أعداء الفيدرالية

محمد الشلفي
الخميس ، ٢٦ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ٠٧:٠٠ مساءً
 
 
قال لي أحد المحاربين المصريين المساندين لثورة 26 سبتمبر وأنا في القاهرة في العام 2006: كان من الصعب عليهم شرح معنى “جمهورية” للناس. وفي ذلك الوقت كان أنصار الملكية يبثون شائعات عن نظام نقيض للإسلام لحشد مزيد من العداوات ضدها. 
قلة قليلة كانوا يعرفون مساوئ حكم الإمامة وما وصل إليه من تضخم واستبداد ترفضه حتى سنن التغيير في الكون، وضرورة التخلص منه والانتقال إلى نظام أكثر تقدمية بمقاييس العصر، وزاد جهل الناس بمعاناتهم في سبيل إنجاح أهدافها ومرت بنجاحات وعثرات وساعد الزمن في اقتناع الناس بها. 
كان طبيعياً أن يعادي الناس ما يجهلونه، وهذا يعيد نفسه اليوم مع إقدام اليمن على التحول إلى النظام الفيدرالي، الدولة الاتحادية المقسمة إلى أقاليم، وتشكل نوايا انفصال الجنوب ودعواته هاجسا مقلقا لمن يعتبرون الفيدرالية شراً يراد لليمن بقصد أو بنوايا حسنة من أبنائه. 
يستشهد المتخوفون بتجارب العالم الناجحة الذي أصبح يسعى للتكتل والتحالف، فهناك وحدة ألمانيا الشرقية والغربية، وحتى في إطار اتحادات كونفدرالية مجموعة دول مع بعضها فيما نسعى نحن إلى الانفصال. 
لم تكن الفيدرالية خياراً طارئاً وكان مطروحاً منذ أعلنت الوحدة كأحد الخيارات إلى جانب “وحدة اندماجية”، وقد يبدو اليوم كحل خاص بالقضية الجنوبية فيما هو يصلح لأن يكون حلا للقضية اليمنية وليس الجنوبية للحد من الصراع المُزمن على النفوذ وكسر احتكار “المركز المقدس” كما جرى تسميته للسلطة وبالتالي للثروة. 
بالأمس وقَّع ممثلو الأحزاب والمنظمات في اللجنة المصغرة لفريق القضية الجنوبية المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني على وثيقة تقدم بها المبعوث الأممي جمال بن عمر لحل القضية الجنوبية، حيث اعتبرت الوثيقة القضية محورا لحل المشكلة اليمنية برمتها. 
وتنص الوثيقة في محورها الأول على “معالجة الماضي” عبر مجموعة من “المبادئ” التي تقتضي صياغة دستور لدولة اتحادية على أساس أقاليم تعمل بشكل مستقل في ظل الدولة بما يضمن تحقيق المصالح الخاصة والمسؤوليات المشتركة. ومنها أيضا ضمان تمثيل الجنوب بخمسين بالمائة في كافة الهياكل القيادية في الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية. 
واتفقت الوثيقة الموقعة على إيكال مهمة تحديد الأقاليم إلى لجنة يشكلها رئيس الجمهورية تكون قراراتها نافذة. ومع صياغة الدستور تبدأ مرحلة بناء اليمن الاتحادي الجديد، بدعم إقليمي أممي بحسب جدول زمني. 
عرَّفت الوثيقة بعض المجهول، وبددت بعض المخاوف التي نخشاها على اليمن من التفكك أو الصراع، كما نفَّس توقيعها قليلا من انسداد سياسي آخر النتائج لأشهر. ما نحتاج إليه الآن مزيداً من الإنجاز دون إهدار الوقت، فكلما ظهرت نتائج جديدة للحوار وعرفها الناس خفت حدة عداواتهم وزادت احتمالات نجاحنا. 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي