تأكيد كُرويّة الأرض

كتب
الاربعاء ، ٣٠ اكتوبر ٢٠١٣ الساعة ١٢:٣٤ صباحاً

 

 

من الصعوبة بمكان استسبار عوالم المتصوف المُحيِّر، والشاطح الأكبر أبي يزيد البسطامي، فقد كان البسطامي فريد ذاته في النص الصوفي الأكثر إبحاراً في غرائب اللغة ومدهشاتها، والأكثر قدرة على تقديم صور مُبتكرة تبدو في ظاهرها مُجسَّدة، لكنها في عمقها تتجاوز حتّى الصور السريالية التي عهدناها في لوحات “سلفادور دالي”، وعلى سبيل المثال. 

الفرق بين البسطامي والسرياليين الأوروبيين، أن البسطامي يُقدم تصويراً بارع الأناقة والدهشة والغرائبية، مستخدماً اللغة المحكيّة والمكتوبة، واللغة فحسب. ذلك أن دالته البصرية المُدهشة كامنة في اللغة، وقادمة من تضاعيف معانيها، وآفاق تشكُّلاتها اللامتناهية. 

وسأورد هنا لطيفتين عابرتين من لطائف البسطامي. 

جاء أحدهم سائلاً عن أبي يزيد، ودقّ عليه الباب، فردَّ أبو يزيد من وراء الباب قائلاً: عمَّن تبحث؟ ، فأجاب السائل: عن أبي يزيد. 

فردَّ عليه أبو يزيد قائلاً: حتى أنا أبحث عنه منذ عشرين عاماً !! 

ومن محاججاته الصاعقة للكلاميين الصادرين عن ثقافة التدوين التاريخية. قال أبو يزيد : أي علم هذا الذي به تُحاجِجُوننا؟.. لقد أتيتم به رسماً عن رسم، وميتاً عن ميت .. أما نحن فنأتي به من الحي الذي لا يموت!!. 

في المقولتين السابقتين للبساطي نتوقّف أمام فلسفة الوجود الدائرية التي تتبَّع المتصوف الشاطح خُطاها، مُعتبراً دورته الأزلية حول ذاته الحائرة وتكرار أيامه السائرة، بمثابة من يؤكد كُرويَّة الأرض فحسب!  

وفي عبارته التالية التي يرُدُّ فيها على الكلاميين يختزل في جملة واحدة عقيدته في المعرفة؛ جازماً بأن “العلم المُكْتَسَبْ” قراءةً وتتبُّعاً لا معنى له أمام “العلم اللَّدني” الذي يأتيك فيضاً عن فيض، كما لو أنك تستقيه من منابعه الصافية. 

يقول ابن الفارض: 

وما الخلق في التمثال إلا كثلجةٍ 

                   وأنت بها الماء الذي هو نابع 

فتأمل عزيزي القارئ. 

 

[email protected] 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي