. ولله در القائل :
 
بالعلم والمال يبني الناس مجدهم ... لم يبن مجدٌ على جهل واقلالِ.
 
نعود الى موضوع تسريب أسئلة الامتحانات فآقول ان هذه الجريمة المخططة لا تحسبوها شر لكم ، بل يجب ان نحولها الى خير للمجتمع ، وفق خطوات واضحة وإجراءات شفافة وقرارت صارمة وعلينا جميعا الوقوف مع قيادة الوزرة ومساندتها مع التزامها بالشفافية والوضوح لاجتثاث عصابات الفساد والتخريب التي قادت هذه العملية الإجرامية التي تعد أخطر من جرائم ضرب أبراج الكهرباء وتفجير انابيب النفط بل وأخطر من جرائم القاعدة ومهاجمة المليشيات للمدن ، لانها تستهدف المجتمع كله بدون استثناء وتستهدف عقله الذي هو ثروته الحقيقية ، وليكن معيار شغل المواقع القيادية في الوزارة الكفاءة والأمانة " ان خير من استأجرت القوي الأمين " بغض النظر عن الانتماء الحزبي او المناطقي او أي معيار يخل بهذين المعيارين ، وأؤكد ان التعليم بحاجة الى إعادة النطر كًُلِّيّٓة بوضعه المتردي منذ عشرات السنين وحتى الآن ، مع تقديرنا للجهود التي يبذلها الأخ الوزير والتي كان منها تعدد تماذج الأسئلة للمادة الواحدة للحد من عملية الغش التي ورثتها قيادة الوزارة كظاهرة أصبحت واقعا تعامل معه السابقون بإقرار ، واصبح تجاوزه ليس مسئولية قيادة الوزارة فحسب ، وليس بمقدورها ذلك بمفردها ، ولكنه مسئولية الدولة والسلطات المحلية ، والمجتمع بأسرة ، وهذا يحتاج الى دراسة عميقة للعملية التعليمية ، واكرر الطلب الذي ناديت به عبر قناة سهيل قبل انظلاق الثورة الشبابية الشعبية بعدة سنوات والتي قلت فيه اننا ننحو نحو التجهيل وان الوضع الخطير الذي وصلنا اليه في التعليم يستوجب علينا عقد مؤتمر وطني للتعليم ، يتاقش قضية التعليم كاملة يعد له أعدادا علميا دقيقا وترصد له كل الإمكانات المطلوبة لضمان نجاحه مع الاستعانة بأعلى الخبرات الداخلية والخارجية ، هذا اذا اردنا مغادرة الحالة المتردية التي أثيب بها الوطن في كل ماحيه ، علاج كل ذلك التعليم السليم ، والهلاك وضياع الوطن يكمن في فساد التعليم .
أما ما اعلن عن تسرب أسئلة الامتحانات ، فهذا يحسب للقائمين على العليم وليس عليهم لأنهم لم يضعوا انوفهم في الرمال ويغمضوا أبصارهم ليمضوا في الطريق الخاطئ ولكنها كانت شجاعة منهم الإعلان عن جريمة تسرب الامتحانات ودليل يقضة ضمير .
 
فلنجعل من تسرب أسئلة الامتحانات الخطوة الأولى للبداية الجادة لإصلاح التعليم .
 
*عضو لجنة التربية والتعليم بمجلس النواب.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي