قلق اتقان التمثيل !!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الجمعة ، ٠٦ يونيو ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٤٢ مساءً
احتجت 20 سنة من اجل أن اقنع امي و ابي اني مثلي مثل غيري هنا في المانيا و لست افضل واحد كما يتصورون طبعاً بعد نقاشات لاتكاد تنتهي، و كانو اكثر مفاجآة عندما اوردت ان هناك الكثير بل الكثير منهم احسن مني، حاولت ان اقنعهم انني فقط جزء من كل، احسن استغلال الوقت و التخطيط و ذلك ماتعلمته منهم و احتمال اكون اضعف حلقة في نظامهم. كانوا طبعا منصدمين ان ابنهم ليس هذاك الذي في مخيلتهم و انه ليس الركيزة . كذلك الحال في الحارة و الشارع.
 
اتعبني ان كثير في اليمن يعطي للمغترب المشتت الافكار بين همومه الشخصية و هموم وطنه حجم اكبر من الازم . فهذا بورفيسور و هذا دكتور و هذا مخترع و هذا مدير و هذا غير ذلك، مما نصنع هالة كبيرة تتعب المغترب من اجل ان يواصل التمثيل كما يريد ان يراه المشاهدون الاخرين و يعيش في قلق اتقان التمثيل حتى وان كان ناجح لان المجتمع سوف يبني هالة اكبر و يلبسوه، و هو عليه ان يتقن التمثيل في الدور الجديد. و في بعض الاحيان يضطر الى الكذب و المغالاة حتى يصور نفسه انه عالم زمانه و وصل الى سدرة المنتهى، برغم ان كل شئ في النجاح نسبي و ان الفشل ليس الا محطة في الطريق و ليس النهاية و ان التجربة لشئ جديد بعد الفشل، هو بداية طريق اخر.
 
في الغرب او الشرق لا يمكن ان يمثل الانسان العلوم او الفضيلة لانك بكل سهولة سوف تدخل على الجوجل و تعرف كل شئ. ان كان عالم سوف ترى انتاجه و ابحاثه و ان كان غير ذلك سوف يتضح ذلك و ان كان تاجر او صحفي ناجح او مخترع .ان كان ناجح فهو لنفسه و ان كان فاشل فأيضا لنفسه كل شئ واضح و لا يحتاج للتمثيل او الادعاء انه شخصية مهمة او مخترع كبير او دكتور او فلتة زمانه. اسألوهم كم ال-ها أندكس له، كم النشرات العلمية، كم الكتب كم الافادة العامة. فالانسان منتج و فعال ليس بشهاداته و ألقابه و انما بتأثيره و تغييريه في محيطه الصغير و الكبير، و مدى اقتناعه بما يعمل.
 
فان كان تاجر فهو تاجر لنفسه، ما يهمنا كمجتمع هنا هل ساعد في تأهيل 50 شاب و شابه كل سنتين او خمس مثلاً. و ان كان دكتور كم انتج و علم قولاَ و فعلاَ. فمثلا و اضرب لكم مثل. جاءني السفير المصري في بلجيكا فعرف انني برفيسور في الجامعة و انا من اليمن فقال انت اكيد كانوا مدرسينك من مصر في المدرسة. فداركت انه يريد كشف حساب مني، ماذا عملت لمصر. قلت له نحكي بصراحة اكثر. انا علمني المصريين الى ثالث ثانوي، ماذا قدمت لمصر مقابل ذلك هل هذا ماتقصد؟ قال نعم. قلت 5 دكاترة في علوم الحاسوب 4 بوست دوك و3 تعاونيات و اشراف مشترك و زيارات و اكثر من 26 مقالة و بحث منشور مع جامعات مصر. فضحك و قال كذا نحن خالصين مع مصر و الزيادة معنا و ماذا عملت لليمن؟ . كنت اريد ان اختصر الاجابة له ان البعد الرابع "الزمن" و الخامس "التواصل" غير موجود في يمننا لاننا نعاني من امراض الكلام فالكلام ثم الكلام من باب التسلية كثقافة نابعة عن جلاستنا في الدواوين، و التي سوف افرد لها منشور ان اسعفني الوقت .
 
اعود الى امراضنا، عندنا منظفة حمامات كانت تتعب عند استخدام الفرشة للتنظيف في مفصل يدها. قررت ان تصمم فرشاة تنظيف تريح المنظفات و احسنت عملها. و سجلتها اختراع، تفاجأت انها سوف تبيع اكثر من 110 مليون فرشة تنظيف ان احسن التسويق. طبعا كانت مبدعة في عملها و قدرت ان تستثمر ذلك. و واحد اخر عندنا هنا يبني سلالم داخل البيوت و كانت ملاحظته ان البيوت ضيقة و السلالم تشغل مساحة كبيرة، فصمم سلالم ملتوية كمروحة اليد حسب الطلب و سجله اختراع و نفذ في ذلك من باب التسويق. عندما تلتقي بهم لم يتغير شئ فيهم و لا يذكرون ذلك و لا المجتمع خلق الهالة الضبابية حولهم . كانت لديهم افكار فباعوها اختراع، حتى يستفيدو هم، اي انهم تجار و ليس علماء و كثير مثلهم.
 
و عندي كان طالب دكتوراه الماني كتب في الدكتوراه الى ان كملها و نشر الابحاث مانشر اكثر من 18 بحث و مجلة و قبل ان يسلمها رفض ان يسلمها لانه لم يقتنع بها. انا بصراحة كمشرف كنت مقتنع بها و حاولت معه. و لكن اجابته انه سوف يخجل بها ان نشرها و صار دكتور، و الان هو مدير في شركة من دون لقب دكتور و انا فخور به. و كثير من مثله عندي و نحن اذا حصلنا على دكتوراه حتى لو كانت من جامعة لا تذكر و لم ينشر بحث ملينا الارض صراخ و فشخرة و تنظير.
و المجمتع في اليمن يزيد عن ذلك ان يطلب منه الافتاء في السياسة و الاقتصاد و الادارة و كل ما يمس الحياة. و هو يضطر ان يسوق على محيطه انه عالم و مخترع و خبير في الشرق الاوسط و احتمال في الغرب و يصف نفسه متجاوزاً بمخيلته علماء الغرب و الشرق و غيرهم و في الأخير تدور على ابحاثه في الشبكات العلمية او اعماله من اجل المجتمع فلا تجد الا ما كتبه هو او اصحابه عنه. و الغريب ان البلد تراهن على مثل هذا الدجل و يسألونك بعدها، لماذا لم يمشي حالهم؟.!!!!
 
*رئيس قسم علم الحاسوب في جامعة مجدبورج في المانيا

الحجر الصحفي في زمن الحوثي