من يتأمر على الوحدة؟!

كتب
الأحد ، ٠١ سبتمبر ٢٠١٣ الساعة ٠١:١٣ صباحاً

 

قد يختلف المتحاورون في (الموفنبيك) في تقويم المشهد الراهن الذى يمر به اليمن ويختلفون حول كيفية الخروج من هذا المشهد وتعقيداته وإرهاصاته بحلول يرضى عنها الجميع.. فذلك أمر طبيعي لكن غير الطبيعي هو أن يفرض فصيل بعينه إرادته وشروطه وإملاءاته على جميع أطراف الحوار بل وعلى اليمن وطناً وشعباً وشبه دولة وأن يصبح هذا الطرف هو المتصرف بمسار الحوار وأن يغدو الوضع برمته محكوماً بمشيئة هذا الطرف الذى أصبحت ارتداداته السلبية مؤثرة ليس فقط على الأمن والاقتصاد والنسيج الاجتماعي وإنما على الحكم والحياة السياسية بكل تفاصيلها. 

فإلى ماذا تشير هذه الحالة؟ أنها التي تعيدنا بالتأكيد إلى البدايات الأولى لظهور الحركة الاحتجاجية في الشارع الجنوبي والتي كان الكثير من السياسيين يعتقد أنها لا تعدو عن كونها ظاهرة احتجاجية ستنتهي بتلبية مطالبها المشروعة والمعقولة لكن تلك النظرة لم تكن سوى إلى السطح وليس إلى أعماق المؤامرة التي كان يحيكها ولا يزال علي سالم البيض وبعض القيادات الجنوبية في الخفاء بهدف فرض الانفصال بالقوة وذلك بدعم من طرف خارجي معروف. 

لقد ظلت قوى الحراك الجنوبي تتحدث عن نهب الأراضي وهي محقة في ذلك وتشير إلى مظالم حقوقية وتلك مسألة صحيحة وتتحدث عن فساد في قطاع النفط وذلك قائم وتطالب بإنصاف من سرحوا من أعمالهم قسراً وتدعو إلى الشراكة في السلطة والثروة والاعتذار عن كل ما لحق بأبناء الجنوب من غبن أو تهميش أو إقصاء لكنها وعلى الجانب الآخر ظلت تقفل الأبواب أمام معالجة تلك القضايا باختزالها الحل في الانفصال وعودة الأوضاع إلى ما قبل 1990م لتؤكد بهذا الطرح على أن مجمل تلك الإشارات لم تكن سوى ذرائع تستخدم في سياق التعبئة لتمرير مخطط الانفصال وانها في الأصل غير معنية بالوحدة مع وجود هذه المظالم أو عدم وجودها. 

والمؤسف أن الكثير من القوى السياسية والحزبية هي من استمرت تتعامى عن هذه الحقيقة إن لم تسع إلى التغطية عليها بدفاعها المستميت عن تلك الحركة الاحتجاجية في الشارع الجنوبي ومن يقف وراءها ويدعمها بالمال تارة والسلاح تارة أخرى حتى بعد أن تجاوزت هذه الاحتجاجات التوقعات بأمرين أولهما انتقالها إلى الفعل العنيف والتنكيل بأبناء المحافظات الشمالية والقيام بالاعتداء على بعضهم بوحشية.. أما الأمر الثاني فهو تخليها عن المطالب الحقوقية ورفعها لشعار الانفصال والتحرر من الاحتلال الشمالي.. والغريب حقاً انه وفي الوقت الذى كان يرى فيه العديد من المراقبين أن مثل هذا التصعيد لا يعبر عن حالة عفوية وان (وراء الأكمة ما وراءها) كما يقول العرب كان سياسيونا أو من نطلق عليهم النخبة يمسكون بالعصا من المنتصف بل إن هناك من سخر إمكانياته السياسية والإعلامية والمعنوية لدعم ومساندة النبرة العدائية التي بدأت ترتفع ضد الوحدة وإسكات وإخراس أي صوت غيور على الوحدة في المحافظات الجنوبية. 

ومع ذلك دعونا نبدأ من حيث ما يبدو اليوم هو (الأهم) أليس من الغريب أن ينسحب الحراك الجنوبي من الحوار قبل جلسته الختامية وأن يلجأ إلى المطالبة بحوار ندي بين الشمال والجنوب يعقد في دولة محايدة من اجل التشاور حول فك الارتباط والتفاهم على الطرق الموصلة إلى الانفصال مع انه الذى دخل الحوار قبل اكثر من خمسة اشهر وهو الذى يعلم علم اليقين أن هذا الحوار سيجري تحت سقف الوحدة وليس شيئا آخر وأليس من المريب أن يخرج علي سالم البيض عقب هذا الانسحاب ليحرض من على قناة فضائية لبنانية قريبة من حزب الله على العنف والعصيان المدني في المحافظات الجنوبية التي سبق وان سلمت عن طيب خاطر من قبل الإدارة الحاكمة للبلاد لمليشيات الحراك التي صارت تتوعد كل من يرفض تنفيذ تعليماتها بالقتل والتنكيل؟ 

واذا كان الأمر لا يحتمل الحديث عن مؤامرة ضد الوحدة.. فكيف نفهم صمت دولتنا والدول الراعية للتسوية السياسية والمبادرة الخليجية والمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة اليساري القديم جمال بنعمر, حيال التحركات والأنشطة المشبوهة لعلي سالم البيض وبعض القيادات الجنوبية التي تتنقل بين العواصم لجمع الأموال بهدف زعزعة استقرار اليمن وتخريب وحدته ودفع أبنائه إلى الاقتتال وسفك دماء بعضهم البعض؟ وماذا يعني هذا الصمت رغم ادراك الجميع بخطورة الدور الذى بات يلعبه البيض وتلك القيادات ليس فقط على صعيد عرقلة جهود التسوية السياسية وإنما بتورطه في التحريض على العنف ونشر الفوضى وإذكاء الصراعات الداخلية بين اليمنيين؟ 

والثابت أن هذه القيادات الانفصالية هي من تجهزت واستقوت وتوحشت وأحسنت تدبير أمورها إلى درجة أنها من صارت تتامر على اليمن ووحدته وتتعاون مع أعدائه علناً وفي الخفاء دون أن يرف لها جفن و اذا ما كانت تنتظر شيئاً فليس سوى اللحظة التي تفاجئنا بخارطة جديدة للوطن وعلم ونشيد ودولتي جوار على احسن تقدير.. وحتى نفوت عامل المفاجأة على تلك القيادات الانفصالية فعلينا التسليم منذ الآن أن ما سيحدث ليس اكثر من مواجهات تسفر عن استشهاد بعض آلاف وتشريد أخرى ثم تدخل الأشقاء والأصدقاء ووقف إطلاق النار وبدء الأمم المتحدة بالاستفتاء على مشروع الانفصال ووضع البراميل على الأطراف وإقامة النصب التذكارية للشهداء ثم الانتقال إلى المباحثات على المناطق المتنازع عليها وتوقيع معاهدة حسن الجوار بين جمهورية الشمال العربية وجمهورية الجنوب الديمقراطية. 

ومن حسن حظنا أن هذه المواجهة ستكون آخر المواجهات بين الجمهوريتين الشمالية والجنوبية لان كل واحدة منها هي من ستتمزق إلى عدة كيانات ودويلات تتفرغ لقتال بعضها البعض إما على بئر نفط أو على تصرف ناقة تجاوزت حدود الدولة الأخرى.. ولا عيب في ذلك السنا أحفاد العرب الأقحاح الذين خاضوا حرب داحس والغبراء وغيرها من الحروب العبثية في التاريخ القديم والوسيط والمعاصر. 

نقلا عن اخبار اليوم

الحجر الصحفي في زمن الحوثي