ثقافة المُقدّس والنقد

محمد مقبل الحميري
الاثنين ، ١٩ مايو ٢٠١٤ الساعة ٠٦:١٥ مساءً
يُمكننا القول: إن أحد أسباب غياب الوعي والثقافة المجتمعية العالية، هو غياب ثقافة النقد وعدم تأصلها في الوعي والذهنية الفردية للمجتمع، فعدم تأصّل تلك الثقافة النقدية استلزم على المجتمع في فتراته المختلفة البقاء والركون إلى تلك الموروثات وما قاله فقهاؤه وكبراؤه بدون أن يكون لهم أية ممارسة نقدية وفاحصة، مُعتبرين تلك الأفكار والتناولات نوعاً من المقدس الذي لا يجوز الخوض فيه؛ ليحيلوها من ثمَ إلى ثُلّة من الفقهاء والوعّاظ، الأمر الذي جعل من ممارسة النقد تتحول فيما بعد الى حق حصري لمجموعة من البشر يمارسونها ويضعون معاييرها كيفما شاءوا، وهو ما أدى إلى توالد المقدسات وتصنيفاتها من قبلهم وبطريقةٍ غير منضبطة فتعطّل معه أي نوع من الممارسة النقدية من قبل أفراد المجتمع، وتعطّل معه ايضاً التفكير والنقاش في تلك المسائل، رغم إنها في حقيقتها مبالغات لا تمت إلى المقدس بصفة، حتى وإن كانت مقدسات فعلاً فليس هناك ما يمنع من التعرض لها ومناقشتها والإمعان في مضمونها ومحتواها ليتم فهمها الفهم السليم والحقيقي. 
 
إن مُبالغات ومغالات تلك التيارات وأولئك الوعّاظ في تصنيفاتها أرغم الكثير على السير واستخدام أساليب ملتوية بعض الشيء لاسيما حين يتم التطرق إلى تلك الأفكار المصنفة كمقدسات أو من هذا القبيل؛ ذلك للتخلص من التهم والتصنيفات وإثارة مشاعر أولئك المتعصبين الذين يرون أن كل ما يقولونه حقاً لا يجب تناوله أو التقليل من شأنه، بل إن المحزن في الأمر إن تلك التيارات والجماعات تعتبر وتعتقد إن تقاليدها وآراءها مُقّدسة، فتضمه إلى الدين وتتعامل معه كذلك، حتى أصبح الكثير منا مُشتتاً بين ما أضافه هؤلاء كمقدسات وكدين بشكل عام، وبين تلك الأفكار المقدسة وتلك العقائد الحقّة والثابتة المتعارف عليها كجزء من المرجعية الثابتة والصحيحة للمجتمع. 
 
وليس من المستبعد أن يدُس بعض من أولئك الفقهاء والوعاظ العديد من النصوص وتسويغها كنصوص دينية مُقّدسة تُحقق معها مصالحهم الشخصية أو مصالح السلاطين والحكام الذين يُطّبلون لهم ويمدونهم بمثل تلك النصوص والفتاوي، وتاريخنا الإسلامي مليء بمثل هذه الحكايات التي يتم فيها استخدام واستغلال النص الديني وتسويغه للحاكم للإستناد عليه في الحكم وإدارة الشأن العام والاستمرار في العبث بالسلطة وكل ما من شأنه تحقيق واستدامة مكانه ومكانته، ولذا فإن للثقافة النقدية وسوادها أهمية كبيرة في منع ثقافة الركون والاستبداد من الاستمرار، ومن شأنها تطوير ملكات العقل والتفكير ورفض الواقع المعاش والاستكانه والخضوع لتلك الثقافة الواحدة؛ الثقافة المتقبلة والسائدة في مدح الحاكم والتجويز له. 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي