ضوء «الصالح» في شقه الآخر ظلام البلد

كتب
السبت ، ٢٨ ابريل ٢٠١٢ الساعة ٠١:٤٩ صباحاً
وليد البكس من قال: «أن تشعل شمعة خيراً من أن تلعن الظلام» على ما يبدو كان قبل اختراع الكهرباء، كما أن مثل هذه الحكم الخشبية لم تعد تجدي في القرن الواحد والعشرين، لأن كل شيء يتعملق، ونتقزم نحن البشر، خاصة في هذه الزاوية السوداء المحشورة في خارطة هذه الجغرافية المظلومة والمظلمة في آن. تطل إحدى نوافذ شقتي على جامع الصالح.. والكلام عنه في مثل هذه اللحظات محزن، إذ لم يعد الخوض في هذا الاتجاه ملفتاً، وأبسط ما يمكن أن يحز في نفس البعض، أن الناس تعيش مناخ الثورة وحالة تغيير يخضر لها الوطن، ومثلي يفكر بنقد المسجد، أو يفكر كيف يدفع حسده إلى الواجهة ضد كل هذه المصابيح التي تحيط بالمسجد من كل الزوايا العالقة فوق كل الأركان. التوقيت غير مناسب، والكلام عنه الآن مس بالمعتقدات ربما لدى البعض، كما أن الخوض في قصة الجامع الضرب في دف الجدل بعينه، وجلب للسخرية، لكن من منكم لا يكابد غصة غياب الكهرباء نهاراً، وتخنقه مرارتها ليلاً، وما اشدها مرارة عندما تغص أيامنا وليالينا في غياب أبسط المتطلبات كالكهرباء، ونقضي أوقاتنا متعايشين مع الظلام، كأنه أصبح جزءاً منا، أو كأننا سنبقى في متناوله إلى الأبد. لهذا المبنى مخالب، تشبه تماماً أنياب وحش هذا الظلام.. كلاهما يستطيعان نهش أرواحنا من الداخل قبل العيون، وكل ليلة نبتلع ما يلحق بنا من وجع الظُلمة، ونخلد للنوم بصمت. صحيح أن غياب الكهرباء له فوائده، يجلب النوم سريعاً، ويمنح البعض متعة النظر إلى وجه القمر، غير أنه لا حاجة لمثلي من أن ينام قبل منتصف الليل بكثير، حتى مع وجود خدمة الكهرباء، لأنني أفقد أبسط حواسي في متاهات الظلام، وأنا أتحسس أبسط الاحتياجات، كالملايين من أبناء هذا البلد المقهور. إن حديث مدير عام المؤسسة العامة للكهرباء يبعث على الشعور بالخطر، وربما يشعل مستقبل الظلام المقيت في حياتنا، نية البعض بالمداومة في التلذذ والتمادي على تعذيبنا، تكاد بالنسبة إليهم أن تصبح عملاً نبيلاً، ومعها يقفز الخوف الحقيقي إلى رأسي والرجل يردد بأن العام الماضي حتى الآن كان قطاع الكهرباء هو أكثر القطاعات تضرراً، ويقول: الاعتداءات المتكررة على خطوط النقل 400 ك.ف.(مأرب - صنعاء)وبعض خطوط النقل في الحديدة وتعز، مؤكداً بأن حصيلة هذه الاعتداءات قد وصلت إلى 164 اعتداءً وكان لها أثر سلبي على المنظومة الكهربائية بشكل عام وكلفت المؤسسة أكثر من 33 مليار ريال تكاليف أجور إصلاح وقطاع غيار وقيمة الطاقة المفقودة. بصراحة وحتى لا أضلل القارئ بأنني أعيش في الظلام وأندب حظي هنا، لديّ أيضاً طرق في محاربة الظلام، أظل منذ بداية المساء وغالباً منذ أول النهار أخوض مواجهات على ثلاث نقاط للكهرباء، داخل شقة واحدة. وبعد أن نكون فقدنا على الأقل الثلاثة المصادر للطاقة، ابتداء من خط كهرباء قادم من جارنا العزيز، حيث يسكن في نفس الطابق، ومروراً بخط آخر قادم من الطابق الأسفل، حيث يعمل أصدقائي في مطبعة، أما الثالث فهو خطنا الرئيسي الذي أقايض فيه جارنا الطيب. وسط الشقة تجري كل هذه العملية، التنقل بين ثلاث نقاط بعناء بالغ مرة، وعشرات المرات بالحزن، في رحلة مطاردة لحظة القبض على ساعة ضوء.. ومؤخراً تكاد كل هذه المصادر تغيب لساعات طوال ليبقى حالنا في أغلب الليالي حالك السواد، كأننا كلما اسرجنا نقطة ضوء في صنعاء أطفأتها أيدي الظلام من مأرب. التفكير بغياب الكهرباء يمتد، يأخذ معه الشعور بخلق حلولاً جديدة من شأنها الحد من الظلام إذا لم تقض عليه، لا أمل في الأفق يلوح أبعد من مضاعفة كمية الظلام التي تصدرها جرائم البعض، وهي تعتدي على المحطة الغازية، إلى تفاصيل الحياة، كما باتت هي مقياس تباعد المسافة بين بلد يغرق في الظلام بسبب محافظة واحدة، وتدير ظهرها لكل ما يقترفوه بنا، من دمار عبر استهداف لشبكة الكهرباء. والمهم من كل ذلك أن هذا الخراب الذي لحق بنا وبالبلد على كل المستويات، إلا أني ما أزال كل ليلة اتأمل في وجه جامع الصالح، و لا شيء يبعث على قهر الظلام، وابتلاع سمومه بلذة ومشقة متناغمة، أطول من النظر إلى هيئة هذا المسجد الغارق بالمصابيح، وهو يشفط ضوء العاصمة وربما ثلاث مدن معها كأنه مستباح.منذ افتتاحه لم تغب عنه الكهرباء ربما لحظة.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي