البرادعي يدين المجزرة.. فلماذا لا يستقيل؟

كتب
الاثنين ، ٢٩ يوليو ٢٠١٣ الساعة ٠٢:٤٧ صباحاً

 

اذا كانت العبرة بالنتائج، فانه يمكن القول ان الانقلاب العسكري الذي اطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي وحكومته ادى الى ازدياد الاوضاع تدهورا في مصر بدلا من ان يحقق الاستقرار والامن وتصحيح مسار الثورة المصرية مثلما اكد المنظرون له وجدواه في بياناتهم السياسية وتصريحاتهم الصحافية.

المجزرة التي ارتكبتها قوات الامن المصرية في ميدان رابعة العدوية يوم السبت وادت الى مقتل واصابة المئات من المعتصمين السلميين هي اخطر نتائج هذا الانقلاب غير المبرر وغير المدروس، لانها بذرت بذور الحرب الاهلية الاولى، وخلقت ثارات من الصعب زوالها بسهولة والحيلولة دون تطورها الى اعمال انتقامية في ظل حالة الاستقطاب الحالية، وانسداد افق الجهود المبذولة لتطويق الازمة والوصول الى تسوية مقبولة من جميع الاطراف.

لا نفهم الاسباب التي دفعت قوات الامن ومن يقف خلفها الى ارتكاب هذه المجزرة، فالمعتصمون في الميدان لم يقدموا على اعمال عنف، واكدوا دائما على الطابع السلمي لاعتصامهم، فماذا يضير حكام مصر الجدد، وغير المنتخبين، لو ظل هؤلاء على هذه الحال لاسابيع او حتى اشهر، على غرار ما حدث وما يحدث حاليا في ميدان التحرير؟

الدكتور محمد البرادعي شيخ الليبراليين المصريين الذي فاجأ الكثيرين، ونحن منهم، بتأييد الانقلاب العسكري وتوفير الغطاء له، والانضواء تحت مظلته بقبول منصب نائب رئيس الجمهورية، ادان الاستخدام المفرط للقوة ضد المعتصمين الاسلاميين وحلفائهم من انصار الشرعية في الميدان، ونسي انه يتحمل المسؤولية، مثل آخرين، عن هذه المجزرة، باعتباره من اعمدة الحكم الجديد، وكان الاحرى به ان يستقيل من منصبه اذا كان جادا في اقواله هذه.

الشيء نفسه يقال ايضا عن الرئيس المؤقت عدلي منصور، فهذا الرجل جاء الى هذا المنصب من المحكمة الدستورية التي كان رئيسها، وباختيار مباشر من قائد الانقلاب الفريق عبد الفتاح السيسي، اي انه من المفترض، وبالنظر الى خلفيته القانونية، ان يكون اول من يدين سفك دماء مواطنين مصريين لم يرتكبوا اي ذنب غير التعبير عن موقفهم السياسي بوسائل سلمية مشروعة، الامر الذي يدفعنا الى طرح العديد من علامات الاستفهام حول نزاهته والمحكمة الدستورية التي كان يرأسها.

كان المتوقع من الرئيس المؤقت، وهو القاضي ان يعترض، وان يقدم استقالته احتجاجا واحتراما للمؤسسة الدستورية التي كان يتزعمها، ليس بسبب المجزرة فقط، وانما لانه كان مغيبا كليا عما يحدث في البلاد من احداث وتطورات، واصبح وهو الرئيس مجرد موظف لدى وزير الدفاع، الحاكم الفعلي للبلاد.

الاوضاع في مصر تتجه نحو التصعيد، وربما المزيد من المجازر، خاصة بعد تصريحات وزير الداخلية المصري اللواء محمد ابراهيم التي هدد فيها بفض اعتصام انصار الشرعية بما سماه "الطرق القانونية"، فاذا كانت الطرق القانونية هذه على غرار ما فعليته قوات الامن باطلاق النار على المعتصمين وسقوط المئات وربما الآلاف قتلى وجرحى، فاننا نتوقع الاسوأ، بل اسوأ الاسوأ.

من المفارقة ان بعض قادة جبهة الانقاذ الذين ايدوا الانقلاب العسكري، ومهدوا له بالاشتراك مع حركة تمرد من خلال الدعوة للحشود الشعبية في الميادين، ادانوا مجزرة رابعة العدوية، وطالبوا بتحقيق شفاف ومعاقبة المسؤولين، وهذا موقف جيد ظاهريا، ولكن كان من المفترض ان يكونوا اكثر وعيا وتبصرا وابعد نظرا، وان يقبلوا التعايش مع الآخرين، ويحترموا قوانين العملية الديمقراطية.

انتقدنا ممارسات حركة الاخوان واخطاءها اكثر من مرة، وسنظل، ولكن جبهة الانقاذ المعارضة ورموزها ارتكبت اخطاء كارثية ايضا، وما تحالفها مع الانقلاب العسكري الا احد النقاط السوداء في تاريخها وهي التي كانت الاعلى صوتا في الهتاف لسقوط حكم العسكر.

صحيح ان الاسلاميين، والاخوان على وجه التحديد، هم الاكثر خسارة باسقاط حكمهم، واعتقال قياداتهم وقتل المئات من انصارهم، ولكن التيار الليبرالي واليساري هو خاسر ايضا، وارتكب خطأ كبيرا في حساباته عندما راهن على الوصول الى الحكم من بوابة الانقلاب العسكري، بسبب عدائه للاسلاميين.

الانقلاب العسكري، ومهما امتلك من اسلحة ودبابات وحتى التأييد الشعبي الذي يريده، ومن المشكوك فيه ان يقود مصر الى بر الامان والاستقرار في ظل الانقسام المتفاقم حاليا، والعناد والتصلب في المواقف سيقود الى كوارث اكبر، ما يقود مصر الى بر الامان هو اعتراف جميع الاطراف باخطائها، والتحلي بالحكمة والتعقل، والايمان بمبدأ التعايش وعدم اقصاء الاخر.

مصر في محنة، وهي تحتاج الى جميع ابنائها، بغض النظر عن انتمائهم السياسي او العقائدي، ولا بد من الاحتكام الى شرعية صناديق الاقتراع واحترامها، اما ان تكون المؤسسة العسكرية هي الخصم والحكم فهذا طريق الى هاوية الدمار.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي