قطر والجزيرة وقليل من الانصاف !!

كتب
الجمعة ، ٠٢ أغسطس ٢٠١٣ الساعة ٠٤:٤٣ صباحاً

 

الجزيرة قناة صهيونية ، امريكية ، ماسونية وووالخ من النعوت والتهم الجاهزة ، أسأل كيف صارت قناة " العربية " عربية وهي التي طالما وصفت بقناة " العبرية " نظرا لمواقفها المخجلة المنحازة للحكومات العربية لا الشعوب العربية ؟ وكيف باتت كثير من القنوات المصرية والخليجية صوتا لثورة 30يونيو المصرية ، ولميدان التحرير ، وللجيش المصري ، ولشرعية الانقلاب على رئيس منتخب ديمقراطيا وهي القنوات المعروفة حقبة بكونها صوتا مداهنا متزلفا للحكم العائلي الفاسد والمستبد ؛ بل وبمناهضتها لثورة 25يناير 2011م ، وبدفاعها المستميت عن الرئيس المخلوع حسني مبارك ورموزه وحزبه الوطني وحتى أخر لحظة ؟.

نعم قناة "الجزيرة " لم تعد بقناة الشارع العربي ، ونعم لم تعد قناة " العربية " لسان حال الحكومات العربية وفق تعبير سابق كان قد اطلقه أمير الاعلام طلال بن عبد العزيز ،فما من شيء يبقي على حاله وديدنه ، وقناة الجزيرة بكل تأكيد لم تعد بقناة " الجزيرة " التي طالما كانت سباقة في نقل الاحداث وفي تفردها وجرأتها وفي كسرها لرتابة وسأم الاداء الاعلامي المعارض والرسمي على حد سواء .

 كما لا أُبالغ هنا إذا ما قلت بانه ولولا قناة " الجزيرة " ومحرريها ومراسليها ومموليها وصوتها الاثيري والجهور والخارق للعادة ؛ لما وجدت قنوات كالعربية الممولة سعوديا  وكالحرة الامريكية وسواهما من الفضائيات المؤسسة خصيصا لمواجهة هذا الصوت المارد الذي إذا ما ترك لعواهنه فلن يبقي ، أو يذر نظاما مستبدا إلا  وتغلغل فيه .رويدا رويدا .

قبل سنة تقريبا اخبرني الاعلامي الرائع اسعد طه صاحب " نقطة ساخنة " بان حلقته التالية لميدان التحرير في مصر ستكون عن السلاح والقبيلة في اليمن ، وقتها طلبت منه اعلامي بوقت برنامجه المعروف لسنوات عبر أثير قناة الجزيرة ؛ بل وزدت إذ قلت له ان الزمن تبدل ، فبعيد ما حدث من ثورات باتت في كل دولة قناة " جزيرة " إذا لم اقل قنوات وصحف متحررة كثيرا من لغتها القديمة .

ووجود قنوات مصرية وليبية ويمنية وتونسية ربما كان سببا في الحاحي بمعرفة وقت اذاعة تقرير المذيع المتألق والجاد اسعد طه،  فواقع الحال تغير وبمصلحة القنوات المحلية الاهلية والرسمية ، ومع هذا التعدد الايجابي المنتصر نسبيا لحرية الكلمة والتعبير كان من تجلياته كسر احتكار قناة الجزيرة لمعظم وقت المتابعة .

 تحول بلا شك أعده  واحدة من انجازات  قناة " الجزيرة " القطرية السباقة في كسر حالة الرتابة التي عاشها الاعلام الفضائي العابر للحدود والمقتحم للسيادة والاعراف والتقاليد السائدة لحقبة زمنية ، كما وأعد ثورات الشباب العربي ، وما ترتب وسيترتب عنها اليوم وغد في مضمار التحرر من قيود واغلال الاعلام العربي الشمولي والموجه ؛ لنتيجة حتمية لثورة الجزيرة المنطلقة عام 96م ومن بلد صغير لا يكاد المواطن العادي في امريكا واوروبا واستراليا يعرفه قبل انطلاقة قناة الجزيرة واقتحامها فضاء العولمة الفسيح ومن بابه الواسع الذي جعلها محط متابعة واهتمام سكان البسيطة قاطبة .

شخصيا لم اعد متابعا شغوفا ونهما لقناة الجزيرة مثلما كنت قبل واثناء ثورات الشباب ، فما من شك ان الخيارات والبدائل متوافرة اليوم ، فهناك أكثر من قناة فضائية محلية وعربية واجنبية ، كما ويقينا بان لكل قناة ودولة وجهة غاية وهدف يسعى كل طرف لتحقيقه .

فإذا كانت المجتمعات العربية قد فاقت من سباتها وانكسارها السياسي فذاك مرده في الاغلب وسائل الاعلام والاتصال ومنها قناة " الجزيرة " التي كان لها دور الريادة في التأثير الكبير والواسع ، فمدة عقد ونصف من التعبئة والضخ الكثيف والمستمر والمتفرد وغير مسبوق كان وقعه على المجتمعات العربية ونخبها السياسية كبيرا ومؤثرا  .

 وعندما نخص القناة ودون سواها من الصحف والقنوات الاخرى ؛ فذاك لا يعني التقليل من اهمية ودور وسائل الاعلام والاتصال في هذه التهيئة الذهنية والوجدانية والفكرية والسلوكية ، فمما لا شك فيه هو انه ولكل من هذه الوسائل أثرها في ما حدث لاحقا وإن بنسبة متفاوتة ما بين وسيلة واخرى ، ومع هذه المسلمة فان ما ميز قناة الجزيرة عن غيرها هو عمومية رسالتها أو خطابها الذي تعدى المحلي والوطني الى القومي والاسلامي والانساني ، ضف لها قدرتها المذهلة مهنيا وتقنيا ، وتفردها بالجرأة والشجاعة ومخاطبة الشارع العربي بلغة جديدة موقظة محرضة مستفزة موجهة وووو الخ ناهيك - وهذا هو المهم - منافستها لوسائل الاعلام الاجنبية ؛ بل والتفوق عليها وفي أكثر من مضمار .

لتكن الجزيرة مؤيدة للرئيس المعزول عسكريا محمد مرسي ! ولتكن – ايضا – داعمة لفكرة اخونة انظمة ما بعد الربيع العربي ! فهل الاختلاف في ماهية الاستحقاقات التالية للثورات يجعلنا ننكر ونجحد ما قدمته قناة الجزيرة من جهد ودور وفي ظرفية تاريخية صعبة وحرجة ؟ وهل تحيز دولة قطر وقناتها لاحد اطراف العهد الثوري في مصر او اليمن او تونس او ليبيا جريمة منكرة ومشينة فيما دعم السعودية والامارات والكويت وايران والعراق وسواها لأطراف في النزاع الدائر يعد مكرمة تستوجب الشكر والثناء ؟ .

هذه الايام واين جلت بنظرك فلا تجد غير اللعن والشتم واطلاق تهم الخيانة والعمالة للصهيونية والبيت الابيض ؟ وكأن قطر التي عرفناها زمنا بكونها الدولة الخليجية الاولى المجنسة للكثير من الكفاءات العربية ، والمؤهلة الوحيدة خليجيا لقيادة قاطرة الحداثة والديمقراطية والانفتاح على العالم لم تعد هي قطر ذاتها ،والحال ينطبق على قناة الجزيرة التي طالما قلنا فيها ما لم يقله مالك في الخمرة مدحا وتغزلا وافتتانا وصارت الآن مجرد بوقا للفتنة والخراب .

بعض النخب للأسف وبعيد ما احدثته قناة الجزيرة من مكانة وشهرة مازالت غير مستوعبة بكون هذا الزلزال الهائل خلفه ثورة الاعلام والاتصال وفي صدارة هذه الثورة قناة الجزيرة ، نخب عتيقة وخشبية لم تستوعب بعد كيف ان دولة اشبه بكانتونة سويسرية ، وفيها أكبر قاعدة امريكية في الشرق الاوسط ومن ثم تكون هذه الدولة الصغيرة حاضنة لهذا الصوت القوي الصادح بجرأة وشفافية خارقة في جدار الصمت والتضليل والرتابة والتدجين الممارس من الاعلام الحكومي والاهلي والحزبي .

هؤلاء ربما غفلوا أو تجاهلوا - وهم في غمرة انحيازهم للرؤساء بشار ومبارك وصالح والقذافي – حقيقة الوجود الامريكي المتغلغل في اعماق وتفاصيل الانظمة الديكتاتورية العربية ، فهذه العراق ومنذ اجتياحها في مارس 2003م وهي اشبه بمستعمرة امريكية ، فبرغم سطوة الترسانة الحربية الامريكية كانت العراق اول دولة عربية تطلق القنوات والصحف التي ملأت مساحة العراق والخارج وببذخ وترف وصل لحد التخمة ، ومع كثافة الانتشار لوسائل الاعلام لم نعثر في هذا الكم على قناة واحدة تضاهي الجزيرة شهرة ورسالة واداء وتأثير  .

لا اعلم لماذا نحن العرب نكره الانصاف والحق ؟ اننا نتعامل مع الحقائق والوقائع والقرائن بلؤم ، ومكر ، وانانية ، وظلم ، وتشويه ، واحتقار ، وجحود ، ولدرجة الاساءة لأنفسنا وللحق الذي ننشده ، كيف انتقلت قطر وقناتها من قبلة للأحرار والثوار العرب الى مجرد دولة وقناة جل ما افلحتا به هو حياكة المؤامرات ، وتصدير الخراب والموت الى مصر وسوريا واليمن وتونس وليبيا وووالخ ؟ .

نعم لماذا لا نكون منصفون ودعاة حق ؟ لنقول بان قطر والجزيرة مثلا رافعة وحامل للأمل العربي في التغيير والخلاص من الانظمة العائلية الاستبدادية الفاسدة ، والآن قطر والجزيرة في جبهة مغايرة هدفها تمكين الاخوان ، وبسط نفوذهم وحكمهم على جمهوريات الربيع العربي ! نعم ليس عيبا ان نذكر لقطر وقناتها فعلهما الجميل والرائع وعلى مدى عقد ونصف .

 ففي النهاية ثورة الاعلام مستهلها " علبة الكبريت " وفق تعبير الرئيس المخلوع مبارك لقناة الجزيرة كما وموطن هذه الثورة دولة قطر ، فعلى فرضية أن الاثنان تبدلا وتغيرا في الحاضر وبعيد سقوط الحكام أثر تسونامي لا يبدو ان منتهاه بقعة ومكان بعينه ؛ فهل في المسألة ما يجعلنا ننكر وننسي دورهما الكبير ؟

نعم فلتكن المسألة برمتها مجرد تلاقي وتناغم وقتي غايته الاطاحة برؤوس الانظمة المستبدة وفي جمهوريات لا ملكيات ! ونعم لنعتبر اننا اتفقنا زمنا حول ضرورة التغيير وحين دانت وانجزت المهمة بتنا جميعا في جبهات مختلفة ، فكل واحد منا يريد تجسيد الفكرة التي اختمرت برأسه ، فواحد يريدها اسلامية وأخر يودها ليبرالية علمانية وثالث ربما ارادها وسطا بين الاسلامية والليبرالية وهكذا .

إذا المشكلة في ان الجزيرة ليست محايدة ومهنية في تناولها للأحداث الاخيرة في مصر أو سوريا ؛ فماذا عنا نحن المتبخترون بمنطق ثوري رجعي عسكري استبدادي جعلنا عاجزين عن تقديم صورة للإعلام الحر والمهني والمحايد ؟ كيف نطلب من الجزيرة لأن تكون منصفة وعادلة في تغطيتها للأحداث فيما هنالك قنوات ثورية اغلقت كليا نوافذها كي لا يصل الصوت الاخر اليها ؛ بل ووصل الامر بقنوات الثورة الى تسليم رأيتها للأنظمة والحكام الطغاة الذين ثارت عليهم ردحا طويلا ؟

الحجر الصحفي في زمن الحوثي