دماج.. وصمة عار في جبين الإنسانية !

منيف الهلالي
الاثنين ، ٢٠ يناير ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٠٦ مساءً
يتحدث الحوثيون ووسائل إعلامهم وناشطوهم الحقوقيون عن أن الشيخ/ يحي الحجوري خرج من دماج بمحض إرادته، في الوقت الذي كان سيدهم عبد الملك الحوثي - كما يزعمون- قد طلب منه البقاء ومعه طلابه الصالحين بعد إخراجه للإرهابيين الأجانب, المتأمل الحصيف للأحداث الأخيرة التي دارت في صعدة، والذي له معرفة كاملة بالحركة الحوثية والجماعة السلفية منذ تأسيسهما في اليمن، يدرك أن ثمة مغالطات وأكاذيب يحاول الحوثيون تمريرها لطمس معالم الجريمة البشعة التي ارتُكِبت بحق سلفيي دماج, لا أعلم ماذا بوسع الحجوري وطلابه أن يعملوا، أو ماذا كان مطلوباً منهم فعله، أمام الحصار الحوثي وآلته العسكرية المهولة التي أحرقت الأخضر واليابس على مدار مئة يوم من الحرب الهستيرية الظالمة، غير إعلان الرحيل عن دماج.. 
خصوصاً وقد حذرهم رأس هرم السلطة، من إبادة جماعية، قد تشترك فيها عديد من الدول التي بدأت التقارب مع إيران الحاضن الرئيسي للحركة الحوثية ومثيلاتها في المنطقة, لقد تمثل الشيخ يحي الحجوري وهو يغادر دار الحديث، المثل القائل: مجبر أخاك لا بطل، وأظنه أقدم على ذلك حتى يعصم دماء السلفيين ويحفظ دعوتهم التي تكالبت عليها الأمم، بعد أن وعده الرئيس بالمكان الآمن والحماية الكافية، والدعم المناسب، وفي نفس الوقت بعد أن مسح يديه من تلك الجبهات التي قال القائمون عليها أنها فُتحت لنصرته، لكن، وقد أطاع ولي الأمر وقبل بالخروج من مركزه بهذه الطريقة المؤلمة، هل سيفي الرئيس بالتزاماته.. أم أنه سيتنصل منها ليجد السلفيون أنفسهم في اللامكان، كما يتمنى لهم الحوثيون وأصحاب الأفكار القريبة منهم, هذا ما ننتظره في الأيام القليلة القادمة، وإن كنت أشتم رائحة لا تنبئ بذلك، خصوصاً بعد أن تحرك التهاميون ورفضوا دخول السلفيين محافظتهم، وهذ التحرك الشاذ عن عادات اليمنيين وشهامتهم - بكل تأكيد - جاء نتيجة إيعاز من صنعاء, الحوثيون.. وبحجة وجود الأجانب في دماج، يحاولون بشتى الوسائل، والطرق، إلصاق تهمة الإرهاب بالجماعة السلفية، التي لا تمتلك وسيلة إعلامية واحدة، سواء أكانت مرئية، أو مقروءة، أو مسموعة، حتى تستطيع الدفاع عن نفسها، غير أن الأكاذيب والمغالطات التي يتداولونها لا يمكن لها أن تنطلي على ذو لب، إذ أننا نعلم أن وجود الأجانب في دماج ليس وليد اللحظة، بل إنهم موجودين منذ تأسيس مركز دار الحديث، في مطلع ثمانينات القرن المنصرم، على يد الشيخ/ مقبل الوادعي رحمه الله، لكننا ومع هذه الفترة الزمنية الطويلة، لم نسمع - البتة - عن أي عملية إرهابية مصدرها دماج، ولم نعثر - إطلاقاً - على فتوى تحريضية واحدة تقف وراء أي عمل إرهابي، سوءا أكان هذا العمل في الداخل أو الخارج، بل إن الوداعي وعقب عودته من أرض الحرمين، شرع في محاربة الفكر القاعدي التكفيري بكل الطرق، وبشتى الوسائل، وما تحويه مكتبته التسجيلية من محاضرات ودروس محذرة من هذ الفكر المنحرف عن جادة الصواب إلا خير دليلاً على ما نقوله, ثم إنني لا أعلم أي منطقٍ هذا الذي خول للحوثيين الادعاء بأن السلفيين هم الذين أعتدوا عليهم، ونحن نعلم علم اليقين أن طلاب العلم في دماج لا علاقة لهم بالسلاح، ولا يجيدون التعامل معه، حتى أن أحد القادة العسكريين، في الحروب الماضية التي خاضتها الدولة مع الحوثيين - كما أكدت لي مصادري الخاصة - كان قد طلب من الشيخ الحجوري تدريب عدد من طلابه على القتال، حتى يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم، في حالة تعرضهم لأي عدوان من الحوثيين أو غيرهم، غير أن الحجوري رفض ذلك، بحجة أن طلابه وجدوا في مركز دار الحديث للتعليم دون سواه. 
قد يقول قائل: ما دموا غير مدربين على السلاح كيف لهم أن يصمدوا في وجه الحوثيين كل هذا الوقت؟ أقول: أما تعاملهم مع السلاح في الثلاثة الأشهر الماضية، وخوضهم غمار الدفاع عن أنفسهم، فإنه كان نتيجة حتمية للواقع الذي فرضته عليهم الأحداث، فلا مفر من قتال الدفع إلاّ إلى نيران الحوثي أو بطش ميليشياته، ولذلك صمدوا هذا الصمود الأسطوري الذي قل نظيره, وكي يتبين القارئ أكثر عن حقيقة من هو المعتدي عليه أن يسأل نفسه سؤلاً واحداً: هل امتدت يد السلفيون إلى رازح أو ضحيان أوغيرها من مناطق الحوثي، أم أن الحوثيون هم الذين حاصروا دماج، وقتلوا رجالها، ونسائها وأطفالها، ودمروا مساكنها، ومساجدها ومزارعها، وفي تقارير اللجان الرئاسية التي شكلها رئيس الجمهورية السابق والرئيس الحالي ما يؤكد أن الحوثيون هم الذين قاموا بهذا الفعل المشين، فكيف لهذه الميليشيات المسلحة - التي أصبحت تمثل دولة داخل الجمهورية اليمنية - بعد تهجيرها لأهل دماج، وسيطرتها على آخر مساحة كانت ماتزال تدين بالولاء لهذا الوطن المتآكل حد التشظي، أن تمرر علينا أكاذيبها ومغالطاتها..؟ ونحن نرى بأم أعيننا طموحها اللامتناهي، لاجتثاث الوجود المخالف، واللهث وراء السلطة المغتصبة، لإعادتها إلى أهلها, هكذا اسألُني.. لأجد الإجابة على مقربة من هذا الوخز الاستفساري المؤلم، وهي تذرف مدامعها، على واقعٍ مريرٍ، استأثر فيه الجلاد على عصى الوالي، فبات يدمي بها أجساد المظلومين دون فكاك..! لقد تآمر الجميع على هذه الدعوة التي ما رأينا منها إلا الخير والصلاح لهذه الأمة..
- ابتداءً من الجارة "الشقية" التي كان الجميع يعول عليها لنصرة أهل دماج - المحسوبين جينياً عليها - وان بمكالمة هاتفية مع الزعيم، تجعله يوقف راجمات الصواريخ والدبابات والأسلحة الثقيلة التي تنتمي إلى مخازن الحرس الجمهوري السابق، وقد أنهكت منطقة دماج، وحولت منازلها ومساجدها إلى ركام، أو بأخرى تشحذ همة الجنرال كيما يدل المشير على الظلم والجور الذي لحق "بذوي القربى"، أو بأي طريقة من طرقها المتعددة، لكنها لم تفعل، إذ أن مشروعها المستقبلي - وهي التي لا تمتلك مشروعاً واضحاً - يتوقف عند خلط الأوراق، وإشعال فتيل الحروب في كل الأماكن القريبة منها والبعيدة، للخلاص من الجميع، حتى يتسنى لها أن تبات آمنة على نفسها من عدوها الأول: الإخوان المسلمين، وعدوها الأول مكرر: الشيعة، وآخرين، هي لا تعلم في الأساس لماذا تستعديهم، ولماذا تحرِّض على قتلهم، ولماذا تمدهم وأعداءهم بالمال والسلاح في آن..؟
- مروراً بجبهات النصرة، التي ما لمسنا نُصرتها إلاّ حين تقهقرها في الجبهات بطريقة مخزية توجب مراجعة الحسابات وتعرية الحقائق التي ما تزال في مهب الجرح.
- وموقف الإخوان المسلمين الذين لا يمكن تصديق عجزهم عن فعل أي شيء يردع الحوثيين حتى يفكوا حصارهم عن أهل دماج، إلا أن يكون ذلك العجز المفتعل، هو ردة فعل محزنة على موقف السلفيين المصريين من الإنقلاب العسكري على حكم الإخوان المسلمين في مصر..!
- وانتهاءً بالصمت الذي خيم على حكومة " النفاق"، والمنظمات الحقوقية والمدنية، والصحفيين، وحتى السلفيين الذين لهم بعض التحفظات على بعض المسائل الحجورية، والبقية الباقية من هذا الشعب المغلوب على أمره، الكل أرتدى العار وسكت عن حرب الإبادة التي شنها الحوثيون على طلاب العلم في دماج وما آلت إليه من تهجير مأساوي، مسلّمين الأمر لدباباته وميليشياته المنتشية بغياب الدولة وسقوطها المدوي في فخ الفوضى والفساد, لقد شارك الجميع في هذه الجريمة البشعة، التي سترويها الأيام بمرارة خانقة، وتدونها الكتب بحبرٍ نازف، وسينحتها أولئك الرجال على جدران قلوبهم بألمٍ موجع، ستداول الأجيال القادمة جريمة التهجير التي لم يشهد لها التأريخ مثيلاً منذ آلاف السنين، ولن يرحم التأريخ.. ولن يسامح أحداً، سيبقى هذا التهجير القسري والتطهير العرقي الطائفي لعنة ستصيب الحوثيين وأعوانهم ومن تعاطف أو تآمر معهم حتى قيام الساعة، وسيبقى العار لصيقاً بمن لم ينصر الحق حتى يتطهر من رجس تخاذله وصمته المعيب, لكم الله يا أهل دماج ولا نامت أعين الجبناء.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي