تعز لوحة متجدّدة لا يمكن احتكارها

د. عبدالله الذيفاني
الجمعة ، ٠٧ مارس ٢٠١٤ الساعة ٠٤:٢٣ مساءً
من أبجديات الموروث الثقافي والحضاري لهذه المحافظة الروح المدنية والفعل السلمي، والغيرة الوطنية، والتوق إلى الدولة المؤسسية، والسعي إلى إقرار الحقوق والدفاع عنها، والتفاني في خدمة الوطن وتغليب مصالحه العليا، واسترخاص الأنفس والدماء مقابل الحرية والعدالة وسيادة القانون. 
حين كانت اليمن مشغولة بحروب أهلية وحروب شطرية، كانت تعز منشغلة بالعلم والتجارة وحماية الثورة ومكتسباتها، وكانت ولاتزال العنوان الذي ظلّ بعيداً عن الاحتراب الداخلي. 
 وكانت المحافظة المسافرة إلى العالم بسفراء عملوا في مختلف الحرف والمهن والأعمال وتركوا بصمات تقدّرها الدول والمجتمعات التي عملوا فيها، وكانت سفاراتهم خيراً على وطنهم؛ فكانوا الرعيل الأول السند لحركات التغيير الهادفة إلى تأسيس الدولة فقدّموا المال والرأي والإسهام المباشر في التغيير. 
وكانت تعز ولاتزال الصدر الحاني الذي احتضن كل أبناء اليمن ووفّر لهم الحماية والبيئة الآمنة، لقد ظلّت تعز الموطن الذي يلجأ إليه كل من شعر في لحظة بالخوف والتهديد لتوافر الأمن والسكينة والتعايش فيها. 
 باختصار شديد.. كانت تعز غير ولم تكن مماثلة إلا مع السلم وصناعة الجديد والفعل العاقل والمنظّم في شتى دروب الحياة، ولهذا كانت الرحم لولادة التنظيمات والنقابات والمجتمع المدني. 
تلكم هي تعز التي تشكّلت من أنموذج خاص وطابع مميز، جعلها ذات خصوصية في النشأة وذات خصوصية في المسار، وذات خصوصية في الممارسات البينية داخلها وخارجها، وظهر ذلك ولايزال في بصماتها الواضحة في تشكيل من جاء إليها، وفي البصمات الواضحة لأبنائها في كل تجمع سكاني على طول البلاد وعرضها. 
من هنا فإنه من الظلم أن تُختصر تعز في دور ضيق، وأنشطة لا تعبّر عن مكنوناتها العميقة التي تمتلكها وتحفظها في ذاكرة الأيام والسنين، فالدور الذي يُفترض أن تنهض به تعز العاصمة الثقافية لليمن هو ذلك الذي ترسمه ذاكرتها وتحدّدها موجوداتها ومقتنياتها وتضعها على طاولة التخطيط والتنفيذ إدارة مملوءة بها وقادرة على استيعابها ونقلها إلى الواقع أنشطة وممارسات تليق بهذه المحافظة. 
جميل أن يتشكّل مكتب تنفيذي، لكن الأجمل أن يكون العمل منفتحاً على من لديه فكرة ورؤية ومعلومات يستطيع أن يعكسها ببرنامج عمل يعود بالمردود الإيجابي على العاصمة الثقافية. 
وأنا أتابع حفل افتتاح قلعة القاهرة؛ سُررت كثيراً بحضور الأطفال، وكان مشهداً لافتاً إلى المستقبل، ولكن الأداء لم يكن بذات المستوى الذي لا يتحمله الأطفال؛ ما عكس لديّ انطباعاً أن الغرض لم يكن تقديم لوحة معبّرة يرسمها أطفال تعز؛ بقدر ما كان ذلك في سياق “جزّاع يوم” رغم أنه يوم مشهود يمتد في عمقه ودلالاته إلى مراحل التاريخ اليمني المختلفة، فقلعة القاهرة لا تمثّل الحقبة المعاصرة قدر تمثيلها الحقب التاريخية السابقة للإسلام واللاحقة له، فقد ظلّت علماً مهماً في حركة التاريخ، واكتست بكل أحداثه التي وقعت في هذه المدينة وعليها. 
 ونعود لنقول إن على المكتب التنفيذي للعاصمة الثقافية أن يستشعر ما تعنيه الثقافة التي اختيرت تعز لتمثيلها، وعليه أن يتحسّس كل المواضع التي يمكن أن تساعده على ترجمة ذلك، واضعاً في حسبانه أن تعز عاصمة للثقافة اليمنية، وأن الثقافة ليست رقصاً ونغماً فقط، بل هي أسلوب حياه بكل ما تعنيه من معانٍ وأبعاد. 
 وعليه أيضاً أن يحصر بحيادية تامة الأقلام والعقول التي تمتلك إمكانيات معرفية يمكن لها أن تغني البرامج وتثري الأنشطة التي يُفترض التخطيط لها، وعليه ألا يعمل بسياسة هذا الشخص نحبه فليأتِ؛ وهذا نختلف معه فلا يُدعى كما سمعنا من بعض المهتمين. 
 وعليه أيضاً أن يكون أميناً في التعامل مع ما يقدّم له من أفكار ورؤى، لا أن يأخذها ويحتسبها لنفسه، ولأصحاب الجهد السلام من وراء الجدران..!!. 
 إن تعز قلب اليمن وكتابه ووعيه، وموطن من مواطن التشكُّل الرسالي الذي مثّله “الجند” واختطه بأمر من المصطفى عليه الصلاة والسلام الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه، وهي قبل ذلك الجسر الذي امتد ليربط القرن الأفريقي بالجزيرة العربية وما وراءها، وأسهم في تشكيل التجمعات السكانية في ذلك المكان الحيوي من الكرة الأرضية. 
الحديث عن تعز يطول، ولكننا أردنا بهذه الخاطرة لفت انتباه المعنيين إلى أن يفتحوا عقولهم وأبوابهم وصدورهم للآخرين ليسهموا في تقديم اعترافاتهم بفضل تعز عليهم، لأن كل من سيسهم في حركة العاصمة الثقافية يسهم معترفاً بقدر هذه المحافظة وفضلها في تشكُّل وعيه وفكره وما صار إليه من مكانة معرفية بكل تجلياتها. 
 ولا يجوز أن يستحوذ أحد على تحديد مسارات العمل بعيداً عن العلمية والموضوعية والمصلحة العليا التي تعلو على كل الهامات. 
والله من وراء القصد 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي