الدم ودعوات إراقته

محمد الشلفي
الاثنين ، ٣١ مارس ٢٠١٤ الساعة ٠٩:١٤ صباحاً
التناقض في الدعوات التي تتكئ على الدين عدم التزامها بتعاليمه ومخالفتها له.. وهو ما جعل مفكراً يهتف ذات مرة رأيت مسلمين ولم أرى إسلاما. 
في أي خانة يمكن لنا إدراج ما يقوم به الحوثي الذي يتبنى ما يسميها “المسيرة القرآنية” واتباع هدي الرسول، يُقتل ولا تهتز له شعرة ويَقتل ولا يؤنبه ضميره. 
والحوثي جزء من حالة عامة، لا تبالي بارتكاب جرائم القتل ثأرا أو صراعا على نفوذ والترويع والاسترزاق بالخطف والغدر. وفي المقابل تغيب لديهم “مكارم الأخلاق” التي دعا إليها الرسُول لغرض تماسك المجتمع، أو الأمة التي يرددونها في خطابهم. 
اعتياد الجريمة وتبريرها جزء من تفسخ الأخلاق والقيم التي طغت على اليمنيين خلال فترات من تاريخهم وفي عقود الجمهورية الأخيرة لم تنجح محاولات زعمت إحياء الأخلاق من الحد من الاستهتار بحرمة الدم التي شدد عليها الدين فشاعت الدعوات المقابلة التي تفسر النصوص الدينية القرآن والسنة حسب أهوائها لإراقة مزيد من الدماء من العدو وانتهت بموت مجتمعاتهم. ليتبسط القتل وكأنه شربة ماء. 
يحزن الواحد منا على الدماء اليمنية التي تُراق دون قضية، يقود أمراء الحرب الصبية والشباب إلى الموت ليس في سبيل الله كما يدعون، لأنهم لا يتركون مجالاً كافياً للتصالح ولا يتجنبون الوقوع فيما هو استثناء ويبرر حين يتحول إلى دفاع عن النفس فالغاية من نزولنا إلى الأرض إعمارها لا الاقتتال وتدميرها. 
وأسوأ ما في حروبنا اليوم هو ما تُظهره الصور الملتقطة لمن لهم تسميات كالمجاهدين والمحاربين والمُقاتلين وأبطال السنة... إلخ. أطفالاً يحملون السلاح ويسيرون عُمْي للقتال والقتل دون أن يكون للقصَّر اختيار، وهم يعتمدون عليهم لسهولة إقناعهم بل تضليلهم لقلة الخبرة وحماسهم وانفعالهم. ليتحول الأمر إلى ما يشبه الإكراه في الحروب القائم مشاركتهم فيها على الضغط والتعبئة والعزل وأساليب تعمل على احتياجاتهم الإنسانية المعنوية لا القبول بالتضحية من أجل قضية مُجمع عليها ضمن المبادئ والقيم العامة لهويتنا. 
لدى المجرم قناعة بأن الآخرين خطر عليه وقتلهم وإزاحتهم من طريقه هو الحل الأمثل ليعيش كما أراد ولما أراد، إنها قناعة حيوانية لا تليق بإنسان يدعي التدين، لقد جاءت الأديان لتهذب جانب الشر في البشر لتفهمنا أن حياتنا على الأرض أساسها التعايش والتدافع، فيما نعمل عكس ذلك كُله ونتجرأ على التفاخر والاعتقاد بصحة ما نفعل. 
لو أعدنا التفتيش في كل حروب اليمن الحديثة وهي كثيرة لن نجد واحدة منها لا يشعر أصحابها الآن بالخزي من تذكرها. لقد انتهت جميعها كما ستنتهي كل حرب إلى إقناعنا لكن بعد خسائر نحن في غنى عنها، إنه لا مفر من التعايش والقبول ببعضنا أو الجري وراء السراب. 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي