الثروة لا تزال في قبضة هوامير صنعاء

علي الفقيه
الثلاثاء ، ٠٤ مارس ٢٠١٤ الساعة ١١:١٢ مساءً
ونحن في الطريق إلى مارب لزيارة منشأة صافر النفطية، كان كل شيء من حولنا يوحي بهيمنة المركز على صناعة النفط وأن مجموعة من النافذين في صنعاء هم من يجنون ملايين الدولارات من وراء الثروة النفطية القادمة من مارب.
 
فالطائرة التي أقلتنا تابعة لشركة "الطائر الأزرق" المملوكة لشركاء أبرزهم عبدالخالق القاضي الرئيس السابق للخطوط الجوية اليمنية.
 
كانت هذه أول معلومة أتلقاها وأنا في مطار صنعاء متجهاً نحو مارب، وفور نزولنا من الطائرة في المطار التابع للمنشأة ذاتها كان أمامنا أسطول ضخم من ناقلات الغاز يقف على الطريق المؤدية إلى محطة الإنتاج المركزي للغاز، وكان عليّ أن أعرف أن ذلك الأسطول يتبع شخصاً يدعى الحثيلي وهو أحد أبرز شركاء الرئيس السابق صالح. يملك الرجل حوالي مائة ناقلة من الحجم الكبير ويحتكر نقل الغاز من منشأة صافر إلى مختلف محافظات الجمهورية.
 
في البوابة الأخيرة للمنشأة كانت عناصر حراسة تتبع شركة خاصة تجري عملية التفتيش الأخيرة. وعند السؤال عن الشركة التي تتبعها حراسة منشأة صافر كانت الإجابة بأن هؤلاء يتبعون شركة "جروب فور" التي يملكها فارس السنباني السكرتير الخاص للرئيس السابق صالح.
 
كنت أبحث عن الوجوه الماربية في هذه المعمعة وأين موقعهم بالضبط، باعتبارهم أصحاب الأرض التي يتدفق منها النفط والغاز ليمول الخزينة العامة ويملأ خزائن النافذين في صنعاء.
 
دققت جيداً في اللهجة التي يتكلمها كل من قابلناهم لأقيس حجم مشاركة العناصر الماربية في هذه الصناعة المهمة والخدمات المرافقة لها لكنها كانت ضئيلة جداً، ومع ذلك كنت أشعر بالرضا عندما أسمع مهندساً يتكلم باللهجة الماربية، وأقول في نفسي الحمد لله.. فيه واحد ماربي.
 
هل كان من الضروري أن يكون النافذون القادمون من المركز هم المسيطرين على كل هذه المواقع التي تدرّ ملايين الدولارات، وهل تفتقر محافظات مارب والجوف إلى شخص يستطيع تقديم خدمات الحراسة للمنشأة النفطية أو يكون مؤهلاً للمساهمة في عملية نقل الغاز ليعود عليه بمردود جيد ويستطيع توظيف كوادر ماربية كسائقين وحراس لتلك الناقلات.
 
باستثناء السيارات التي نقلتنا من محطة الإنتاج المركزي الى موقع أسعد الكامل وتتبع شركة خاصة بشخص ماربي من آل الشريف، يبدو الماربيون خارج اللعبة تماماً وتحول عشرات وربما مئات الشباب ممن كان يفترض بهم الحصول على فرص عمل كفنيين أو مهندسين أو عاملين في شركات النفط والخدمات المرافقة لها، تحولوا إلى وقود لعصابات الإرهاب والتخريب التي باتت أكثر قوة من قدرة الدولة على كبح جماحها.
 
يحدثك الماربيون عن هذا الموضوع بنبرة يطغى عليها الشعور بالحسرة والغبن وهم يجدون الشباب ممن حرموا من الحصول على مستوى جيد من التعليم وتجاهلتهم الشركات المختصة بالمهن الجسدية، قد انتقلوا الى الضفة الأخرى يعملون ضد أنفسهم وضد بلدهم وضد فكرة الحياة برمتها، عندما يتحولون إلى مجرد "كلافيت" يحملون الخبطات ويطاردون خطوط التيار الكهربائي، أو إرهابيين تفترس طائرات الدرونز ما تبقى من حياتهم التي قضوها في الصحارى والجبال يمتهنون القتل.
 
ومع صمود هوامير الخدمات النفطية أمام التغيير الذي حصل في البلد وزاد من تعزيز مواقعهم ومصالحهم، فلا أحد لديه تصور واضح كيف يمكن لفيدرالية الأقاليم أن تمكن شاباً سبئياً من مارب من استلام أعمال حراسة المنشآت النفطية من فارس السنباني أو أن يكون متاحاً لأحدهم امتلاك ناقلات نفطية تكسر احتكار "الحثيلي" نقل الغاز من صافر إلى مختلف محافظات الجمهورية.
 
ما سبق مجرد أمثلة لسيطرة هوامير المركز المقدس على منابع الثروة في مختلف أنحاء البلاد.. واستمرار هذه السيطرة سيجعلني أجد نفسي يوماً ما مع كلافيت الكهرباء والنفط المشردين في صحارى يمنحهم رملاً يطير إلى عيونهم على مدار الساعة وتمنح غيرهم في صنعاء أرصدة متخمة بالملايين وحياة فارهة.
 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي