في التاريخ والثورة

عبدالله دوبله
الخميس ، ١٣ فبراير ٢٠١٤ الساعة ٠٥:٥٢ مساءً
 - ليس هناك بداية في التاريخ ولا نهاية أيضا. لا بداية ونهاية حقيقيتين في حياة البشرية بأن يوجد حدث فجأة بذاته وينتهي إلى ذاته أيضا، مستقل ومنفصل عن صيرورة التاريخ.عبدالله دوبلة - 
ليس هناك بداية في التاريخ ولا نهاية أيضا. لا بداية ونهاية حقيقيتين في حياة البشرية بأن يوجد حدث فجأة بذاته وينتهي إلى ذاته أيضا، مستقل ومنفصل عن صيرورة التاريخ.
ليس هناك حدث مستقل ومنفصل بذاته في التاريخ، أو يمكن القول معه أن هنا انتهى الماضي وهنا بدأ المستقبل، فهما يلتقيان دائما عند "الحاضر" معطيات الماضي وإشكالياته وتطلعات المستقبل وتحدياته معا، الذي يظل دائما "فعلا مضارعا مستمرا"، حيث لا يمكن الفصل بين تلك الأبعاد الثلاثة للتاريخ بوضوح.
لا يحدث أن نام أحدنا وهو طفل وصحا فجأة وهو كهل، أو أن يكن طفلا وفي اليوم الذي يليه يكن شابا، كأن يكن في السبت شابا وفي الأحد من ذات الأسبوع يكن رجلا، أو رجلا فكهلا.. يحدث أن يشعر الواحد منا بأطواره العمرية لكنه لا يعلم متى تمت التنقلات بينهم بالضبط.
كذلك التاريخ العام للبشرية لا يختلف كثيرا عن عمر الإنسان الفرد من هذه الجهة، حيث يحدث أن تنتقل البشرية كأمة أو كمجتمع أو كدولة من طور إلى آخر لكن تلك الأطوار لا تتم على نحو فجائي ومنفصل عن التاريخ، أو على شكل فاصل بين أبعاده الثلاثة (الماضي، والحاضر، والمستقبل) على النحو الذي يمكنك القول معه بشكل قاطع أن ماضي تلك الأمة أو الدولة انتهى هنا وهنا بدأ المستقبل.
فالأحداث المهمة في التاريخ أو في حياة الإنسان الفرد لا تعبر عن فواصل قاطعة في أطوارهما التاريخية أو العمرية، بقدر ما تعبر عن أمر آخر لا علاقة له ببداية الزمن أو نهايته، وإنما عن كيف يمكن أن نحيا "الزمن" نفسه بشكل جيد أو أسوأ. 
فتاريخ الزواج أو التخرج من الدراسة كأحداث مهمة في حياة الإنسان الفرد مثلا،لا تعبر عن فواصل واضحة بين أطواره العمرية (الطفولة،الشباب،الرجولة،الكهولة) وإنما عن إمكانات الحياة في العمر نفسه. بصيغة أخرى "الإفادة من إمكانات الماضي والحاضر وتحدي اشكالياتهما ومخاطرهما لحياة أفضل أو أسوأ في المستقبل وفقا لنجاح أو إخفاق تلك العملية وليس لبداية زمن أو نهاية آخر.
كذلك الأمر مع الأحداث المهمة في التاريخ كـ"الثورات" فهي ليست أحداثا منفصلة في التاريخ، أو تعبير عن فواصل قاطعة بين أبعاده الثلاثة، إنما هي إضافات جديدة واحتمالات أخرى على مسار التاريخ نفسه دون انفصال أو انقطاع فجائي عن المؤثرات الماضوية البعيدة والقريبة، أو التأثيرات المستقبلية التي لا يمكن تحديد مداها الزمني وحجم تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة فيه. 
ليس التاريخ غير الالتقاء الدائم لأبعاده الثلاثة (الماضي، الحاضر، المستقبل) في المتوالية التاريخية المستمرة التي يمكن التعبير عنها على النحو التالي:
1_ إشكاليات وإمكانيات الماضي _البعيد والقريب_ والحاضر
2_ مخاطر تلك "الإشكاليات" وفرص "الإمكانيات"
3_ التكيف مع تلك الإشكاليات" والإمكانيات "عدم الفعل"
4_ التحدي لتلك الإشكاليات وتوظيف الإمكانيات " الفعل، الثورة"
5_ المسار التاريخي الجديد "التأثير غير المحدود والنهائي في المستقبل".
6_ المتوالية مرة أخرى..
في هذه المتوالية يبرز الفعل أو بتعبير آخر "الثورة" كأحد أهم الالتقاءات المميزة لأبعاد التاريخ الثلاثة كأحداث مهمة ومؤثرة، غير أنها لا تبدو استثناء ككائنات مستقلة بذاتها عن التاريخ تبدأ من عند نفسها وتنتهي هناك أيضا. على النحو الذي يمكن القول معه أنها بدأت مستقلة بذاتها ومنفصلة عن مؤثرات التاريخ الماضوية القريبة والبعيدة، أو أنها ستنتهي بشكل مستقل عن السياق العام للتاريخ في المستقبل. في تأثيراته القريبة والبعيدة، المباشرة وغير المباشرة.
حيث لا تبدو "الثورات" هنا غير لحظة مميزة وفارقة في التاريخ نفسه، لتحدي الإشكالات والمخاطر الماضوية والحاضرة، والإفادة من إمكاناتهما المتوفرة لخلق مسار آخر للتاريخ قد يكون أفضل أو أسوأ وفقا لنجاح أو إخفاق التجربة وليس لبداية زمن أو نهاية آخر. فهي لا يمكنها خلق مستقبل غائي ونهائي بعد الثورة.. نهاية التاريخ ليس من ممكناتها ولا ممكنات أي شيء آخر. 
ما توفره الثورة ليس أكثر من فرصة للعبور من الإشكاليات الماضوية والحاضرة التي أصبحت أخطارا محدقة ومهددة، ولفتح آفاق جديدة للانطلاق لمسار تاريخي جديد إلى حين،.. ومنه إلى مسارات أخرى ليست غائية أو نهائية أيضا.. حيث تظل المتوالية التاريخية تتوالد على الدوام..
الحجر الصحفي في زمن الحوثي