تعز .. إرادة حضارة

كتب
الثلاثاء ، ٢٧ أغسطس ٢٠١٣ الساعة ٠٢:٥٣ مساءً

 

في خطى متذبذبة تحاول مدينة تعز التقدم نحو الأمام ومع كل خطوة تتراجع ضعفين إلى الخلف غير أن سر ثباتها يكمن في مقاومتها للسقوط بالرغم من كل الآلام التي تعتريها .

ما يميز هذه المدينة أن كل فردا من أبنائها يرى في شخصه أنه مسئول عليها وعن حمايتها والدفاع عنها ونحن هنا لا نستثني أحد من أبنائها بما في ذلك المتهمون بارتكاب الجرائم وأصحاب السوابق وحتى المسلحون والمحببون في الشوارع , فكل منهم ولد على فطرة حب هذه المدنية قبل يضعه من حوله في المكانة التي وصل إليه .

على امتداد قرون خلت تميزت تعز عن غيرها من المدن اليمنية وسائر دول المنطقة بتعايشها السلمي وتقبلها للمدنية واهتمامها بالزراعة والصناعة والتجارة ما شكل عامل جذب للبشرية من أجل الاستقرار فيها وما الكثافة السكانية التي تعيشها المحافظة في وقتها الراهن إلا خير دليل على ذلك .

تشير المراجع التاريخية أن الكثير من المدن اليمنية القديمة التي خاضت فيما بينها العديد من الصراعات والحروب من أجل الثروة والسلطة لم ترتقي للحياة كما كانت مدينة " العدنة " والتي تمتد من المعافر إلى حضرموت إذ تميز سكانها بجنحهم للسلم والتفرغ لمتطلبات الحياة وفق قوانين تضعها الدولة الحاكمة وكل هذه عوامل ساعدت على تبوءها مكانة رفيعة بين القبائل العربية وهي المكانة التي حذت بخير خلق الله محمد صلى الله وعليه وسلم إلى إرسال مبعوثه معاذ بن جبل إليها برسالة الإسلام  وبناء أول مسجد فيها .

لست هنا بصدد التغني بمجد قديم أو لعقد مقارنة بين الماضي والحاضر بقدر ما يكمن القصد في ربط حضارة متسلسلة لدولة انتهجت المدنية منذ فجر التاريخ وحتى ... اليوم .

اللهث وراء العلم  والجد والاجتهاد في العمل والحفاظ على العادات والتقاليد الحميدة المورثة كل هذه عوامل أشغلت أبناء تعز عن النظر إلى سفاسف الأمور وبالتالي عاشت المجتمعات في هذه المناطق عقود طويلة من الانسجام والتعايش السلمي بين الأفراد باستثناء بعض المنغصات التي كانت تصطنعها السياسية الخاطئة  .

مما سبق تتجسد أمامنا صورة مشرقة عن دولة مدنية ظن أهلها ومن حولها في وقتهم الحاضر أنها تعيش فترة زمنية غابرة وأنها فقد بريقها المدني بفعل ما علق بها – وللأسف -  من شوائب غير حسنة أفرزتها ممارسات خاطئة يتحمل الجميع مسئولياتها أمام الله أولاً وكل منا أمام ذاته وضميره ومجتمعه والناس ثانياً .

يخطئ من يعتقد أن ما تشهده تعز من عادات سلبية ودخيلة عليها هي وليدة اللحظة بقدر ماهي تراكمات ولدتها العقود الأخيرة بفعل السياسية الخاطئة وما أنتجته من أحزاب بمسميات مختلفة أسهمت في إلهاء أبناء تعز عن العلم والعمل والبناء والتفرغ لخدمة هذه الأحزاب ومحاولة كل حزب السيطرة على الآخر وبالتالي تغلبت سياسة الولاء للحاكم على مصلحة الوطن مما أدى إلى أضعاف القضاء وتفاقم الجرائم كما توالدت الثارات وانتشرت المحسوبية وظهر الفساد في كل مكان .

نظرة متفحصة لما يجري في تعز الآن نستنتج أن التاريخ توقف عند مفرق طريقين وكلما هم بخطوة نحو طريق جذبته الطريق الأخرى وتكمن الطريق الأولى في إعادة التاريخ الأصيل لهذه الدولة وحضارتها المدنية في البناء والتنمية بينما تحاول الطريق الأخرى جذبه – أي التاريخ – إلى تكرار نفسه كما العقود الأخيرة من حيث حب الذات والولاء الحزبي وتغليبه عن مصلحة تعز والوطن بشكل عام .

التاريخ في الطريق الأخيرة ليسا بحاجة إلى أن يكرر نفسه إذا ما تعاضد وتكاتف جميع أبناء تعز على قلب رجل واحد , وهي خطوة ليست بجبارة بقدر ماهي سهلة على قوم جعلوا من العلم منوال لحياتهم ومن العمل عطاء لوطنهم .. إنها الإرادة والإرادة الصادقة فقط ما يحتاجها أبناء مدينتي في هذه المرحلة  الحساسة والهامة من تاريخ تعز الفاضلة ,, وكأني بصبح أقترب شروقه على مدينة مدنية تملا الدنيا حب وبناء .>>

تعز مسئولياتي

 

 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي